من كان ينتظر من ثورة الحوثي غير هذا الوضع الدامي؟ غبي ويتغابى من بشر بالحوثية وعهدهم وما لبث أن هدم منزله وحوصر واعتقل وفي أفضل احواله سمح له بالهرب، أما الذي صدق هذه الجماعة السلالية فهو أقنع نفسه بالوهم وصدق عقله طمعا في جاه، ثم ما الذي حدث؟ سقطت البلاد في الوحل وأصبحت مانشيت عالمي يتحدث عنها كبلد مريض يبحث عن العلاج وكسرة الخبز.
ما حدث في 21 سبتمبر 2014 وما تلاه من خراب ودمار وقتل ودم مسفوح يسكب في كل الأرجاء والجغرافيا اليمنية وجوع وتجويع، هو وضع يختصر ويلخص ماهية الحوثي ويعرفه بوضوح واختصار، إذ أنه لا يحتاج المرء لمجهود ولن يحتاج للبحث عن مصطلحات ليعرّف بها هذه الجماعة الفاشية بعد كل هذا الخراب الذي عم اليمن كلها شرقها وغربها شمالها وجنوبها، ذلك أن الدم اليمني وتمزق شمله وتشريد أسرته وجوع الأطفال والنساء، وسجن الرجال والأحرار والشرفاء والمظلومين، وضياع الدولة والتسلط على البلاد من قبل أرذل القوم وأهونهم، هي النتيجة الحتمية المروعة والوحيدة التي كان ثلة من المومنين باليمن يتحاشون حدوثها ويسعون للحيلولة دون الوقوع في براثينها، لكن تعامى الجميع.
مثل هذا التوقيت في 21 سبتمبر كان الجبناء والمنافقين والسفلة يقدمون القرابين للكهنة والعرّافين، ويتسابقون على من يقدم الإفطار الأدسم والغذاء الأجمل لمليشيات الحوثي العنصرية، وما إن مرت أيام قليلة حتى قال أحدهم أعرفه:
ليت والله على أرجل الإصلاحيين.
كانت صنعاء قد تحولت وقتها لمدينة أشباح مرعبة، يسكنها الليل المخيف والذئاب المفترسة واللصوص المتشبعين بالحقد والدم، أتذكر كيف أننا كنا نتهرب إلى منازلنا تهريب، وكل يوم ننام في منزل مختلف وحارة مختلفة خوفا من العيون المتربصة والسلاح المجنون الذي يبحث عن مجرد فرصة لإراقة الدم وقهر الرجال، مثل هذا اليوم شارك حزب المؤتمر بفعالية بإسقاط الدولة، ثم أصبح هو الضحية والهدف.
إن هذا الجحيم الذي يبتلع اليمنيين يوما بعد يوم، وهذا الموت الجماعي، وهذه المجاعة والقهر والتشريد، وكل الكوارث والمصائب هي إحدى ثمار نكبة 21 سبتمبر الحوثية، النكبة التي دفعت ولا تزال تدفع اليمن ثمنا فادحا ومروعا على كل المستويات بسببها، واليوم الذي كان بداية لانهيار كل شيء تماما، على مستوى السياسة والوضع الاقتصادي والاجتماعي والقيمي، إنها مجرد تفاصيل صغيرة أظهرت لنا حقائق كان الجميع يعرفها جيدا لولا العناد والغباء والحسابات الضيقة للنخبة والمجتمع والأحزاب.
هذا الشتات والتمزق والقهر والجوع والمرض والوباء، هذا الهوان والعبث، هذا الموت الذي ازدهرت فيه المقابر وأغلقت المدارس والجامعات، كلها تختصر ما جاء به الحوثي وتقدم تلخيصا موجزا عن مشروعه التدميري، كلها عناوين لعنوان جريمة الإنقلاب الدامي، التي سال من خلالها الدم اليمني حتى وصل إلى المحيط، ولا زال ينزف، ولن يتوقف حتى يتم دفن هذه الذكرى واستعادة البلد من مخالب الكاهن القابع في الكهف الذي يشرب من دمنا وأرزاقنا بنشوة منقطة النظير ولا يبالي.
عبدالملك الحوثي لم يكن ليجد فرصة أفضل من هذه ليخرج لنا جماعته الظلامية، وكأي جماعة قادمة من خارج السياق الوطني والمجتمع اليمني والإجماع، لا يمكن لها النجاح إلا في ظل وضع كهذا حرفيا، ينشغل المجتمع فيه بالبحث عن قطرة الماء وكسرة الخبز طلبا للحياة في ظل الموت الذي يزدهر في كل مكان، وهروبا من السجن الذي يحيق بالناس جميعا، ليس هناك أفضل من وضع منفلت كهذا، مزقت الدولة فيه وغابت المؤسسات واختفت المنظمات والأحزاب ولم يعد هناك من صوت سوى صوت المليشيات والرصاص الخارق والسلاح، الذي أصبح منتشرا أكثر من الغذاء والدواء، هذا هو زمن العصابات ولن تستطيع الظهور والسيطرة والتحكم في وضع غير هذا، لذلك يوجد عبده الحوثي ويسطع نجمه.
إغلاق المدارس والجامعات وسحب الطلاب من مقاعد الدراسة للجبهات وتفخيخ المناهج الدراسية واختطاف الكوادر التربوية والأكاديمية وتوسع المقابر وبناء أخرى، الدم المسفوح الذي أصبح إراقته أبسط عمل يقوم به أي شخص، هو إحدى تجليات نكبة 21 سبتمبر وتاريخ تغريبة اليمنيين، لو لم يكن من كوارث سوى هذه لكفانا القول أن هذا اليوم يحتم على كل يمني بداخله ذرة من انتماء لوطنه أن يشحذ الهمة ويوحد القلب نحو الهدف الأسمى ويتعالى عن كل الجراح والآلام والخلافات البينية ليستعيد بلاده الجريحة ويعيد لها الإعتبار ويتوب عن كل خطيئة أخرت هذا الفعل، ومن لا يفعل ذلك فالحوثية تليق به وهي تعنيه بكل تفاصيلها القبيحة وأفعالها النازية.