الاثنا عشر لاجئاً سورياً الذين عُثر على جثثهم بالقرب من الحدود اللبنانية ميّتين من البرد ليسوا إلا بعضاً من مئات يموتون دون أن يدري أحد بهم. قتلة الشعب السوري: الطقس، والجوع، والتِّيه، والنهب، إلى جانب الروس والإيرانيين وقوات الأسد و«داعش» و«جبهة النصرة». ومن لم تُهدم داره على رأسه أو يُخنق بالغاز ويُقتل عمداً في الحرب قد يموت في المخيمات أو دروب الهرب.
وإذا كنا أعجز من أن نقف في وجه قوى الشر التي تشترك في حفلات القتل اليومية، فهذا لا يعفينا من إغاثة اللاجئين، وهي في صلب مسؤوليتنا. واجبنا نجدة ملايين السوريين الذين يعيشون في أوضاع مأساوية في المخيمات والملاجئ، خصوصاً في هذه الظروف المناخية القاسية التي نرى فيها كيف أن الآلاف يسكنون في الخيام ووسط الطين والأمطار والثلوج في عشرات المخيمات في الأردن ولبنان وتركيا وداخل سوريا نفسها.
للأسف، الجماعات المتطرفة لم تكتفِ بتخريب الثورة السورية بل أيضاً أساءت إلى النشاط الخيري الذي صار العمل فيه شبهة، واضطر العديد من المؤسسات إلى التوقف، فزادت معاناة اللاجئين.
مجتمعاتنا دائماً فيها حب عمل الخير، ومن أخلاقها المروءة ومد يد العون. ولا بد من إحياء هذه الروح التطوعية من خلال مؤسسات خيرية فيها شفافية ومحاسبة بما تتيح للجميع أن يعرفوا أين ذهبت تبرعاتهم، وكيف أُنفقت.
وفي سنوات الحرب الأهلية في سوريا، وقبلها في أفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك وغيرها، صار العمل الخيري محل الشك والملاحقة، من أجهزة الأمن الدولية، نتيجة ما تسلل إليه من جماعات إرهابية أو متطرفة وحتى من مؤسسات مشبوهة. ولقد اضطر العديد من المؤسسات إلى التوقف بسبب المضايقات، كما منعت الحكومات العديد من نشاطات جمع الأموال خشية سوء استخدامها. وبكل أسف انعكس ذلك كله على اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة ولم تعد لهم من وسيلة سوى انتظار المنظمات الدولية التي أرهقتها ضخامة العدد واتساع مناطق الأزمات وتعددها. وإيصال الأكل والملابس والخيام والإسعافات الطبية إلى مراكز اللاجئين مهمة صعبة لا تصل إلى محتاجيها بسلام. تتعرض مساعدات اللاجئين لطمع حكومات في المنطقة، يقوم بعضها باستغلالهم والمتاجرة بحاجاتهم، أو من قبل أشخاص في هذه الحكومات لا يتورعون عن نهب المساعدات. وهذا ما جعل المنظمات الدولية تعاني من تسلط بعض مراكز القوى في الحكومات المضيفة أو التي تعبر المعونات عن طريقها.
ومن المؤسف أن نرى دول منطقتنا أصبحت تبرر تقاعسها بالاكتفاء بلوم بعضها بعضاً، للتهرب من مسؤولية مساعدة الشعوب المنكوبة في منطقتنا. عدا عن أن التطوع والتبرع من أخلاقنا وشيمنا، فإنه أيضاً جزء من شبكة التعاضد الاجتماعي والإنساني الذي يحمي دول المنطقة من ويلات المستقبل، وكل المنطقة مهددة دائماً بالحروب والمآسي، وبالتالي فإن إحياء هذه الأخلاق الحميدة ضمانة للجميع بما فيها الشعوب التي تنعم بالرخاء اليوم.
إخواننا في سوريا واليمن، وغيرهما من المناطق المبتلاة بالحروب، يعيشون كل يوم بيومه، وفي ظروف قاسية، حياتهم تقوم على ما تعطيهم إياه المنظمات الدولية والإقليمية وأهل الخير. وهم جميعاً، أي كل العاملين في قطاع العمل الخيري، يستحقون منا التقدير على استمرارهم في دعم اللاجئين ومساعدتهم. ومعظمهم متطوعون جاءوا من أنحاء العالم، وقد لا تربطهم بمن يقدمون لهم العون أي رابطة سوى الإنسانية وحب عمل الخير.
وعندما نسمع عن الذين يموتون جوعاً أو برداً نتألم، ونشعر بأننا شركاء في مأساتهم لأن بإمكاننا إغاثتهم. وليس صحيحاً أنه ليس باليد حيلة، ويكفي دولار واحد تكلفة إعاشة اللاجئ في اليوم.
ختاماً، إن العمل الجماعي والعمل التطوعي والنشاطات الخيرية من مظاهر تقدم الأمم ورقي مؤسساتها. وفي اليوم الذي ننجح فيه في الإغاثة والعمل الإنساني فإننا نثق بأننا أمة تتقدم وتسير في طريقها الصحيح.
*نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"