لعل حجب الحوثيين لمواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وواتس اب، وتطبيق برنامج إيمو، وغيرها من برامج الاتصال المجانية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، يشبه عملية التشويش على القنوات الفضائية، التي تعمل عليها شركات ودول معارضة لتلك القناة أو القنوات الفضائية، التي تتعرض للتشويش وإشاراتها الرقمية، وهي بالأخير لغة قمع فاشلة في نهاية المطاف في ظل عصر العولمة الرقمية والسماوات المفتوحة وكثرة البرامج التي تفك ذلك الحجب، أو تلك الشفرات الرقمية، وما أكثرها والتي باتت تتكاثر يومياً مثل الفطر.
ما يفسر لجوء الإنقلابيين إلى حجب الإنترنت في اليمن ومصادرة الصحف المعارضة لهم وقتل الصحافيين واعتقالهم والتغول في تعذيبهم، واعتقال وقتل المئات من عناصر حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، ومدن أخرى بعد قتلهم حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل أكثر من أسبوعين في العاصمة صنعاء، هو استمرار مسلسل التقهقر والانتكاسات العسكرية للإنقلابيين الحوثيين في أكثر من جبهة، بعد قتلهم للرئيس السابق صالح حليفهم لثلاثة أعوام، في الحرب ضد ما يسميه الحوثيون العدوان أو التحالف العربي، الداعم للشرعية اليمنية خاصة في جبهة الساحل الغربي.
منذ الأسبوع الأول من هذا الشهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري أستأنفت القوات الشرعية اليمنية تقدمها بإسناد جوي من التحالف العربي، بتقدمها صوب محافظة الحديدة شمال غرب اليمن وسيطرتها على مدينة الخوخة وبتحريرها من قبضة الإنقلابيين الحوثيين الإيرانيين، تمكن الجيش الوطني اليمن من التواجد على مشارف مديرية التحيتا شمالاً، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين القوات الشرعية وميليشيات الحوثي الإيرانية، ومديرية حيس شرقاً ومكن ذلك القوات الشرعية السيطرة على معسكر أبو موسى الأشعري، أحد أهم المواقع العسكرية في الساحل الغربي، والذي كان جله في قبضة الإنقلابيين الحوثيين.
الحوثيون بحجبهم للإنترنت في اليمن خاصة في العاصمة صنعاء والمناطق والمحافظات التي تحت سيطرتهم، يظنون أنهم يستطيعون التقليل من حجم الكراهية لهم في أوساط الشعب اليمني أو التقليل من حالة السخط عليهم شعبياً، ولا يعون أن النتائج ستأتي عكسية تماماً، وأن شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تساهم عالمياً في نشر الوعي والتنبيه بحجم الكوارث الطبيعية والإنسانية، أثناء وقوعها وقبل وقوعها..
وأيضا تساعد في البحث في حالات الكوارث عن الأصدقاء والأقرباء حين تقع بعض الحوادث، وربما يفيد التذكير أن تلك المنصات وشبكات المعلومات المحدثة في أوقات كانت الأكثر رعباً، بمن مر بها أو تابعها على سبيل المثال في الحصر في إستخدامها في زلزال نيبال في العام 2015، حيث كان فيسبوك المنصة الرائدة من خلال سرعة الرد والتفاعل لأولئك الذين كانوا في المناطق المجاورة للكارثة، لإبلاغهم بأنهم في وضع آمن، بعد أن كان في المرات السابقة من الصعب التعرف على حالة أي فرد في تلك الظروف الاستثنائية، وتحديد مواقع المفقودين وتتبعهم، وتمكنت وسائل التواصل الاجتماعي من سد تلك الفجوة وبناء جسر مكانها.
في حين أن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم يبلغ 7 مليارات وخمسمئة مليون وأربعة وعشرين ألف مستخدم حتى آب/ أغسطس الماضي، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تغيير العالم والتأثير والتأثر به بشكل كبير، في مختلف نواحي الحياة العلمية والشخصية وهذا ما يجهله الانقلابيون الحوثيون .
لتغدو شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعية جزءا مهما وأساسيا منها، لاسيما وأن ثلاثة مليارات وثمانمئة وتسعة عشر ألف شخص منهم ناشط عبر هذه المواقع، حسب ما نشره موقع غلوبال ديجيتال سناب شوت، في آب/ أغسطس الماضي.
مشكلة الحوثيين ليست فقط بعدم امتلاكهم مشروعا وطنيا يضم تحت مظلته كافة ألوان الطيف السياسي اليمني فحسب، ويفرض لهم مكانتهم السياسية وإيجاد قاعدة شعبية كبيرة لهم، بعيداً عن لغة الترهيب والتهديد والقمع … بل مشكلتهم أنهم يتوهمون ويعتقدون أنهم يستطيعون حكم اليمن بالحديد والنار بمفردهم، وينسون قول» الشاعر البردوني أن حكم اليمن: مثل ركوب الليث، او ابعد من ذلك».
وأن آمد حكمهم بتلك الطريقة التي يتفننون بها بالقتل والتعذيب ومصادرة الحقوق والحريات سوف يطول.. وليتهم يقرأون التاريخ جيداً.. خاصة تاريخ اسلافهم الائمة الزيديين الذين حكموا اليمن منذ 1918 حتى العام 1962، إبان تفجر ثورة 26 من أيلول/ سبتمبر معلناً انتهاء حكم الأئمة الزيديين الرجعيين الطائفيين، وأن لغة القمع والقتل والترهيب لم تفلح في الإبقاء على حكم الأئمة الزيديين.
وما كان أمام حركة الثوار الأحرار إلا أن فجروا الثورة ضد ذلك النظام المظلم نظام آخره يحيى بن حميد الدين، الذي عزل اليمن عن محيطها العربي والإقليمي والعالمي، وجعلها في سجن كبير، وهو ما يفعله الحوثيون بسيطرتهم على صنعاء ومدن يمنية أخرى في الوقت الحالي، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بأدوات ومتغيرات وتحالفات جديدة، ويرون أن سلالتهم مختلفة وأن الله حباها وميزها عن بقية اليمنيين، بالقول أن الانقلابيين الحوثيين من سلالة مُحَمَّد رسول الله وآل بيته وبقية اليمنيين عبيد وخدم مطيعون.
نختم بالقول أن قطع الانترنت او فرض رقابة مشددة عليه من قبل سلطة الحوثيين الانقلابية بحق الشعب اليمني القابضة على مؤسسات الدولة اليمنية في صنعاء، والمدن التي تسيطر عليها لن يخدمهم على المدى الطويل، ولن يعمل على تغطية انتهاكاتهم وجرائمهم، بحق الشعب اليمني، حتى وإن ابطأت من سرعة خطوط نقله او شبكته في صنعاء، لذر الرماد في العيون.. سيؤدي كل ذلك إلى نتائج عكسية تماماً. فشعب اليمن الكريم العزيز لا يقبل الضيم ولا يقبل أن يعيش في عبودية وإن طال الزمن.
وربما يفيد التذكير بأن الشعب اليمني يتكيف مع أحلك الظروف وأسوأها، وأن أيضا النبي سليمان عليه السلام استخدم الهدهد لنقل رسائله لملكة سبأ بلقيس اليمن، وكذلك استخدم اليمنيون الطيور والنقوش وبناء السدود وتشييدها وتشييد المعابد القديمة، وبناء علاقة تجارية مع الهند في القرن الثامن قبل الميلاد، ومنذ الازل، وتلـك أبـرز الأمثـلة علـى ذلـك.
ولن يستطيع الانقلابيون الحوثيون الإيرانيون، حتى وإن حجبوا خدمة الانترنت بصورة نهائية عن صنعاء، والمدن التي تحت سيطرتهم، التفرد بحكم اليمن والاطباق على حريات الشعب اليمني، أو النيل من حريته أو هكذا نعتقد.
صحافي من اليمن يقيم في نيويورك