لم تشبع الإمارات من صنع الانقلابات في اليمن "الشغيغ"، بعد دعمها لانقلاب الحوثي صالح في صنعاء في 2014، شاركت في عاصفة الحزم التي مازالت تترنح بسبب تدخلاتها في العمليات العسكرية دون خبرة تؤهلها لقيادة أية معركة وعلى أي نطاق.
امتدت سلسلة الانقلابات التي صنعتها الإمارات في عدن (جنوب اليمن) إلى تغيير نايف البكري أول محافظ قاد معركة التحرير بقوات شعبية من المتطوعين، فتم تغييره بقرار من أبو ظبي ولأن هادي ضعيف والإصلاح أضعف منه، قبلوا التغيير حرصا على عدم شق الصف، لم يعجب الإمارات المحافظ الذي خلف البكري وهو اللواء جعفر سعيد فتم اغتياله دون ان يجرؤ احد على مخالفة الإمارات وفتح تحقيق، وجاءت بمحافظ لا علاقة له بالإدارة ولا القيادة ولا الدولة فعاث في عدن الفساد، وعندما غيرته الشرعية أعادت الإمارات عيدورس الزبيدي على رأس المجلس الانتقالي، وبدوره لم يسمح للمحافظ الجديد بدخول مبنى المحافظة، وعندما تحدث محافظ عدن عبد العزيز المفلحي بصوت مرتفع تم استدعائه إلى الرياض، وهناك تقود الإمارات مفاوضات عنيدة لتغييره، مقابل تعيين الانقلابي محمد حامد لملس عضو مجلس عيدورس محافظا لعدن، وتلويحها أن هذا سيكون مقابله إنهاء دور مجلس عيدورس ومخلفاته.
لا تستطيع الإمارات العمل في اليمن دون صناعة الانقلابات الصغيرة، وكل انقلاباتها تسند انقلابها الأول في صنعاء.
ولذا تعيش اليمن كارثة سلسلة انقلابات لن تتوقف، وسيظل الشعب اليمني حقل لتجارب الإمارات حتى تجد من يناسبها من الباعة الجدد ومن سيضمن لها عدم تشغيل ميناء عدن وعدم التفكير لا باقتصاد ولا بسياسة حتى تفرض هيمنتها على الأسواق القريبة والبعيدة عبر موقع اليمن الاستراتيجي.
مشكلة هذا البلد تكمن في موقعه الاستراتيجي، ومشكلته الأساسية تتمثل في عدم وجود دولة تديره منذ رحيل العثمانيين والانجليز إلى اليوم، السلطات المتعاقبة في الشمال والجنوب ومنذ الوحدة لم تستطع إقامة دولة حقيقة على أرض اليمن، مما أغرى محدثي النعمة للتدخل في شئونها منذ ستينات القرن الماضي.
يبدو أن بأس اليمنيين بينهم شديد، ولا يقبلون ببعضهم وكل همهم إرضاء الجيران عنهم، لذا يتسابقون جيلا بعد جيل في الحصول على امتيازات خاصة لأسرهم، فعندما انتهت ميزات صالح المخلوع أعاد الإمامة نكاية في الجيران وفي الحرية والشعب الحر الذي ظل يتغنى به منذ ثمانينات القرن الماضي، وعندما صدق الشعب أنه المخاطب بالحر والحرية خرج ضد صالح لأنه أوصل البلد إلى حافة الانهيار، واتبع الانهيار بالتدمير الذاتي لمؤسسات الدولة من الجيش إلى التعليم.
إن تخلصنا من انقلاب صنعاء فمن يخلصنا من انقلابات عدن؟ هكذا يتساءل الناس، فالتغذية الخاطئة للفكر يفاقم المشكلات، الحقد لن يولد دولة ولا مدينة، وكارثة 86 ستتكرر لا محالة، والطغمة والزمرة والسلاطين و"أولاد المرحوم" وجيل تربى على الحقد سيقتل نفسه إن لم يجد من يقتله، بالإضافة إلى شراء الإمارات لرؤساء الفرق والجماعات المتصارعة واحتفاظها بهم كأوراق ضغط يمكنها من البقاء أطول وصناعة المزيد من الانقلابات.
سيأتي اليوم التي تفاوض فيها الإمارات الحكومة الشرعية على إيقاف العمليات الإرهابية بمقابل تنازلات حكومية جديدة، فمعظم الجماعات الإرهابية اليوم تعمل مع الممول الأول دون وسطاء وتتبع "التاج الإماراتي" لن تشهد البلد استقرارا مادام قرارها مرهون بيد تحالف نسي هدفه وصار تابعا للإمارات، التي لا تريد نصرا للتحالف.
عدم استقرار اليمن يعني عدم استقرار المنطقة برمتها، وسيدفع من يشعلون الحرائق الثمن عاجلا غير آجل، ليس هناك ما نخسره في اليمن أكثر بعد ان خسرنا كل هذا الكم من الشهداء وسال الدم وانهارت الدولة، لكن هناك من سيخسر أكثر من دول الجوار دون استثناء.
*المادة خاصة بالموقع بوست.