يا لعار التاريخ الذي سيلاحقكم، ولعنات الأجيال التي لا قرار لها ولا مستقر إلا جباهكم الرخيصة، أي سمعة سيئة سيرثها أبناؤكم وأي أقنعة تخفون وراءها وجوهكم الشائهة.. كيف مرت كل هذه السنين الطويلة ونحن في غيّ الاعتقاد أنكم جيشنا الحصين وبيتنا الكبير وجبلنا الذي نأوي إليه كلما أقبل طوفان المحن.. دارت الأيام وأثبتت أنكم أنتم المحنة والطوفان والجبل المنخور بالسلالية والعصبية والطاعة الغبية لزعيم معتوه، وأن الوطن يقف في الخانة الأخيرة في قائمة ولاءاتكم الطويلة، والمتعددة حسب الهوى والمصلحة.
أتحدث عن جيش الجمهورية اليمنية الذي تحول من قوات مسلحة إلى حملة مباخر في شوارع صنعاء أو قتلة ومجرمين على تخوم تعز ومأرب والبيضاء والحديدة وإب، كما كانوا قتلة ومجرمين في عدن ولحج وأبين وشبوة.. جيش سقطت مكانته عند أول اختبار حقيقي، يوم أن كان الحوثيون يدكون شمال محافظة عمران تمهيداً لاجتياحها، واسقاط البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء، وجيشنا يقف على الحياد باعتبار أن ما حدث «فتنة بين قائد اللواء 310 العميد القشيبي القريب من حزب الاصلاح وبين الحوثيين» وبعقل سفيه ذهب قادة الجيش يخترعون مفردات التبرير: «هذه فتنة» «نحن جيش محايد» «لا علاقة لنا بالمعارك الجانبية».
الجيوش لا تقف على الحياد في اللحظات المصيرية لأوطانها، بل تتقدم وتضع للمهزلة حد، ونهاية للانتهاكات، وتصنع للدولة مهابة في نفوس رعاياها.. جيوش الحياد لا ذكر لها في التاريخ إلا تحت بند الخيانات.. أما جيشنا الوطني الذي استنزف 50% من ميزانية الدولة على مدى نصف قرن فقد اختار معظم قادته طريقاً أكثر بشاعة وأقصر مسافة نحو قعر الخيانة، وتسابقوا في تقديم الولاءات الذليلة إلى سيد الكهوف عبدالملك الحوثي، تعلقت سماعات الهاتف في رقابهم ساعات طويلة ينتظرون من تحويلته «البدالة» السماح لهم بسماع صوت السيد الحوثي.. وتعود آذانهم بخفي حنين!!.
كان مقتل العميد القشيبي وهو من أكبر وأقدم ضباط جيش سبتمبر بتلك الطريقة المهينة والتمثيل بجسده واختطافه لحظة رعب ورهبة كبيرة في نفوس كبار الضباط، فقد وجدوا أنفسهم أمام سفاح قادم من عمق الهمجية واللصوصية، يتقاطر الدم من أشداقه، يخيرهم بين طاعته أو سيفه؛ التفتوا إلى الخلف يحتمون بجدار دولتهم فوجدوه رخواً معلقاً عليه بيان نعي فقط بمقتل رفيقهم القشيبي، وبدلاً من الذهاب نحو حركة وطنية فاعلة، والحفاظ على الوظيفة العضوية لمؤسستهم العسكرية وجعلها الحامي الكبير للدولة من الانهيار، ذهبوا يتسابقون على تقبيل يد «درايكولا» الجديد.. وذهب هو يواصل بث جرائمه على الملأ، دون اكتراث.
كانت واحدة من أفدح مآسي التاريخ الإنساني أن يصحو شعب بأكمله ويرى جيشه العظيم كذبة كبيرة، وأقل قيمة من علبة الفول التي يتناولها كل صباح.
في مقابلة قديمة قال الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح لقناة الجزيرة «أنا عندي جيش بلا عمل.. جيش للاستعراضات العسكرية وحماية الكرسي وقمع الخصوم».. وصدق وهو كذوب!.
أن يبني علي عبدالله صالح جيشا 80% منه تربى على طاعة «الفندم» والارتباط الذهني بين الرئيس والوطن.. حتى صار الرئيس هو الوطن والشعب، تكون كل الكوارث نتيجة طبيعية!.
جيش يردد الصرخة الإيرانية.. جيش ينحاز للمذهب.. جيش مرتزق.. جيش هين ومهان.. جيش يتعصب للسلالة.. جيش لا يعرف قيمة شرفه العسكري.. جيش يتلذذ بعبودية الشيخ والسيد.. كلها نتائج طبيعية لجيش فقد كرامته ووظيفته.
أكتب وتتدفق في الذاكرة عشرات المشاهد والصور لأطفال من أولاد السلاليين الحوثيين الذين تم منحهم رتبا كبيرة ومهام قيادية في مؤسستي الجيش والأمن، وشباب عاطلين من أعضاء العصابة الحوثية، تم تجنيدهم وفوراً صدرت قرارات ميليشاوية بمنحهم رتب عقيد وعميد ولواء، وضباط كبار تم إهانتهم وطردهم من وظائفهم، ومشاهد لآخرين وهم يعملون خدماً ويؤدون التحية العسكرية لميليشاويين يحملون رتباً مزورة، أو يقفون في طابور عسكري يهتفون: «سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي!».
كل ذلك وصالح لا يزال يكابر أنه يدافع عن الوطن، وتخنقه العبرات المذلة، ويستدرك: «الجيش الآن بيد الحوثيين!».
*صحيفة الوطن القطرية