كما كان متوقعاً، تواصل ألوية العمالقة السلفية الجنوبية تقدمها العسكري في ظل إسناد كبير جداً من طيران التحالف لمهمة هذه الألوية التي تقضي بطرد الحوثيين من مديريات شبوة الثلاث: بيحان وعسيلان وعين عسيلان، التي أعادت جماعة الحوثي المسلحة احتلالها في أيلول/ سبتمبر الماضي، في ظل ملابسات عديدة، وتحقيقاً لأجندات تقاطعت بشكل واضح جداً بين التحالف وهذه الجماعة.
التقدم العسكري لألوية العمالقة تحقق حينما توفر السلاح النوعي، وحينما توفرت التغطية الجوية المكثفة، وحينما قرر التحالف خوض المعركة على هذه الساحة الجغرافية من البلاد وبالتأكيد وفقاً لأولوياته، لأن التحالف نفسه كان قبل ذلك يحول بقوة دون اندلاع المواجهات مع الحوثيين في شمال غرب شبوة بواسطة الجيش الوطني؛ وفيه مقاتلون من كل أنحاء اليمن ونالوا نصيبهم من الاستهداف لمعسكراتهم بضربات جوية نفذها طيران التحالف وأسفرت عن مقتل العشرات من هؤلاء الجنود، بهدف إبطال مفعولهم العسكري في محافظة شبوة، وللحيلولة دون أن يصبحوا جزءا من معركة استعادة مديريات المحافظة من الحوثيين.
يجري اليوم الحديث عن كفاءة القوات الجنوبية في تحقيق الإنجازات العسكرية ودحر الحوثيين، لكن الحقيقة هي أن ألوية العمالقة (سلفية) هي قوات شبه عسكرية تنتظم عقائدياً أكثر من انتظامها عسكرياً، وهي نقيض عقائدي للحوثيين لكنه نقيض يجري توظيفه بشكل مدروس من جانب التحالف لتحقيق أهداف جيوسياسية بوقود عقائدي فعال للغاية.
المعركة الحقيقية التي يواجهها الحوثيون ليست في بيحان أو في أي من مديريات شبوة التي لا يحتفظون فيها بقوات حقيقية، لذا رأينا أن معظم الضربات المؤلمة التي وجهوها لقوات العمالقة كانت عبر الصواريخ البالستية أو عبر صواريخ "التوشكا" التي تطلق من معسكرات في محافظة البيضاء الغربية المجاورة.
مرة أخرى تتكشف الحقيقة المرة، وهي أن التحالف هو من يحرك ويتحكم بالعمليات العسكرية وبنتائجها. ففي حين يحجم عن دعم قوات الجيش الوطني بالشكل المطلوب في مأرب، يظهر كل هذا السخاء في دعم قوات العمالقة إلى درجة أن الضربات الجوية تكفلت تقريباً بإنهاء وجود الحوثيين المحدود في مديريات شبوة، وهو أمر لا يوفر الطيران إلا نسبة ضئيلة منه في الجبهات المشتعلة في محيط مدينة مأرب، حيث يضغط الحوثيون عسكرياً بهدف الوصول إلى المدينة، لكن الجيش الوطني يقاوم بشراسة ويلحق بهم أضراراً كبيرة.
ليس هناك حرب بالمعنى الحقيقي سوى تلك التي تدور في محيط مأرب، فالضحايا بالمئات والمواجهات شرسة وعلى مسافة صفر تقريباً، في استنزاف مدروس لقوات الجيش الوطني ومقاتلي القبائل المساندة لهذا الجيش، ما يظهر إلى أي مدى يمارس هذا التحالف بشاعته ضد شعب عربي مسلم، هو في الحقيقة الكتلة السكانية الضامنة، والسند الحقيقي في معركة التوازن الديمغرافي التي تهدد منطقة الخليج بكل دولها.
وعدا ذلك فالحرب في الجبهات الأخرى، كالتي تدور في شبوة أو في الساحل الغربي، انتقائية وتكتيكية، ومحاولات لخلق مشروعيات ميدانية للقوى التي تبتعد كثيراً عن الشرعية وعن أهداف استعادة الدولة، وتُصدِّرُ مواقفَ بهلوانية حول الصراع مع "الروافض" و"الفرس" و"مرتزقة" إيران، وهي توصيفات تشير إلى أي مدى تبتعد العمليات العسكرية التكتيكية هذه عن أهداف استعادة الدولة اليمنية.
وفيما تحقق قوات الجيش الوطني تقدمات مهمة على حساب مقاتلي جماعة الحوثي في شمال مدينة مأرب وجنوبها، وعلى الرغم من تضاؤل فرص الحوثيين في الوصول إلى أهدافهم في مأرب على ضوء نتائج المعارك، فإن محافظ محافظة حضرموت اللواء سالم بن فرج البحسني، المحسوب على التحالف والذي يتحرك ضمن هامش مناورة يُبقيه جزءا من السلطة الشرعية وموالياً بشكل صوري لرئيسها المتواجد في الرياض، هذا المحافظ أطلق تصريحات خطيرة جزء منها أفاد الرجل بأنها جاءت في صيغة تحذيرات صادرة عن الرئيس هادي نفسه، ومفادها أن على محافظة حضرموت أن تتأهب لمواجهة خطر وشيك يتمثل في سقوط محتمل لمأرب وتقدم عناصر جماعة الحوثي المسلحة صوب المحافظة.
هذا في الحقيقة يلقي بظلال قاتمة على المعركة التي تبدو إيجابية إن في محافظة شبوة أو في مأرب، إذ تبدو هذه التطورات العسكرية جزءاً من دبلوماسية خشنة ولئيمة تدفع باتجاه تسوية تعزز حالة الانقسام الجيوسياسي الذي يتعزز بنفوذ حاد لقوى الأمر الواقع متعددة الولاءات والأجندات في اليمن، خصوصاً على ضوء ما حصل في شبوة وما يحصل الآن في حضرموت.
فما يحدث في حضرموت يبدو أنه يدفع باتجاه بناء هيكلية جديدة سياسية وعسكرية يمكن أن تتخلق من رحم المشهد الفوضوي الذي تنتجه "الهبة الحضرمية" على قاعدة المظلومية المزعومة لهذه المحافظة، حيث يرى القائمون على "هبة" حضرموت الشعبية أن هذه المظلومية تتجلى في شكل استفادة غير مستحقة من موارد المحافظة النفطية والسمكية من قبل أطراف خارج المحافظة.
التجمعات القبلية والشعبية تجري في مناطق مفتوحة ويُدعى إليها شيوخ وقبائل حضرموت، وفي الجانب الخشن منها تقوم عناصر مسلحة من هذه القبائل باعتراض الشاحنات التي تحمل النفط والموارد السمكية بحجة أنها جزء من ثروة المحافظة. وتدار هذه الهبة من جانب التحالف بكل تأكيد، وتهدف في المحصلة إلى خلق صعوبات وتحديات تبدو في ظاهرها جزءا من استحقاقات شعبية غير مسيطر عليها، ما يسمح للمتحكمين الإقليميين بفرض مقترحاتهم للحل والتي تأتي في شكل تثبيت للتشكيلات الميدانية وتحصينها سياسيا بتفاهمات، وهو أمر قد نراه في حضرموت يتبلور في شكل مجلس انتقالي جهوي معني بشكل لصيق بمطالب الإقليم الشرقي من البلاد (شبوة، حضرموت، المهرة) والخاضع عملياً للنفوذ السعودي.
* نقلا عن عربي21