كثيرا ما حاول الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ، هو والعديد من بقايا قيادات حزبه وأنصاره اللذين ظلوا موالين له في صنعاء، إخفاء حالة التصادم والخلاف في العديد من الرؤى، حول الكثير من المراكز القيادية الأمنية والوزارية، بين القيادات المحسوبة على التيار الحوثي وقيادات تابعة لحزب صالح المؤتمر الشعبي من جهة أخرى، في مؤسسات الدولة اليمنية التي سيطر عليها الانقلابيون في أيلول سبتمبر عام 2014.
حالة الخلاف تلك تتزايد يوما بعد آخر، منذ إعلان تشكيل التحالف الحوثي الصالحي نفسه ، أو ما سيمت حكومة الإنقاذ، وأيضا منذ خوض التحالف العربي المساند للحكومة والقيادة اليمنية الشرعية حرباً ضروساً تكمل عامها الثاني أو توافق الذكرى الثانية لانطلاق عاصفة الحزم في 25 آذار مارس آذار، بعد الانقلاب على حكومتي محمد سالم باسندوه والمهندس خالد بحاح لاحقا، وحصار الحوثيين للرئيس الشرعي المنتخب عبد ربه منصور هادي ووزراء في حكومته .. إلخ.. من الأحداث اليمنية وتداعياتها وتطوراتها المتسارعة.
غير أن الوقائع على الأرض في اليمن وخاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة شمال غرب العاصمة صنعاء ، تثبت بجلاء مدى تعمق الخلافات بين المؤتمريين أنصار صالح من جهة، والانقلابيين الحوثيين وأقرباء زعيم التيار الحوثي عبد الملك الحوثي من جهة أخرى، وأبرزهم عمه عبد الكريم الحوثي.
وأسباب ذلك نابع- حسب ما يقول مقربون من صالح- من إدارتهم المالية السيئة وغير المدروسة للشؤون المالية في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم ، وكذلك الودائع البنكية التابعة للحكومة قبل الانقلاب والتي نهب جزء كبير منها قيادات حوثية بعد الانقلاب لجيوبهم الخاصة، وسحبوا البقية من البنك المركزي بصنعاء إلى بنك صعدة ولمصالح قيادات حوثية مقربة من الزعيم الحوثي، ناهيك عن فرض الجبايات على المواطنين بقوة السلاح للحوثيين وما يسميه الحوثيين المجهود الحربي، وهو مبلغ مالي يحدده مندوب الحوثي على كل فرد أو صاحب متجر أو عقار في صنعاء ومدن يمنية خاضعة لسيطرة الانقلابيين.
وقد أبدى العديد من رجالات الأعمال المقربين من الرئيس السابق صالح، امتعاضهم وغضبهم الشديد بعدما سلبهم الحوثيين ملايين الريالات شهريا بكل عملية نقل لبضائعهم في الطريق العام، ومرورا بالنقاط الحوثية الأمنية بين المحافظات، وقدمت شكاوى بذلك للرئيس السابق صالح ، لكنه غض الطرف لكي لا يفتح مزيدا من الخلافات مع حلفائه الحوثيين، حتى رغم عجزهم أو امتناعهم عن دفع رواتب الموظفين والجنود والتربويين وأستاذة الجامعات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، أبرزها صنعاء ذمار إب الحديدة ، عمران.
علما بأن دكاترة جامعة صنعاء مستمرون بتعليق الدراسة في الجامعة، بسبب عدم دفع الحوثيين مستحقاتهم المالية واكتفوا بإجراء الامتحانات النصفية حتى لا يحرموا أبناءهم الطلاب عام كامل نتيجة ذلك التعليق أو الإضراب حسب وصفهم، حيث يضرب أستاذة جامعة صنعاء عن التدريس للشهر الثاني على التوالي، لعدم التزام الحوثيين بدفع الرواتب، وتعيين الحوثيين لقيادات أمنية موالية لهم في مراكز قيادية في الجيش الموال لصالح، وهو ما يرفضه صالح نفسه والعديد من القيادات العسكرية المحسوبة عليه جملة وتفصيلاً.
اعتداءات الحوثيين على الوزراء في حكومة الإنقاذ الانقلابية في صنعاء التابعة للدكتور عبدالعزيز بن حبتور ، المحسوبين على التيار الصالحي التابعين للرئيس السابق صالح وعلى ثلاثة منهم على وجه التحديد، ليست بجديدة ولن تكون الاخيرة ، لكنها ربما تكون الأبرز لأنها طفت على سطح الخلافات بين وزير التعليم العالي والبحث العلمي حسين حازب، وزير الأوقاف والإرشاد شرف القليصي ، وزير الصحة محمد سالم بن حفيظ، على خلفية عدم التزامهم بتوجيهات قيادات مليشيات الحوثي الانقلابية.
ومن يتابع وسائل الاعلام التابعة للرئيس السابق صالح كتلفزيون اليمن اليوم وصحيفة اليمن اليوم اليومية التابعتان لصالح ونجله العميد أحمد علي صالح ، يكتشف وجود خلافات عميقة في إدارة مؤسسات الحكومة الانقلابية في صنعاء بين الحوثيين وشركائهم في الحكومة ذاتها من حزب صالح المؤتمر، او المجموعة الصغيرة التي حافظت على ولائها له ولم تلتحق بالرئيس الشرعي هادي في عدن أو الرياض ، وغير المعترف بها دولياً، وهجوم الصحيفة ذاتها على مندوب الحوثيين الذي يهرب أقراصا مخدرة أدخلها للبلاد عن طريق ميناء الحديدة كعلاج للجرحى ومساعدات طبية إيرانية، بينما تباع في صيدليات صنعاء والسوق السوداء كأقراص مخدره بأرباح قدرها مصدر طبي لوكيل وزارة الصحة لقطاع الطب العلاجي في حكومة الانقلاب المنتمي لحزب صالح الدكتور صالح العرجلي لصحيفة اليمن يوم عدد الأربعاء بستة ملايين دولار .
وربما يفيد التذكير بحدوث مشادات كلامية وملاسنات ايضا بين القيادي المؤتمري ياسر العواضي المعين وزيراً للتخطيط وبين عبدالكريم الحوثي عم زعيم التيار الحوثي عبدالملك الحوثي، وكادت ان تتطور تلك المشادات لتصل إلى عراك بالأيدي ولولا احتواء الموقف من بعض مرافقي كلا الطرفين المسلحين ، على خلفية إصرار العواضي على ممارسة مهامه كوزير للتخطيط في صنعاء بينما يرفض ذلك عبدالكريم الحوثي، وبالأخير أجبرته أي السيد ياسر العواضي أجبرته مليشيات عبدالكريم الحوثي على عدم ممارسة أي مهام له منذ تشكيل الحكومة وإجباره على مغادرة العاصمة صنعاء إلى مسقط رأسه محافظة البيضاء جنوب العاصمة صنعاء، ليعتكف فيها منذ عدة أشهر.
دعوة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بقايا حزبه في صنعاء لاجتماع طارئ لبحث خطوات عاجلة ربما للرد على الاعتداء والإهانة التي تعرض لها وزرائه الثلاثة من قبل الحوثيين.
قد تؤدي تلك الخلافات إلى مزيد من التصعيد بين طرفي التحالف الحوثي الصالحي، وستعمل على التعجيل لانهيار هذا التحالف الذي ما زال يقاتل في جبهة واحدة منذ عامين.
وهذا ما يعكس انفضاض اجتماع مجلس وزراء حكومة بن حبتور الانقلابية في صنعاء يوم الأربعاء الماضي، والاكتفاء فقط بالإعراب عن تضامنه مع الوزراء الذين تعرضوا لهذه التصرفات والاعتداءات وتكليف وزارة الداخلية التابعة لصالح بتقديم تقرير حول حادثة الاعتداء إلى الاجتماع القادم الاسبوع المقبل، مما يؤكد ترك المهمة والرد على تلك الاعتداءات للرئيس صالح مهندس الانقلابات.
ترى ماذا يخطط سيد الثعابين أو الثعبان الأكبر صالح، وهل يستطيع تحريك الشارع الآسن في صنعاء ضد حليفه الحوثي الذي بدأ بتقديم مخالب بالأول وجس نبضه بالاعتداء على وزرائه ؟ وهل هذا الوقت المناسب لذلك؟
وهل سيكون ذلك بمباركة دولية من عدمه؟ وما هو الثمن الباهظ لذلك؟ تكهنات وأسئلة كثيرة وسيناريوهات أكثر ربما تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، في الملف اليمني الساخن باستمرار ، الذي لا يهدأ أبداً، سننتظر الأيام والاسابيع وربما الأشهر القادمة لكي نعرف الكثير من المفاجآت.
*صحافي وسياسي يمني يقيم في نيويورك