لم تشهد الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية المبذولة على خط الأزمة والحرب في اليمن، تطوراً ملموساً، إلا في مستوى التحركات التي أجراها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ، والمبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، واللذين تنقلا بين العواصم الإقليمية وزارا كل منهما منفردا العاصمة العُمانية مسقط، بالتزامن مع تحركات سعودية وإيرانية موازية.
ويمكن القول إن الزخم الذي اكتسبته التحركات الدبلوماسية خلال الأسبوع المنصرم، قد جاء، تحديداً، من الزيارة رفيعة المستوى التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى مسقط، والتي تزامنت أيضاً مع زيارة كبير مستشاري وزارة الخارجية الإيرانية على أصغر خاجي والتقى خلالها رئيس وفد التفاوض التابع للجماعة الحوثية الانقلابية.
ورغم ذلك لا أظن شخصياً أن اليمن موعود بتجديد وشيك للهدنة، ناهيك عن وقف لإطلاق النار يمكن أن يتكئ على حسن نوايا الدول الإقليمية المنخرطة في هذا الصراع ومن بينها إيران، إذ يرجح أن مهمة كبير مستشاري الخارجية فيها، لم ينقل سوى تعليمات لرئيس فريق التفاوض في الجماعة الحليفة لها بصنعاء، وربما تحريض على المزيد من التشدد، وإعادة توجيه الجهود الدبلوماسية بما يخدم الأجندة الإيرانية على وجه الخصوص.
هذه التحركات أثارت حتى حفيظة الشخصيات اليمنية المحسوبة سياسياً على خط أبو ظبي في الأزمة اليمنية، وأذكر منها وزير الخارجية الأسبق والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، الدكتور أبو بكر القربي الذي أبدى انزعاجاً واضحاً وبرر انزعاجه بأسباب موضوعية، منها أن تسوية محتملة مع جماعة الحوثي الحليفة لإيران، سوف تفضي حتماً إلى حرب أهلية طويلة الأبد في اليمن.
ودعونا نعاضد هذه الرؤية بغض النظر عن دوافعها الحقيقية، لأن المضي في مسار منفصل ومنعزل عن السلطة الشرعية، ويقتصر على السعودية في مقابل جماعة الحوثي، يشكل ضربة معنوية كبيرة للسلطة الشرعية التي تكافح من أجل أن تضع قدميها على الأرض وبدعم سعودي أيضاً، حتى إن كانت هذه المفاوضات تدور حصراً حول مسألة تجديد الهدنة لا أكثر.
التحركات السعودية غير المنفصلة عن الأولويات الأمريكية، والمتصلة حصراً بتجديد الهدنة والذهاب إلى أبعد من ذلك، تبدو للوهلة الأولى متطابقة مع الشعارات التي رفعتها الجماعة الحوثية، بشأن ضرورة أن تمضي جهود حل الأزمة وإنهاء الاقتتال في اليمن، مساراً ثنائياً تأسيساً على معادلة الصراع الظاهرية التي كرستها إيران، وتبدو معها السعودية عدواً خارجياً وحلفاؤها (إيران) الحوثيون جماعة وطنية تدافع عن اليمن.
يكافح الحوثيون ومن ورائهم إيران، من أجل الدفع بمحادثات الهدنة التي تُسيِّرها الحكومة العُمانية، إلى ما هو أبعد من مطالبهم المراوغة بشأن تنفيذ بنود الملف الإنساني، إلى مستوى يضمنون من خلاله أن وقف إطلاق النار والترتيبات السياسية التي ستليه يقتصران على جهد طرفي الصراع (السعودية- الحوثي) في معزل عن السلطة الشرعية.
ويقينهم أن تنفيذ كافة البنود التي يطرحونها ضمن هذا الملف سوف يعزز بشكل تلقائي من موقفهم العسكري والسياسي، وسيكرس سلطة الأمر الواقع التي أسسوها في شمال اليمن، بواسطة الحرب والدعم الخارجي متعدد الأطراف.
ورغم اللغط الذي أُثير حول جهود الوساطة العمانية وهذا الزخم الدبلوماسي المبذول على خط العمل من أجل إنهاء الأزمة اليمنية، فإن الأمر لا يعدو كونه محاولات لإضفاء قدر إضافي من الثبات الحالي للهدنة غير الرسمية والمدفوعة الأجر بالنسبة للحوثيين، والقائمة على جانبي الحدود اليمنية السعودية.
على أن الهدنة غير الرسمية، لا تعني بأي حال من الأحوال توقف حرب الحوثيين على اليمنيين وحصارهم المتواصل للمدن والتجمعات السكانية، وتواصل أعمال القنص التي تتسبب في استشهاد العشرات من الأبرياء المدنيين ومنهم أطفال ونساء في كل من تعز والضالع ومأرب وغيرها من مناطق التماس.
تزامنت زيارة وزير الخارجية السعودي إلى مسقط مع تسرب مضامين تقرير فريق الخبراء الدوليين الذي واصل الحديث عن عمليات تهريب للأسلحة النوعية عبر الحدود اليمنية العمانية المشتركة، وتورط جماعات تهريب منظمة تنشط في هذا المجال على الجانبين اليمني والعماني.
ورغم أن سلطنة عُمان تنتهج سياسية واضحة مبنية على عدم الانجرار للمحاور أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا أن استمرار هذا النشاط يظل ضمن الجريمة المنظمة التي تتم خارج الالتزام بالنظام والقانون في السلطنة، وهو أمر يقتضي التحدث على مستويات عالية بين الرياض ومسقط، إلى جانب الاستحقاقات الإقليمية الأخرى التي تنشغل بها العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي.
إن بناء تفاهمات قوية بين الرياض ومسقط هو أكثر ما يشغل الجانبين في هذه المرحلة، ولا أرى الجهد العُماني مهيمناً على أولويات المملكة فيما يخص جهود إعادة فرض الهدنة بشكل رسمي، ويعزى ذلك إلى أن الرياض لم تفقد قنوات التواصل مع جماعة الحوثي، منذ ما قبل الحرب وحتى اليوم، كما أنها ليست متحمسة لإنهاء الحرب على وقائع لا تتناسب مع متطلبات أمنها الاستراتيجي، ومنها أن يصبح حلفاء إيران أصحاب الكلمة الأولى في الجانب الآخر من الحدود، لما لهذا الاحتمال من تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي.
على أن مسقط تبقى متفردة في ميزة الوصول السريع إلى مصدر القرار في جماعة الحوثي، وممارسة الضغط الدبلوماسي الذي من شأنه أن يقلل من حجم التعقيدات المرتبطة بصلف الجماعة الحوثية وطموحاتها المبالغ فيها واستعجالها لحسم الحرب على النتائج الراهنة.
وفهم الدور العُماني ضمن هذا الإطار، لا يدعم مجالاً للتعاطي الجاد مع وجهات النظر المتحمسة التي ترى أن عقد صفقة سعودية حوثية على وشك الحدوث، فقط لأن هذا الأمر قد يُزعج أبو ظبي، أو يُرضي الوسيط الإقليمي العماني.
ويعاني النازحون في اليمن، الذين تقول الأمم المتحدة إن عددهم أكثر من 4.5 ملايين، عموما وفي مأرب بشكل خاص من وضع إنساني صعب للغاية؛ جراء حالات التشرد التي يعيشونها منذ سنوات الحرب، وسط تراجع الدعم المقدم من المنظمات الإغاثية، ونتيجة تقلبات الطقس بين الحر الشديد والرياح العاتية والأمطار الغزيرة والسيول.
*نقلا عن عربي21