كان 22 مايو 1990 أعظم أيام اليمنيين، فهو يوم تحقيق وحدة بلدهم التي طالما تاقوا إليها كثيراً..
أما ما شاب عهد الوحدة من قصور وصراع على السلطة وحرب وفساد، فيرجع إلى الأطماع الشخصية والأنانية والجشع وقصر النظر، لجهات وأشخاص لم يكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية والإنجاز العظيم.
عندما تكون في السعودية أو تطوف بأرجائها، تستعظم براعة قائد عربي استثنائي مثل الملك عبدالعزيز ال سعود، الذي وحد أقاليم واسعة من جزيرة العرب في كيان واحد ودولة واحدة، فيها المذاهب السنية المختلفة، وفيها الشيعة الاثنا عشرية والإسماعيلية، وفي ظروف لم تكن أقل تحدياً وتعقيداً من حاضرنا..
ولولا وجود بريطانيا حينها لربما تمكن عبدالعزيز من توحيد الجزيرة العربية كلها.. ولو لم يتمكن عبدالعزيز ال سعود من توحيد كيانات عدة في جزيرة العرب، في دولة واحدة، لما كانت المملكة العربية السعودية بهذه المكانة المرموقة اليوم. وتستغرب كيف لا يأخذ بعض اليمنيين الدروس والعبر من أقرب أشقائهم وجيرانهم ومن وحدة جارهم الكبير الذي يساوي أربعة أضعاف مساحة الجمهورية اليمنية..
في مؤتمر الرياض صادفت بعضاً من قادة المجلس الانتقالي، وبقدر ما هم رائعون على المستوى الشخصي، فإن الموقف السلبي من وحدة اليمن يحز في النفس ويحزنها، وأرى أن مثل تلك المواقف، مما لا يشرف تاريخ أحد، وإن علا صخبها وتطاول ضجيجها، في هذا الزمن الغريب، وفي غفلة من المنطق والعقل والمسؤولية التاريخية والاخلاقية، وأمام تلعثم وصمت مريب وملفت، لكثيرين ممن يعنيهم الأمر.. ومثل تلك المواقف لن تكون مما يدعو إلى الفخر، عندما تقف الأجيال القادمة على أحداث واقعنا وزمننا ومواقف رجاله..
قد تجد المواقف المجحفة التي تتبنى تجزئة اليمن، من يدعمها الآن، ومن يؤيدها في هذه الظروف المريبة، وهذا الوضع العربي المضطرب، لكن التاريخ لا يرحم، ولا يصح فيه الا الصحيح.. وأي فخر لأي أحد، وأي احترام وتقدير لموقف وهو يهدف إلى تقسيم وتجزئة بلد عربي مثل اليمن؟!
من الذين التقيت بهم في الرياض، أحد قادة الانتقالي وهو شاب نابه، يعيش في أمريكا، وبادرته بالتحية: مرحبا إبراهام لنكولن!
كنت أود تذكيره بقائد أميريكي عظيم، لا بد أنه يعرف عنه الكثير، وكيف أنه حافظ على وحدة الولايات المتحدة ودفع حياته ثمنا لذلك في النهاية، واصبحت اليوم، بلاده؛ الخمسين دولة (United States) أو الخمسين ولاية، أعظم دولة في عصرنا وفي التاريخ.. وينظر الأمريكيون إلى لينكولن باعتباره أعظم رئيس في تاريخ أمريكا على الإطلاق، لدوره في الحفاظ على وحدة بلاده عندما تعرضت لخطر وجودي وحرب أهلية.. ولو قدر لمشروع الانفصال في أمريكا أن ينجح لأسفر عن دول في مستوى لا يختلف كثيرًا عن تلك الدول العادية في امريكا اللاتينية، ولما كان في العالم اليوم دولة أمريكية بهذا المستوى والتأثير العالمي غير المسبوق.. وبقدر التحفظ على بعض مواقف السياسة فيها، وكونها في نهاية المطاف تجربة بشرية، لها وعليها، لكن الإمبراطورية الأمريكية قادت إنجازات علمية ومعرفية هائلة استفادت منها البشرية، وما تزال أمريكا تشكل نموذجا لنجاحات مبهرة في ميادين شتى..
كنت أود القول لذلك الشاب المحترم: كيف يعيش البعض منا في ذلك البلد الضخم المتحد؛ أمريكا، الذي وحده قادة عظماء، والمكون من أديان ومذاهب وأجناس شتى، وفي نفس الوقت يطالب بتقسيم بلده الأصلي اليمن؛ وهو لا يتعدى حجم ولاية أمريكية صغيرة أو متوسطة الحجم مساحة وسكاناً، مع أن أهل بلده الاصلي، اليمن، أخوة وأولاد عم، ومتحدون حتى جينيا، على حد تعبير مسؤول عربي كبير..
وفي عالمنا العربي، لدينا فائض من التقسيم والتشرذم لا يحتمل المزيد، بل يفترض أن الحال يتطلب مشاريع وحدة أوسع، ونموذج الاتحاد الأوروبي، ليس بعيدًا.. وقد يقول قائل: تلك أوروبا وأولئك هم الاوروبيون! وقد يدرك من يتبنى تبريراً مثل ذلك أنه ينطوي على تحقير للعرب، إذا كان العرب غير قادرين حتى على التعلم من غيرهم، فضلاً عن المبادرة من ذات أنفسهم.. وينطبق الحال على اليمن؛ إذا كان هناك من يرى أن اليمن وحدها التي يجوز أو يجب تقسيمها في بلاد العرب! لكن بالمقابل، قد يقول يمنيون كثر: اليمن واليمنيون غير قابلين للتحقير والتشطير والتقزيم أيضاً.
والخلاصة؛ لن يكون التقسيم والشرذمة شرفاً أو مكسبا حقيقيًا لأحد، بل العكس في الحقيقة، فهو ليس أكثر من نموذج شرير لتناسل مشاريع تفكيك وتقسيم أخرى، في اليمن وفي المنطقة، وسيقود إلى تناحر واضطراب وفوضى عارمة، ولن يكون مصدر فخر لجيلنا ولا لقادتنا، ولا للأجيال القادمة، ولا لمن يتبناه اليوم أو يتواطأ معه أو يدعمه..
كل عام وأنتم بخير واليمن بخير.
*نقلا عن حساب الكاتب في فيسبوك.
*الكاتب سفير الجمهورية اليمنية لدى الأردن.