تمعن دول التحالف في المضي قدما في مصادمة الواقع اليمني، فهي مازالت تغمض أعينها عن حقيقة التغيير الذي لم يروق لها في 2011، وبعد الانقلاب الذي رعته بعض دول التحالف في 2014 ازدادت تلك الدول غلوا في تعاملها مع الشأن اليمني، فبعد دعمها للنظام المخلوع ومليشيات إيران علنا، عادت لتخوض حربا باسم عاصفة الحزم لاستعادة الدولة وإعادة الشرعية للحكم، ورأسا تجاهلت فكرة التغيير التي حدثت في 2011، وتجاوزت الحراك السياسي الحقيقي الذي أحدثته الثورة وذهبت تبحث لها عن حراك اليسار الانفصالي في الجنوب وطعمته بتزاوجه مع تيار السلفية الجهادية، واتخذت من رموز الانقلاب في صنعاء أصفياء استدعتهم إلى الرياض ليكونوا من ضمن طاقم الشرعية المتهافتة على الدعم وتقاسم المكاسب.
تعامي التحالف عن القوة الحقيقية للتغيير في اليمن له أسبابه ومنها خوف دول التحالف من فكرة التغيير ومن الحراك السياسي الذي تشكل على أرض الواقع، لكن للأسف هذا الحراك السياسي لم ينتج عنه تيارات ولا أحزابا سياسية تعبر عنه، ورضي بتعبير أحزاب المشترك المختلفة عنه، وظل في مرحلة تخوف من الإعلان عن ذاته كقوة أو كقوى مستقلة عن النخبة "النكبة" التي أوصلت البلاد إلى الفشل والضياع، والتي حاولت الالتفاف على قوى التغيير وترويضها.
اليمن اليوم بشرعيتها المعاقة وبقوى الانقلاب وبمليشيات التطرف التي تراعاها الإمارات لا يوجد فيها حراكا سياسيا حقيقيا فالأحزاب التي تشكل قوام الشرعية ارتضت أن تنام مستأنسة بدعم التحالف، والقوى الانقلابية ليس لديها مشروع ولا منطق سياسي في الأساس والا لما قامت بانقلابها المشئوم، كما أن المليشيات التي ترعاها الإمارات في الجنوب والسواحل اليمنية لا تقوم بأي دور سياسي وارتضت بدورها كقوى ارتزاق معلنة ولائها لدراهم الإمارات.
ومع كل هذا البؤس والإحباط هناك فرصة لظهور تيارات جديدة نابعة من الحاجة والظروف التي تمر بها البلاد لتقول كلمتها الفصل في الشأن السياسي، وستكون دول التحالف عائقا أمامها وكذلك الأحزاب العتيقة، لكن الجميع سيخضعون لمنطق السياسية ليس لأنه المنطق الأقوى والأفضل فقط بل لأنه المنطق الأصلح والمنطق الطبيعي في نهاية هذه المعمعة.
نشأت التيارات السياسة والتوجهات الفكرية في منتصف القرن الماضي بناء على فكرة استيراد الأفكار والأحزاب والتوجهات كموضة عربية كانت منتشرة، وبدلا من حل مشاكل البلد آنذاك تم استيراد مشكلات جديدة إلى البلد، لم تستطع تلك التيارات والأحزاب والتوجهات خلق وعي يمني خالص، ولم يتم اختلاق فكر يخص البلد الذي يتصارعون على ترابه، وفي الختام بدلا من تسوية الملعب السياسي قاموا بتجريفه إلى أن أنهي الانقلاب في 21 سبتمبر 2014 فكرة الدولة اليمنية واقتلعها من جذورها.
لم تستطع التوجهات المستوردة أن تخاطب الهوية اليمنية لدى الشعب، بل خاطبت الجوانب العاطفية فيه، وروضته يمينا ويسارا، لم تتماهى مع توجهات الشعب الفكرية ولا مع ثقافته وحضارته بل شدته نحو مشكلات مصر والشام والروس والأمريكان، حتى تراجعت القيم الحضارية والتاريخية اليمنية تراجعا فضيعا لدرجة أن القوى المدنية – التي تدعي المدنية- رحبت ورقصت فرحا بقدوم وعودة دولة السلالة وسرعان ما تخلت عن الجمهورية والوطنية نكاية بأيديولوجيات منافسة، وهزمت جميع القوى وزيادة على البيعة وقعت كلها على وثيقة الانقلاب المسمى باتفاق السلم والشراكة، الشاهد في كل هذا أن جميع القوى وصلت إلى مرحلة من التيه أضاعت نفسها والبلد، والناس في حالة ذهول وسكرة ليس لها مثيل. هذا الذهول عاد مجددا بعد خلافات الخليج الأخيرة والتي انعكست سلبا على اليمن وعلى قضيته، وصارت الحرب في اليمن بلا وجهه وبلا أفق وبلا رؤية حقيقية.
ليس أمام تيار 11 فبراير بعد أن تخلص من الحمولة الزائدة؛ المشترك والحوثيين والمرتزقة، إلا الظهور والإعلان عن نفسه كمنقذ للبلد التائه، وإلا سيكون محاسبا أمام الشعب لماذا أيقظ كل هذه الوحوش والقطعان المرتزقة واختفى؟
في تقديري هذا التيار مازال يشكل نفسه متغطيا بحالة الكمون التي فرضها على ذاته، حتى يتسنى له التقاط الفرصة السانحة للظهور، وقد أوشك على الخروج بقوة وفي طريقه سيجرف كل مخلفات الماضي من شرعية وأحزاب ومليشيات ومرتزقة، فالبلد بحاجة إلى حركة تصحيح جذرية منطلقة من فلسفة التغيير الذي حدث في 11 فبراير.
سيكون أمامه معضلات ليست سهلة لكن وجود خطاب جامع وفلسفة مستمدة من عمق القضية وروح الأمة اليمنية وأهدافا واضحة سيمكنه كل ذلك من التغلب على العقبات الداخلية والخارجية، ستضطر دول التحالف والقوى الدولية التعامل مع الحقيقة اليمنية الجامعة ومع القضية اليمنية الواحدة، وكل الظواهر الصوتية ستختفي من الحراك الأيديولوجي المناطقي إلى الحراك الطائفي المليشاوي.
وسيكون من أولويات تيار 11فبراير الإمساك بخيوط اللعبة وإنهاء لعبة الإرهاب التي اتخذتها القوى السياسية كورقة رابحة لها تستدر بها المساعدات الدولية وجر الشعب من خلفها الويلات، فالقضاء فكريا على فكرتي الإرهاب والطائفية مهمة ليست سهلة، لكن الانطلاق من روح وهوية الأمة اليمنية سيذيب الكثير من العقبات على طريق عودة اليمن إنسانا وأرضا وحضارة ومستقبل.