في مدينة برمنجهام التاريخية في بريطانيا توجد اكبر جالية يمنية تتراوح ما بين سبعة عشر الف الى عشرين الف من كل أنحاء البمن ..وفيها تجد كل الفئات العمرية من الثمانين عاما واكثر الى مواليد لا تتعدى أعمارهم ايام قليلة ، والمستويات الثقافية والتعليمية تتراوح بين الأمية الأبجدية حتى الجامعة وما بعد الجامعة ..
يمكن الحديث عن تعايش ثلاثة اجيال على اقل تقدير : الجيل الذي شكل الرعيل الاول من المهاجرين وكان يطلق عليهم (المغتربون) ، ثم جاء الجيل الثاني الذي حافظ على التسمية حيث ظل بارتباطاته الوثيقة باليمن محافظاً على تسمية الآباء ( مغتربون) ، وهذا الجيل بدأ يندمج في المجتمع الذي يعيش فيه ويكون صيغة جديدة للحياة تجمع ما بين الغربة والاندماج ، ثم جاء الجيل الثالث الذي اصبحت اللغة الانجليزية لغته الاولى بل أحياناً المطلقة ومن هذا الجيل تجد الطبيب والمحامي والمهندس والاداري المتخصص بفنون تكنولوجيا المعلومات أوغير ذلك من العلوم الفنية في المجال الذي يسمح له ان يجد الوظيفة التي تستكمل اندماجه في المجتمع .
ويمكن القول ان كلمة المغتربين لم تعد صالحة لهذا الجيل فقد اصبح جزءاً من المجتمع بخلفية يمنية فيقول عن نفسه بريطاني من أصل يمني كغيرهم من الأجناس الاخرى .. اصبح هؤلاء جزءاً من موزايك المجتمع البريطاني المتنوع والمتعدد الأعراق . ما ينطبق على برمنجهام ينطبق على مدن اخرى بكثافة لا تقل عنها مثل شيفيلد وليفربول الى مدن اقل عددا مثل كاردف ولندن وميلدزبرة ونيوكاسل وبرايتون الخ.
ليلة امس عقدت الجاليات الثلاث في مدينة برمنجهام امسية خيرية دعينا للمشاركة فيها ..كانت الأمسية ناجحة بتفاعل الجميع مع الاوضًاع الانسانية في اليمن وما تسبب به الانقلاب من ماساة ، وكانت لوحة جميلة تلك التي جمعت الثلاثة الأجيال تحت الصيغة الجديدة المعبرة اندماج ثقافي واجتماعي بالمجتمع الذي يعيشون فيه مع تمسك بالانتماء فيما عبروا عنه من أصالة .
الشيء الذي ينغص الفرحة هو الانقسام الذي تعيشه الجاليات لأسباب ربما كان لها صلة بالواقع السياسي الذي مر ويمر به البلد ، بينما كان بإمكان هذه الجاليات ان تسهم في ترشيد الخلاف السياسي بسبب الوضع الاستثنائي لهم باعتبار ان وضعهم قد تحدد في إطار قانوني ودستوري يجدون انفسهم فيه موحدين اكثر من غيرهم لكنهم للاسف لا يستفيدون من هذه الفرصة ، ومع ذلك اثق تماماً ان الجيل الثالث سيتخلص من ميراث السياسة اليمنية وثقافة الخفة التي رافقتها لتجعل الخلاف هو القاعدة وتمنع كل فرص التوافق والحل التي تقدمها الحياة لليمنيين بين الحين والآخر .
بالطبع لا يستطيع هؤلاء ان يصموا آذانهم عن الاوضًاع السياسية في البلد او عما يعانيه اهلهم ، لا احد يطلب ذلك ، كل ما هو مطلوب هو ان يتمسكوا بموقف لا يقودهم الى الخصومة والتمزق في وقت يستطيعون فيه ان يكونوا اكثر حكمة واكثر قدرة على خدمة بلدهم واهلهم بشكل افضل .
* من حائط الكاتب على فيس بك