شهدت الـ24 ساعة الأخيرة تطورات إقليمية متصاعدة، تطورات يمكن أن تعقد المشهد الإقليمي أكثر مما هو معقد، ومن أبرز هذه التطورات، إعلان ترامب عزم الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، عقد القمة الخليجية في الكويت، إعلان السودان عن إمكانية إحالة خلافاتها الحدودية مع السعودية إلى المحاكم الدولية، تشكيل تحالف سياسي كبير يضم المالكي والحشد الشعبي للاشتراك في الانتخابات البرلمانية المقبلة لعام 2018، وغيرها من الأحداث السياسية والأمنية، التي تشكل بمجملها حالة الشرق الأوسط المتغيرة.
إلا أن الحدث الأكبر من كل ما تقدم، هو عملية اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح من قبل الحوثيين، المدعومين من إيران، وهو ما قد يعقّد الوضع الأمني والسياسي في اليمن أكثر مما هو معقد الآن، إذ خاض الرئيس السابق علي عبدالله صالح 6 حروب عسكرية ضد الحوثيين، قبل أن يتحالف معهم في عام 2014، ويسقطوا الحكومة اليمنية التي انبثقت عن المبادرة الخليجية التي قادتها السعودية في عام 2012، والتي سلم بموجبها صالح السلطة إلى الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، لينقسم الشارع اليمني إلى تيارين رئيسيين، الأول مدعوم من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات «عبد ربه منصور هادي وبعض التيارات القبلية والإسلامية»، التي يطلق عليها صفة الحكومة الشرعية. أما الثاني فهو المدعوم من إيران والمتمثل بـ»الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين وبعض شيوخ القبائل»، هذان التياران هما ركنا الصراع الحالي في اليمن، على الأقل حتى قبل اغتيال صالح.
تمثل الوجه العام للصراع في اليمن، على أنه صراع سياسي مغلف بغلاف مذهبي، إلا أنه بعد مقتل صالح قد يتحول الصراع إلى صراع قبلي متشعب، كما أنه قد يكون البداية لعودة الصراع التاريخي في اليمن بين الملكيين والجمهوريين، إذ كان صالح هو الخيط الرفيع الذي يفصل في هذا الصراع، إلا أنه بعد اغتياله قد تكون كل خيارات الصراع مفتوحة، وعلينا ألا ننسى إيران هنا، فصراعها في اليمن، ليس إلا حلقة واحدة من حلقات صراعها الإقليمي، التي لن تقف بدورها مكتوفة الإيدي، وهي ترى حلفاءها الحوثيين يذوقون مرارة الانتقام بدون أي دعم أو تأييد، ولعل أولى بوادر هذا التأييد جاءت على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، الذي قال إن المؤامرة التي حيكت للقيام بانقلاب ضد الحوثيين في اليمن، قد تم إخمادها في المهد، كما أشار «فيلق محمد رسول الله» التابع للحرس الثوري، إننا سوف نسمع أخباراً سارة عن اليمن في الأيام المقبلة، ونعرف حينها حجم المؤامرات والفتن التي كان الأعداء «في إشارة إلى السعودية» ينوون القيام بها، واللافت أن تعبير «المؤامرة» حاضر دائماً في الخطاب السياسي الإيراني، ولمن أراد أن يبحث عن شرعية هذه الكلمة، والمراد منها في القاموس الإيراني، عليه أن يبحث جيداً في تعاليم الزرادشتية أو كتابات الخميني، وسيعرف أهمية توظيفها جيداً، بل إن عبدالملك الحوثي «زعيم الحوثيين»، هو الآخر استخدمها أكثر من مرة في خطابه المتلفز الذي أذيع بعد اغتيال صالح.
يمكن القول إن مديات الصراع في اليمن، ستكون على موعد مع جولات جديدة من عمليات الانتقام القبلي والتهجير والنزوح والتدمير، خصوصاً أن أفق الحل السياسي في اليمن، أصبحت معرضة للكثير من التعقيدات، فالرئيس السابق وعلى الرغم من أدواره المربكة في المشهد السياسي اليمني، إلا أنه كان عنصر التوازن الذي يمكن من خلاله حسم الصراع لأي طرف يقف بجانبه، فالحوثيون لم يكن لهم أن يكونوا بهذه القوة في اليمن، لو لم يدعمهم الرئيس السابق، وأن عملية انقلابه على الحوثيين خلال اليومين الماضيين، والنجاحات التي حققتها القوات المدعومة من التحالف العربي، بالسيطرة على أجزاء كبيرة من العاصمة اليمنية صنعاء، هو ما دفع الحوثيين للقيام بعملية اغتياله، خوفاً من أن تميل موازين القوى لصالح السعودية، خصوصاً أن الكثير من المعلومات الاستخباراتية أشارت إلى أن الساعات الأخيرة التي سبقت اغتيال علي عبدالله صالح، شهدت تنسيقاً أمنياً وسياسياً عالي المستوى، بينه وبين السعودية لتأمين خروجه من العاصمة صنعاء باتجاه مدينة مأرب، من أجل الشروع بمرحلة جديدة للمعارك في اليمن، وعلى شكل رأسين، رأس يمتلك شرعية قانونية وإقليمية ودولية برئاسة عبدربه منصور هادي في عدن، والثاني شرعية حزبية سياسية برئاسة علي عبدالله صالح ومن بعده المؤتمر الشعبي العام، إلا أن الحوثيين لم ينتظروا ذلك، واتخذوا قرار التصفية، فحتى مجرد اعتقاله وابقائه تحت الإقامة الجبرية، لم يكن ضامناً لهم، خشيةً من تكرار سيناريو فرار الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي من صنعاء عام 2014، بعد السيطرة عليها من قبل الحوثيين، كما أنه كان سيشكل إحراجاً سياسياً كبيراً لهم.
بالمجمل تبدو صورة اليمن بعد اغتيال علي عبدالله صالح معقدة جداً، وكل شيء قابل للحدوث مستقبلاً، كما أن كل توقع هو الآخر قابل للحصول، إذ أن السيناريو الذي آلت إليه حياة الرئيس السابق لم تكن متوقعة، حتى من قبل أكثر المختصين بالشأن اليمني، وعليه ومن خلال قراءة عامة للمسرح السياسي اليمني الحالي، يمكن افتراض عدد من السيناريوهات المستقبلية، التي ستكون عليها صورة اليمن بعد علي عبدالله صالح، وهي كالآتي:
السيناريو الأول: قد يشكل اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح، اتجاه اليمن للدخول تحت السيطرة الكاملة من قبل الحوثيين، ومن بعدهم إيران، إذ سيسعى الحوثيون إلى استثمار حالة الفوضى السياسية والأمنية التي سيمر بها المؤتمر الشعبي العام، أو حتى التحالف العربي، لتحقيق المزيد من الانتصارات والنجاحات الأمنية، قبل أن يعودا لترتيب أوراقهم السياسية من جديد، خصوصاً أن الحديث يدور الآن عمن سيخلف صالح، إلى جانب ما قد تفرزه هذه الحالة من تعدد الزعامات والصراعات السياسية، لأخذ الموقع الذي كان يشغله صالح.
السيناريو الثاني: قد يشكل هذا الاغتيال، بداية النهاية للحوثيين في اليمن، خصوصاً أن عملية الاغتيال تمت من قبل طرف سياسي مدعوم من إيران، وهو ما قد يزيد من عداوة اليمنيين لهم، فإلى جانب القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس السابق، هناك الحكومة الحالية التي يقودها عبدربه منصور هادي، ومن بعدها التحالف العربي، إلى جانب تيارات واسعة من الحركات القومية واليسارية، التي تقبلت رسالة اغتيال صالح، على أنها رسالة إيرانية لكل شخص أو زعيم عربي يخرج من تحت العباءة الإيرانية، ليعود إلى عمقه العربي.
السيناريو الثالث: قد يشكل الاغتيال بداية دخول اليمن في حرب أهلية – قبلية – مذهبية، خصوصاً أن الأوضاع الحالية في الساحة اليمنية تدعم هذا الخيار، وبالتالي استمرار الوضع الراهن، إذ لم تعد هناك خطوط لفض الاشتباك السياسي الحاصل هناك، كما أن الموضوع الآن أكبر من أن يتم اختصاره بالساحة اليمنية، فهو صراع بين مشروع تقوده السعودية، ومشروع تقوده إيران، فالنجاح في اليمن، قد يشكل مدخلاً للنجاح في ساحات أخرى، وهو ما لا يسمح به الطرفان، ما يعني استمرار حالة الصراع المسلح في اليمن.
يمر اليمن اليوم بحالة سياسية وتاريخية صعبة جداً، وهذه الحالة تحتاج إلى دراسة جيدة لأسباب الصراع الحقيقية فيه، فالموضوع لم يعد ينظر إليه من الزاوية التي كان ينظر إليه سابقاً، بل إن الرؤية السياسية للأزمة في اليمن تغيرت، كون قواعدها تغيرت، وأفق حلها تبدلت، فالفعل الذي قام به الحوثيون، لم تتضح ردة الفعل اتجاهه حتى الآن، أما عن إيران والسعودية، فهما ستبحثان عن خياراتهما في مستقبل هذا الصراع، ففي الوقت الذي ستسعى فيه إيران إلى استثمار هذا النصر الذي حققه الحوثيون، وترجمته على الواقع الأمني والسياسي مستقبلاً، ستسعى السعودية في المقابل بالبحث عن أفضل خيارات الرد، لتحقيق وضع أفضل، وإن كانت الكثير من المعلومات قد تحدث عن وصول أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس السابق، والقائد السابق للحرس الجمهوري اليمني إلى الرياض قادماً من الإمارات، ما يعني إمكانية توظيفه مستقبلاً في الصراع اليمني، بصفته «ولي الدم» وليس بصفة سياسية أو عسكرية، إلا إذا كان هناك قرار سياسي رئاسي يمكن أن يتخذه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، بإعادته إلى الخدمة، من أجل تحقيق غايتين أساسيتين، الأولى سد الفراغ الذي خلفه والده، وإعادة الصلات مع قيادات الحرس الجمهوري وضباطه، والثاني الاستفادة من تأثيره العشائري، في تحريض قبيلته على أخذ ثأر والده الذي قتله الحوثيون، وبالتالي كما قلنا سابقاً، أن كل قواعد اللعبة السياسية قد تغيرت في اليمن، وأصبح كل شيء فيها مباح، والهدف لا يخرج عن إطارين، إما يمن كما يريده العرب، أو يمن كما تريده إيران.
*القدس العربي