اليمني هو الإنسان الأكثر أملاً على في هذا الكوكب، كما انه المواطن العربي الأكثر إيماناً بالتفاؤل رغم واقعه المفخخ، ووضع بلاده المتأزم، بتلك الروح المليئة بالأمل تعامل اليمنيون مع العاصفة العربية التي انطلقت قبل أكثر من عامين للوقوف الى جانب اليمن في سبيل الخلاص من ثنائي الشر الجاثم على صدرها -تحالف الحوثي صالح- واستعادة الدولة التي اختطفتها المليشيات، لكن الأمل والتفاؤل اللذان يخالطان روح اليمني وقلبه قل منسوبهما مع تمدد الحرب واستمرارها.
كانت ليلة الخامس والعشرين من مارس 2015 حين انطلقت عاصفة الحزم في إطار تحالفٍ عربي استنادا الى مرجعيةٍ شرعية هي الرئيس هادي الذي استعان بالأشقاء العرب بعد ان انقلبت مليشيا الحوثي على مؤتمر الحوار الوطني الذي اجمع عليه اليمنيون وعطلت كل الاتفاقات، وتحالفت مع المخلوع صالح، ومن ثم قامت ميليشياتهما باجتياح صنعاء ومحاصرة الرئيس الشرعي للبلاد واعضاء الحكومة، وغزو واجتياح المدن شمالاً وجنوباً، ونهب المؤسسات العامة والخاصة.
لم يكن ذلك فحسب هو ما استدعى التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية الجار الأقرب لليمن للتدخل ، فقيام الحوثيين بمناورات عسكرية على الحدود اليمنية السعودية فور انقلابهم وسيطرتهم على القوة العسكرية للبلاد شكل استفزازاً قويا للمملكة السعودية ما دفعها لتشكيل تحالف عربي لإيقاف التمدد الحوثي وكبح جماح الحركة المدعومة من إيران لإيقاف الخطر الذي يهدد سيادتها ويهدد أمن الخليج والمنطقة.
وقف اليمنيون امام حدث فارق بدأ مع انطلاق عاصفة الحزم، فبعد ان انتهكت المليشيات سيادة بلدهم وسمحت لإيران بالعبث فيها، استبشر اليمنيون وبالأخص أولئك الذين اكتووا بنيران المليشيا وبطشها في كثير من المدن بالأهداف المعلنة للتحالف، وكثيراً ما تغزلوا باللواء عسيري، والكابتن طيار مريم المنصوري، بدافع إغاضة المليشيات التي لطالما رقصت على اوجاع اليمنيين وعزفت على عذاباتهم!
الآن وبعد عامين من العاصفة، يقف اليمني مشدوهاً حيال التلكؤ الذي يمارسه التحالف من استكماله لاستحقاقات المرحلة، وما تكشف من أهداف خفيه وعبث ممنهج وأطماع مشبوهة لبعض دول التحالف وصل حد احتلال الجزر والموانئ اليمنية ، وإنشاء سجون ومعتقلات سرية ، وتدريب كيانات عسكرية موازية للجيش الوطني الذي يمثل الجيش الرسمي لليمن، وتجييش فصائل تعمل خارج إطار الجيش اليمني والشرعية والحكومة اليمنية، ليس ذلك فحسب بل اكثر من ذلك غرابة المنطقية التي استجدت لدى التحالف في دعم كيانات واطراف معينه ومحاولة إقصاء وتهميش مكونات فاعلة لها ثقلها ووزنها ولها السبق في مجابهة المليشيا، ودعم محافظات على حساب أخرى، والتعامل على اساس مناطقي شمال وجنوب، وآخر عقائدي فصائل ومكونات سلفيه وغير سلفيه، الأمر الذي تسبب في تشقق سطح المقاومة وساهم في احداث رخوة في الصف الداخلي جعل المليشيا هي المستفيد الأول من ذلك.
اليمني مواطنٌ غيور على وطنه وسيادته، إذ ان الغيرة والشجاعة طبعان ورثهما اليمني بالفطرة لذلك يواجه اليمنيون صلف الحوثي وصالح وإجرام ميليشياتهما بكل هذه البسالة والصمود.
لقد اصطف اليمنيون الى جانب المشروع العربي في مواجه المخطط الإيراني، لكن ما ظهر بعد انكشاف الستار أظهر لنا ان ثمة من يعمل في إطار التحالف على ذات النسق والنهج والسياسية الإيرانية الهادفة الى إعاقة نهوض اليمن وإطالة أمد الحرب فيه، واستغلال ذلك من اجل السيطرة على ثرواته ونهب عوامل تعافيه مستقبلاً وجعله بلاداً منزوع السيادة، وذلك ما لن يقبله اليمنيون بالتأكيد.
كظاهرة كونيه الهدوء يسبق العاصفة ويتلوها كذلك؛ وفيما يخص اليمن فمن المعروف انها كانت تعيش مرحلة غليان قبل العاصفة ما يعني ان المفترض حدوثه هو قيام العاصفة بإخماد الغليان وخلق هدوء مُفترض بعد انتهائها غير ان ذلك لم يحدث، اذ لم يُبصر اليمنيون حتى اللحظة طريق الدولة الآمنة المستقرة ولم يروا بودار سلام تلوح في أُفق وطنهم، فالغبار الكثيف الذي اثارته العاصفة تسبب بحجب الرؤية مع طول بقائه وهو ما ادى الى انحراف مسار الحرب!
الآن خلاصة ما يجب أن يحدث وما يتوجب على قيادة التحالف العربي فعله بعد عامين من عملياتها في اليمن هو مراجعة الأهداف التي بموجبها انطلقت عاصفة الحزم، فتشتت الأهداف وما تقوم به الإمارات على مرأى من التحالف أسهم في إطالة أمد الحرب وعقد الأمور أكثر وذلك ليس في مصلحة اليمن كما انه يهدد أمن الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية التي لازالت المليشيات تشن عدواناً على حدودها بين الفينة والأخرى.
نُدرك تماماً كيمنيين ان التحالف وعلى رأسه المملكة العربية السعودية لا تريد لليمن سوى تخطي هذه المرحلة والإتجاه نحو مرحلة الدولة ، لكن في المقابل عليها إعادة تقييم المرحلة وضبط تحركات بعض دول التحالف من أجل احترام سيادة وقرار هذا الوطن، فكون اليمن يمر بمرحلة حرب ذلك لا يمنح اي دولة الحق في سلب سيادته بحجه إنقاذة، لا تخسروا ثقة الشعب الذي عول عليكم في الأخذ بيده، ولا تُدخلوا اليمنيين في معمعة صراعكم الخليجي الخليجي ، فأولويتنا هي إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وبناء هذا الوطن الذي بذل اليمنيون من اجله تضحيات جسيمة.
تشبعت جغرافية هذا الوطن بالدم، وبات اليمني يعيش الموت حرباً وتشريداً وحصاراً وجوعاً ، وان سلم من الموت بسبب الحرب مات جوعاً او بوباء الكوليرا، سئمنا من العيش بين سندان تلكؤ التحالف ، ومطرقة إجرام المليشيا ، لذلك وكموقف تاريخي يتوجب على التحالف جدية التعامل من اجل استكمال تحرير اليمن واستعادة الدولة ومؤسساتها بعيداً عن اي اهداف اخرى، من مصلحة الجميع أن يخرج اليمن من عنق الزجاجه الآن قبل أي وقت آخر.