[ كشف كاتب المادة خفايا عديدة للدور الإماراتي في عدن ]
كشف تقرير ميداني نشرته صحيفة الجارديان البريطانية عن الواقع الذي تعيشه مدينة عدن اليوم تحت سيطرة الإمارات العربية المتحدة، ساردا تطورات الوجود الإماراتي في عدن، والتداعيات التي خلفها هذا التواجد، مؤكدا أن الإمارات باتت تستفيد اليوم من الفوضى الحاصلة في اليمن لبناء إمبراطوريتها الخاصة.
التقرير أعده الكاتب غيث عبد الأحد، والذي زار مدينة عدن، وقابل العديد من الشخصيات المتصلة بإدارة شؤونها، وتحدث مع شخصيات أخرى كشفت في أحاديثها صورة قاتمة للسلوك الإماراتي، وخفايا من السياسة الإماراتية وتعاملها وأهدافها هناك.
وشبه الكاتب ما تفعله الإمارات في عدن بما ارتكبته أمريكا التي مهدت لحرب أهلية وحشية في العراق، معتبرا أن الإمارات تمارس الأمر ذاته حيث خلقت الظروف الملائمة لاستئناف الصراع وإشعال حرب أهلية.
وقال الكاتب إن لدى الإمارات ثلاث مهام مركزية منفصلة عن دعمها للتحالف السعودي في اليمن تتمثل في: أولاً سحق الإسلام السياسي بأي شكل، ثانياً السيطرة على خط الساحل ذو القيمة الإستراتيجية للبحر الأحمر، عبر مضيق القرن الأفريقي، حيث أنشأت الإمارات بالفعل قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا، وثالثاً، تطوير وتعزيز قواتها الخاصة التي تدرب وتشرف على وكلاء محليين مثل قوات الحزام الأمني.
واستعرض الكاتب في مقاله شهادات لضحايا تعرضوا للتعذيب والاعتقال والإخفاء القسري، على يد القوات الإماراتية، ووكلائها المحليين، مشيرا إلى أن الحماس للانفصال تراجع في الجنوب بشكل كبير، كما أن نسبة تأييد التواجد الإماراتي في عدن تتراجع أيضا يوما بعد آخر في أوساط السكان، بسبي ما اقترفته الإمارات هناك.
"الموقع بوست" يعيد نشر المادة بعد ترجمتها للعربية:
نص المادة:
قبل أربع سنوات، كان أيمن عسكر في سجن في جنوب اليمن يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل، وهو الآن رجل ثري وهام وصداقاته تتجاوز الخطوط العديدة للحرب الأهلية المجزأة والتي دمرت البلاد، وقد تم مؤخراً تعيين أيمن عسكر رئيس الأمن في منطقة كبيرة في مدينة عدن الساحلية الجنوبية من قبل الحكومة اليمنية.
لكن عسكر هو صديق وحليف لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر الشريك الأكثر عدوانية في التحالف الذي تقوده السعودية التي تقاتل من أجل استعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والذي أُجبر على ترك منصبه من قبل المتمردين الحوثيين في عام 2015.
لقد اجتذب السعوديون الجزء الأكبر من استياء العالم لتدخلهم الدموي في اليمن، لكن الإمارات تلعب دورًا أكثر قوة على الأرض مع حلفائها في الجنوب -بما في ذلك المليشيات المحلية والمقاتلين السلفيين والانفصاليين في جنوب اليمن الذين يريدون الانفصال عن حكومة هادي- الذين عُرفوا بمكافحتهم لوكلاء السعودية في البلاد.
اليوم يتحالف أيمن عسكر مع حكومة اليمن والإمارات العربية المتحدة، ولكن منذ فترة ليست بالبعيدة كان عضوا في تنظيم القاعدة الذي يعتبر عدواً لكليهما، لقد شق طريقه نحو التسلسل الهرمي للسلطة في السجن، فقد كان يدير بقالة في ساحة السجن وصالة ألعاب بلاي ستيشن في إحدى الزنازين، وأقام صداقات مع أقوى العصابات في السجن الذين كانوا مجموعة من نزلاء القاعدة، صلى معهم وحضر فصولهم وأطلق لحيته وبدأ يرتدي ملابس مثلهم، رغم أن أصدقائه يقولون إنه لم ينضم أبداً إلى المنظمة بشكل صحيح لأنه انتهازي أكثر من اللازم للولاء.
عندما أطاح الحوثيون المدعومون من إيران بالحكومة في العاصمة صنعاء وأجبروا هادي على الفرار جنوباً إلى عدن ثم إلى المملكة العربية السعودية، كان أيمن عسكر لا يزال في السجن، لكن في الفوضى التي أعقبت ذلك، اقتحم مقاتلو القاعدة السجن وأطلقوا سراح نزلائه.
انضم أيمن عسكر إلى المقاومة وحارب ضد الغزاة الحوثيين - الذين غزوا عدن - إلى جانب أصدقائه الجهاديين، حيث ميز نفسه كقائد ميداني لا يرحم وقسم وقته بالتساوي بين القتال والنهب.
وبعد بضعة أشهر تم طرد الحوثيين من عدن من خلال مجموعة من المليشيات المحلية والانفصاليين الجنوبيين والقوات الحكومية والقوات الإماراتية والسعودية، ووسع أيمن عسكر من اهتماماته إلى ما هو أبعد من الجهاد وفرض حماية على الميناء وأخذ عمولة من كل شحنة تمر.
أصدرت الحكومة سلسلة من مذكرات الإعتقال، لكنه نجا منها جميعاً، وصادق قريباً الضباط الإماراتيين الذين وصلوا كجزء من القوات التي استولت على المدينة، وقضى فترات طويلة في دبي وأبوظبي، وأقام علاقات هناك، وكوفئ على صداقته بعقد نقل مربح، وانتقل منذ ذلك الحين إلى الأعمال المربحة لنهب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية حول عدن.
في الصيف التقيت بأيمن عسكر بينما كان يستمتع مع أصدقائه في مزرعته شمال عدن، كانت المزرعة خصبة وخضراء وهادئة بعيدة عن الشوارع المزدحمة والخانقة في عدن.
مع اللصوص الذين من حوله، كان يمزح ويسرد القصص عن رحلته الأخيرة في الخارج، حيث قال إنه استأجر هو وصديق له ثلاث سيارات مرسيدس مع سائقيها، لنقلهم وزوجاتهم وأطفالهم حول منتجعات شرم الشيخ في مصر ونقلهم إلى الحدائق المائية والشواطئ ومطاعم المأكولات البحرية.
يقول أيمن عسكر لأصدقائه الذين من حوله: "كان أسبوع كالجنة وكان الأطفال سعداء للغاية، ويمكن للمرء أن ينسى كل متاعب الحرب هناك".
أيمن عسكر هو واحد من الأشخاص الذين كان أداءهم جيداً في الحرب اليمنية، وهو نزاع وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يقدر الآن أن 14 مليون شخص على الأقل معرضون لخطر المجاعة بسبب هذا النزاع. في الأسبوع الماضي، نتجت محادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في السويد وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة في ميناء الحديدة في البحر الأحمر، وهو بوابة هامة للمساعدات الإنسانية إلى البلاد.
سيطر الحوثيون على المدينة منذ عام 2015، لكنها تعرضت للهجوم لعدة أشهر من قبل قوات التحالف الإماراتي - السعودي، مما أدى إلى تحذيرات من كارثة إنسانية أسوأ.
إذا استمر وقف إطلاق النار المؤقت، وهو أمر غير مؤكد، سيُطلب من الجانبين سحب قواتهما من الميناء، إنها هدنة ناجحة في الحديدة يمكن أن تمهد الطريق للتقدم في الجولة القادمة من المحادثات، المقرر عقدها في أواخر يناير لكن الحرب لم تنته بعد.
في الواقع، لم تعد حتى حرب واحدة فقط، بدأ الصراع بخصمين واضحين هما التحالف الذي تقوده السعودية متحالفاً مع الحكومة ضد ميليشيا الحوثي التي تدعمها إيران، لكن قوة وتمويل التدخل الخارجي، خاصة من الإمارات العربية المتحدة، قد ساعد على تجزئة الحرب إلى صراعات متعددة ومناوشات محلية لن تنتهي بالضرورة بأي اتفاق سلام. اليمن الآن خليط من إقطاعات مدججة بالسلاح ومناطق فوضوية، حيث يزدهر القادة ومربحو الحرب وآلاف اللصوص مثل أيمن عسكر.
هناك حرب إقليمية بين الشمال والجنوب، كانت دولًا منفصلة ومتحاربة في كثير من الأحيان قبل عام 1990، وهناك صراع طائفي بين الزيديين الشيعيين مثل الحوثيين والسلفيين السنة، وإلى جانب خطوط الصدع الرئيسية هذه، هناك العديد من الصراعات الأصغر، التي اشتعلت وتفاقمت بسبب المال والأسلحة التي توفرها قوى خارجية لأي شخص يُنظر إليه من أجل تقدم أجندتهم.
الحكومة اليمنية مع عشرات من الوزراء ونواب الوزراء تعاني من خلل وظيفي وفساد ومنذ 2015 وهي في المنفى في مجمع فندقي سعودي. لديها جيش قوامه أكثر من 200,000 جندي، على الرغم من أن العديد منهم لم يستلموا رواتبهم ويعتبرون كأسماء في قائمة فقط، وبعضهم يتم الاستيلاء على رواتبهم من قبل ضباطهم.
التحالف الذي تقوده السعودية نفسه مليء بالنزاعات والمنافسات، حيث يتبع كل من أعضائه الرئيسيين أجندة منفصلة ويتآمرون ضد بعضهم.
في تعز وهي مدينة في وسط اليمن تعرضت للحصار والقصف من قبل الحوثيين منذ أكثر من ثلاث سنوات انقسم المقاتلون في قوات التحالف إلى أكثر من عشرين فصيلة عسكرية منفصلة، بما في ذلك ميليشيات محلية تدعمها وترعاها الإمارات العربية المتحدة، وكذلك القاعدة وغيرهم من الجهاديين، وهناك بعض المقاتلين الذين يبدلون الجانبين بحسب من يقدم مال أكثر.
قبل عامين عندما ذهب شيخ عشائري سني من البيضاء - على خط الصدع التقليدي بين الشمال الزيدية والأراضي السنية الجنوبية - لطلب المساعدة من الإمارات في معركته ضد الحوثيين، أخبره جنرال إماراتي أن المتمردين الحوثيين "لم يعودوا أولويتنا أو أكبر عدو لنا".
وقيل للشيخ إنه إذا كان يريد أسلحة من الإمارات، فإن عليه أن يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وحزب الإصلاح وهو حزب سياسي إسلامي يلعب دورًا مهيمنًا في نفس الحكومة التي أرسلت الإمارات ظاهريًا جنوداً إلى اليمن للدفاع عنها.
الآن هناك ثلاث قوى مختلفة تقاتل عبر أراضي الشيخ، يدعم كل منها مدعوم من واحد أو اثنين من الفصائل الرئيسية في التحالف سواء الإمارات العربية المتحدة أو السعوديون أو الحكومة اليمنية.
تلقى كل جيش في هذه المنطقة ملايين الدولارات من المعدات العسكرية والشاحنات والرواتب للمقاتلين، وفي الوقت نفسه، لم يعد بإمكان المزارعين في هذه الأراضي نفسها شراء البنزين لجرارتهم، ويستخدمون حمارا يحمل خلفه محراث خشبي لحفر الأرض بينما يصبح أطفالهم مقاتلون وميليشيات.
يبدو أن الإماراتيين هم أعضاء التحالف الوحيدون الذين لديهم إستراتيجية واضحة، إنهم يستخدمون جيوشاً خاصة قاموا بتأليفها وتدريبها وتمويلها في محاولة للقضاء على كل من المتشددين الجهاديين والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح.
عبر الساحل الجنوبي - حيث تتحالف الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية والتي تعارض كلا من الحوثيين وحكومة هادي - بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية، لديها خدماتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة من قبل الحكومة اليمنية، وكشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش عن وجود شبكة سجون سرية تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، المتهمون بإخفاء وتعذيب أعضاء الإصلاح وأعضاء من الفصائل التي تقاتل الحوثيين، وحتى نشطاء وناقدين للتحالف السعودي – الإماراتي، وقد أشار الوزراء اليمنيون إلى الإماراتيين على أنهم "قوة احتلال".
لقد شملت الإستراتيجية العسكرية السعودية المتعثرة بشكل كبير قصف المدنيين بلا هوادة، ودفع حصارهم لموانئ اليمن ملايين الناس إلى حافة المجاعة، في السنتين الأخيرتين، تم تقليص دورها في لعب دور صانع سلام بين حليفيها وهم الإمارات العربية المتحدة والحكومة اليمنية.
قال لي قائد يمني مقيم في عدن في الصيف الماضي: "كنا نأمل أن يتدخل السعوديون لوقف حماقة الإماراتيين لكنهم ضائعون.. الحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة لهم ولا يمكن إزعاجهم بما يحدث في الجنوب، لذا فقد سلموا هذا الملف إلى الإماراتيين".
إن ما حققه الإماراتيون في اليمن من إنشاء جيوش خاصة ودعم الانفصاليين في الجنوب والتآمر لتدمير النظام السياسي مع السيطرة على الممرات المائية الإستراتيجية في البحر العربي والأحمر يظهر كيف أن دولة صغيرة وطموحة للغاية تساهم في قوتها في المنطقة والعالم.
الحرب الأهلية المدمرة التي بدأت في عام 2015 كانت لسنوات في طور الإعداد، وأشعلت الشرارة الكبرى في عام 2011 وسط ثورة الربيع العربي، عندما طردت حركة احتجاج شعبية الرئيس السابق علي عبد الله صالح من السلطة.
كان صالح قد حكم من خلال نظام معقد من الفساد والرعاية لمدة ثلاثة عقود، ولكن خلافا لغيره من الطغاة العرب المخلوعين لم يذهب إلى السجن ولم يفر من البلاد، وبدلاً من ذلك، سمحت له مفاوضات توسطت فيها الأمم المتحدة وجيران اليمن في الخليج، بالتنحي وتجنب الملاحقة القضائية، في حين تولى هادي الذي كان نائبه، منصب الرئيس، لكن في الوقت الذي ناقش فيه ممثلو مختلف الفصائل في البلاد عملية انتقال سياسي في العاصمة، وفي الشمال والجنوب، كانت بعض هذه القبائل والأحزاب نفسها تحارب من أجل فرض إرادتها على الأرض وتمزيق البلاد وتدفعها نحو حرب أهلية أخرى.
من بين هذه القوى المتناحرة، كان الحوثيون هم الأكثر تنظيماً وأيديولوجياً، كانوا يعتقدون أن لديهم مهمة إلهية، وكان حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة، زعيماً دينياً زيدياً هاجم فساد نظام صالح وأعلن عن خليط من المعتقدات المعادية للغرب والتي تدعو للإحياء الإسلامي.
في أواخر عام 2014، انطلق الحوثيون من الشمال واستولوا على العاصمة صنعاء، بمساعدة من وحدات الجيش التي كانت ما زالت موالية للرئيس صالح. وبعد فرار هادي جنوبًا إلى عدن في بداية عام 2015، اقتحم الحوثيون المدينة وأرسلوه إلى المنفى، وبعد يوم واحد من ظهوره في الرياض، بدأ تحالف بقيادة السعودية يضم جيوش دولة الإمارات وقطر والبحرين والسودان ومصر بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، في قصف صنعاء نيابة عن الحكومة اليمنية المنفية.
أجبر الحوثيون هادي على الخروج لكنهم لم يتمكنوا من إحتلال عدن بالكامل، وبين ليلة وضحاها تقريباً، كانت المدينة مليئة بالرجال المحليين الذين كانوا يحملون البنادق، والذين تجمعوا في المدارس والمباني الحكومية والساحات مع قادتهم.
لم يكن هناك هيكل أو تجمع للأصدقاء أو النشطاء أو الجيران أو الأقارب حول زعيم حي ممول. بعضهم كانوا من السلفيين وبعضهم من الانفصاليين الجنوبيين والبعض من أعضاء القاعدة وبعضهم فقط من الشباب العاطلين عن العمل.
في كثير من الأحيان لم تكن هناك خطوط واضحة تفصل بين هذه المجموعات. يمكن للقائد أن يكون انفصاليًا جنوبيًا وسلفيًا على حد سواء، وأن الكثير من الشباب الذين انضموا إلى الجماعات الجهادية لم يفعلوا ذلك من أيديولوجية، ولكنهم كانوا يكرهون الحوثيين ويعجبون بتأثير الجهاديين والإمدادات الوفيرة من الأسلحة. لقد تركوا جميع الخلافات واتحدوا بأمر واحد وهو محاربة الحوثيين.
لم تكن كل فصائل المقاومة غير منظمة. كان السلفيون، الذين أسسوا قاعدتهم في ملعب لكرة القدم، متفانين ومتحمسين ومنضبطين وسرعان ما برزوا كأقوى عنصر في المقاومة ضد الحوثيين. قال لي شيخ سلفي، كان يقود قوته قبل بضعة أشهر: "كان السلفيون قد اتخذوا قرارًا بمحاربة الحوثيين حتى قبل دخولهم إلى عدن.. بالنسبة لنا كانت الحرب تدافع عن طبيعة المجتمع السني. لقد حاربنا الحوثيين كقوة دينية. كان الجميع تحت قيادتنا: من الفصائل الدينية والجنوبيين وبلطجية الشوارع وحتى القاعدة". ولأسباب طائفية وأيديولوجية، أصبح السلفيون قناة للأسلحة والأموال التي يرسلها التحالف العربي لتمكينهم أكثر.
وقد جمعت الحرب الحماسة الانفصالية لاستقلال جنوب اليمن مع السلفية والطائفية المناهضة للشيعة. كان خليطًا متفجرًا اجتاح المدينة. كان أي شخص من الشماليين مشتبهاً به وتم القبض على المئات واحتجازهم في الاستاد بتهمة أنهم عملاء حوثيين.
احتلال الحوثي لعدن استمر لمدة أربعة أشهر فقط، بعد طردهم، كان لدى الانفصاليين في الحراك الجنوبي آمال كبيرة، ولأول مرة منذ عام 1994 - عندما سحق الشمال الجيش الجنوبي بسهولة لإنهاء محاولة الانفصال - أصبحت المدينة خالية من أي سيطرة شمالية. جميع قوات الأمن كانت في أيدي الجنوبيين وكان لديهم أسلحة وحليفة قوية، وهي الإمارات العربية المتحدة التي سيطرت على الجبهة الجنوبية.
ومع اعتقاد الإماراتيين بأنهم من داعميهم، اعتقد سكان عدن أن مدينتهم سوف تصبح دبي القادمة بالكهرباء والمياه والوظائف، وقد أخبرني المحافظ المتحمّس، وهو جنرال سابق عاد من لندن للمساعدة في إعادة بناء المدينة، أن الشركات ستنتشر في المدينة وستستأنف عدن مجدها السابق.
ميناؤها، الذي كان راكداً قبل الحرب، سوف يستعيد مكانته، وسيتم إعادة فتح السفارات، وفي الأشهر التي أعقبت رحيل الحوثيين في عام 2015 ، تم الاحتفال بالإماراتيين كمحررين ورفعت أعلامهم على الأكشاك في السوق وزينت صور الحكام وزوايا الشوارع والأسلحة.
في الشوارع، كانت الحقيقة مختلفة، كانت "عدن المحررة" تشبه المدن الأخرى التي دمرتها الحروب الأهلية التي أعقبت الربيع العربي، مليئة بالدمار والمباني المحروقة والدبابات والمركبات المدرعة التي تظهر على التلال والشوارع المليئة بالفقراء الذين تركوا بلا مأوى وتحولوا إلى لاجئين في مدينتهم.
استبدلت ميليشيا الحوثي المهزومة بعشرات غيرهم في مدينة من دون مياه أو كهرباء أو شبكة صرف صحي، وأصبحت الحرب هي الوظيفة الرئسية للعمل، والشوارع مليئة بالمقاتلين الذين يركبون في مؤخرة شاحنات صغيرة محملة ببنادق رشاشة ثقيلة، وكان قادة من جماعات المقاومة المتفرقة يطالبون بنصيبهم من الغنائم من مدينة محطمة فقيرة.
وقد قام أقوى هؤلاء القادة مثل أيمن عسكر بتأمين السيطرة على الموانئ والمصانع وأي مؤسسة مولدة للدخل وفرض حمايتهم، واكتفى القادة الأصغر حجماً بنهب الممتلكات العامة والخاصة، خاصة إذا كانت هذه الأخيرة ملكاً لأصحابها الشماليين.
قال لي الشيخ السلفي: "عندما انتهت المعركة في عدن، تُركنا في فوضى.. تم تقسيم المدينة إلى قطاعات وكانت كل قوة أو ميليشيا تسيطر على جزء مختلف وتتصادم مع الأخرى".
بحلول نهاية عام 2015، أصبحت الحرب ضد الحوثيين غارقة بسبب التنافس بين أعضاء التحالف وانتشار المليشيات التي تسيطر على مناطق البلاد وتوسع القاعدة في الجنوب، بينما أحلام أهل عدن بأن تزدهر مدينتهم الفقيرة بمساعدة إخوانهم الإماراتيين الأغنياء خفت إلى مشاعر الاستياء والإحباط، لقد كان الشيخ السلفي مقتنعاً بأنه يجب القيام بشيء ما.
ومثل العديد من القادة اليمنيين، أصبح الشيخ زائرًا منتظمًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويتمتع بكرم ضيافة رعاته الجدد ويستريح من الوضع المتدهور في عدن، وخلال إحدى زياراته إلى أبوظبي، قال إنه التقى بأستاذ مسن ومستشار لمحمد بن زايد، ولي العهد الإماراتي ورئيس قواتها المسلحة.
كان الأستاذ قد صاغ عبارة جديدة أصبحت شعبية بين النخبة الحاكمة في أبوظبي تشير إلى بقية العالم العربي بأنه لكي ينجح، فإنهم يحتاجون إلى اتباع نموذج الممالك الخليجية، بالتخلي عن الديمقراطية والتمثيل الشعبي في مقابل توفير الرخاء والأمن الماليين.
في إحدى الليالي في أبوظبي وبعد وقت قصير من مقابلة الأستاذ، جلس الشيخ في غرفته الفخمة في الفندق وبدأ في كتابة رسالة طويلة لحلفائه الإماراتيين تتحدث عن خريطة طريق لإنقاذ جنوب اليمن والتدخل الذي تقوده السعودية، بعد بسم الله الرحمن الرحيم، بدأ يكتب: الجنود الإماراتيون الشجعان وقائدهم الحكيم محمد بن زايد، ثم سرد المشاكل التي تهدد المغامرة الإماراتية في اليمن.
في بيان من 16 نقطة بعنوان "خريطة الطريق لإنقاذ عدن" دعا إلى تشكيل قوة أمنية جديدة تتألف من مقاتلي المقاومة، وإنشاء خدمة استخبارات جديدة وتنفيذ مصطلح البروفسور المتعلق بالتقسيم، وذلك عن طريق حظر الأحزاب السياسية والانتخابات، كما أوضح "كان علينا هزيمة القاعدة واستخدام الجنوب كمثال على كيفية تنفيذ الإستراتيجيات الجديدة للخليج".
وحذر من أن تكتسح العواطف الانفصالية عدن، واقترح على الإمارات أن تستفيد من هذه اللحظة من خلال رعاية فصيل مخلص من الانفصاليين، وذلك جزئيا لمنع قوة أخرى، مثل قطر أو إيران من المشاركة في الحركة الجنوبية.
قال لي: "انظر، أنا أعمل من أجل الإماراتيين كمستشار وأريدهم أن ينجحوا.. مصرينا متشابك، إذا فشلت وقررت الرحيل ستكون كارثة وستدمر عدن، أعلم أنني أحتاج إلى الإماراتيين وأنا معتمد عليهم، لكن في الوقت نفسه، لست ساذج، أعلم أن لديهم مشروعهم الخاص ولديهم أهدافهم وخدمتهم الخاصة لكن لا بأس في التعاون معهم".
بعد عودته إلى عدن، عمل الشيخ مع جنرال إماراتي لتكوين وتدريب قوة أمنية جديدة موالية له وقادرة على مواجهة التهديد الجهادي المتزايد، وبينما كان الجميع علانية يطالبون بمساعدة مؤسسات الحكومة اليمنية وإعادة بناء جيش حديث، كان الواقع هو أن الإماراتيين أرادوا قوة عملائهم أن يستطيعوا السيطرة دون تدخل من الرئيس هادي، الذين رأوا أنه عقبة، خاصة وأنه تحالف مع الإصلاح، عدو الإماراتيين.
ويضيف الشيخ: "لقد كان الجيش والشرطة اليمني الحاليان مؤسسات فاسدة وفاشلة. لقد أراد الإماراتيون قوة جديدة، كانت الخطة هي تدريب وتجهيز قوة من 3000 رجل، لكننا انتهى بنا المطاف بقوة قوامها 13,000 رجل، لذلك قمنا بتقسيمهم إلى أربع كتائب"، القائد العام للقوة الجديدة - التي أطلق عليها اسم "الحزام الأمني" - وجميع قادة الكتائب كانوا جنوبيين وسلفيين وكذلك بعض المقاتلين، وأصبح الشيخ أحد كبار القادة.
مع مرور الوقت شكل الإماراتيون نصف الجيوش المنتشرة عبر عدن وجنوب اليمن، يعمل قادتهم كأمراء حرب مستقلين مع الدبابات والسجون والقوة الموالية لهم شخصيا، ولا توجد قيادة مركزية تربط كل هذه القوى، ولا تملك الحكومة اليمنية سيطرتها عليها.
وبدلاً من ذلك، فإنهم يعملون مباشرة تحت قيادة القائد العام الإماراتي الذي يعيّنهم ويرفضهم حسب رغبته ويوزعون وفقاً لتعاونهم وفعاليتهم، وعلى عكس وحدات الجيش الحكومي اليمني، بأعدادها الضخمة والجنود الذين يتقاضون أجوراً غير منتظمة، يحصل المقاتلون في القوات التي تسيطر عليها الإمارات على أجورهم بانتظام وهم يرتدون ملابس أفضل ومجهزة مع أقنعة تشبه أقنعة التزلج السوداء والوحشية المتطرفة. إنهم يحتجزون ويذبحون ويقتلون مع الإفلات من العقاب.
قابلت أحد قادة الحزام الأمني في قاعدته شمال عدن، بالقرب من نقطة تفتيش كبيرة تفصل المدينة عن محافظة لحج المجاورة حيث كان للجهاديين وجود قوي للغاية هناك، وقال إنه عندما وصل أول مرة، كان مقاتلو القاعدة متواجدين في مواقع تبعد أقل من 200 متر، وكانت المحافظة بأكملها تحت سيطرتهم.
وأوضح القائد كيف انتشرت قواته، وقال "لقد كانت معركة صعبة.. فعلى مدى أسابيع، كنا ننام ساعتين أو ثلاث ساعات تقريباً، وقمنا بدوريات في الشوارع وخطف المشتبه بهم من القاعدة، كان الأمر بسيطاً، القادة والأشرار قتلناهم، أما الذين اعتبرناهم ضعيفين وقابلين للإصلاح - الذين كانوا متعاونين معهم أو أصحاب المتاجر الذين تعاملوا معهم - قمنا بسجنهم وتعذيبهم ومن ثم أطلقنا سراحهم بعد ستة أشهر بعد أن وقعوا تعهداً، أما بقية السكان راقبناهم من خلال المخبرين".
في اليمن، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الذي نشر هذا العام، فإن جميع الأطراف كانت تحتجز المشتبه بهم دون محاكمة وتعذب السجناء، كان الحوثيون يخطفون الكتاب والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان حتى قبل بدء الحرب.
لكن لا أحدا يستطيع التنافس مع الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري الذي تمارسه الإمارات ورعاياها، حملة إرهابية لم يسبق لها مثيل تبعت تشكيل هذه القوات في عام 2016. في الليل داهم رجال أقوياء أشخاصاً وسحبوهم من أسرتهم، لا أحد يعلن مسؤوليته عن عمليات الاختطاف هذه، وعلى الرغم من أن العمل تم إطلاقه ظاهريًا لمحاربة القاعدة إلا أن الأهداف توسعت لتشمل أي شخص تجرأ على معارضة الوجود الإماراتي في اليمن.
قابلت في الصيف محامية حقوق إنسان تعمل مع وزارة العدل اليمنية، ولديها قوائم بالمحتجزين وجمع الشهادات منهم وعائلاتهم.
تقول المحامية: "بعد معركة عدن توقعنا أن يشكل الإماراتيون جيشًا واحدًا من المقاومة، وبدلاً من ذلك، قاموا بإنشاء عشرات من القوات وهم يحتجزون أي شخص يعارضهم، وأصبح تنظيم القاعدة ذريعة، وأي شخص لا يوافق عليه تم اعتقاله، ويتم تعذيب جميع المعتقلين تقريباً، وغالباً ما يتم تعليقهم من السقف والعديد منهم يتعرضون للإيذاء الجنسي، الشيء المحزن هو أن الجنوبيين الآن يعذبون الجنوبيين بمباركة الإماراتيين، بينما تقف الحكومة اليمنية عاجزة وتراقب".
وضعت كومة من الملفات أمامي حيث يعتقد أن هناك ما لا يقل عن 5000 حالة، وأضافا: "ليس لدينا قوة، ونطالب بزيارة السجون لكنهم لا يجيبون، حتى لو كانوا حقاً القاعدة لا يمكن أن يتعرضوا للتعذيب من هذا القبيل، إنهم يخلقون قنبلة موقوتة لكل هؤلاء الناس الذين تعرضوا للتعذيب، وضع الأبرياء مع الجهاديين والأطفال مع كبار السن في غرف مكتظة".
قالت لي إن عدن مرتعبة ويملؤها الخوف، كانت الحياة أسهل أثناء الحرب، لقد تجنبت الخطوط الأمامية وواجهتها في الداخل، وتضيف: "لقد غلينا البطاطا وأكلناها بخبز لكننا شعرنا بالأمان، الآن نحن نعيش في خوف".
بعض السجناء لا يعرفون سبب احتجازهم، كان شاب جامعي يرتدي نظارة طبية يحب قراءة كتب التاريخ ومناقشتها مع أصدقائه، اختطفه العام الماضي رجال ملثمون ووضعوه في مؤخرة شاحنة صغيرة، واقتيد إلى غرفة بلا نوافذ حيث احتجز لمدة ثلاثة أسابيع، وقد تم استجوابه عدة مرات ولكن غالبًا ما تركوه بمفرده، وفي بعض الأحيان كان يعتقد أن سجانيه قد نسوا أمره، وقبل إطلاق سراحه، أخبره المحقق أنه من الأفضل عدم الحديث عن هذه الكتب التي تقرأها علنًا ومن ثم أُرسل إلى المنزل.
تم اعتقال العديد من الأشخاص للضغط على أفراد العائلة فقط، في مقهى مضاء بشكل مشرق بجوار مركز تسوق مزدحم مليء بالعائلات، قابلت عبد الله، وهو طالب جامعي شاب. شرب عصير الليمون الخاص به بصمت، وكشف عن بشرة مشوهة على جانب ذراعه كلما رفع الكأس.
في منتصف الليل قبل عام، قام رجال ملثمون بالقرع على باب منزله، وأخبروه أنه مطلوب للاستجواب وأكد لوالدته أنه سيعود في الصباح، قاموا بتعصيب عينيه ووضعوه على ظهر شاحنة صغيرة، وعندما أخذه من الشاحنة أدرك أنه كان في القاعدة الشهيرة لقائد قوات الحزام الأمني في عدن، أبو اليمامة، وهو ضابط مخضرم في الكفاح الطويل من أجل استقلال الجنوب الذي أصبح وكيلًا إماراتيًا قويًا.
نقل عبد الله إلى زنزانة صغيرة وغادرها لبضع ساعات، يقول عبد الله: "قبل الفجر، دخل أربعة رجال إلى الزنزانة، بدؤوا في ضربي وطلبوا مني الاعتراف بأن أخي كان يعمل مع الجهاديين، أقسمت أنه لم يكن كذلك فقد كان لديه محل صغير لإصلاح الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر، ولم يكن حتى يصلي".
قال لي إن أحدهم "أحضر زجاجة كهذه وبدأ يرش على ظهري، شممت رائحة البنزين قبل أن يشعلوه، ركضتُ حول الغرفة وأصطدمت بالجدران وصرخت بصوت عالٍ إلى أن جاء الحراس وأطفؤوا النار".
ما لم يكن يعرفه آنذاك هو أنه تم تصويره، وأن أخاه كان قد اعتُقل بالفعل، لكنه رفض الاعتراف، وقال لي: "عندما عرضوا الفيلم على أخي، وقع اعترافًا على الفور".
نقل عبد الله إلى عيادة، وبعد تدخل من قبيلته القوية، بعد ستة أشهر، تم إطلاق سراحه، ورفع قميصه ليُظهر لي ظهره، حيث كان الجسد مشوهاً وبه جُرح. ولم يتم بعد اتهام شقيقه أو إطلاق سراحه.
عندما سألت الشيخ السلفي عن هذه التجاوزات، نظر بعين الاعتبار إلى المسافة المتوسطة وقال إنها ارتكبت من قبل الشركاء المحليين لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقال: "إن سياسة استهداف واحتجاز المشتبه بهم من القاعدة مقبولة دوليًا والإماراتيون شركاء مع الولايات المتحدة في ذلك.. لتستهدف وتخفي مشتبهاً في القاعدة، هذا أمر جيد. ولكن وضع رجل في السجن لمدة عام وتعذيبه لمجرد أن ابنه متهم بالانضمام إلى القاعدة، فهذه مشكلة".
أبو اليمامة هو اسم يجعل الرجال يرتجفون في عدن، إنه فخور جداً بوحدات النخبة التي تدربها القوات الخاصة الإماراتية الذين هم مرتبطون بأسوأ الأعمال الوحشية، جلست بجانبه صباح أحد الأيام في قاعدته بينما كان يشاهد قواته تمارس غارة، مجموعة منهم يرتدون ملابس سوداء، اقتحموا غرفة فارغة وجروا أحد مقاتليهم، دافعوه بقوة على الأرضية الإسمنتية قبل تجميعه على الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة والهروب بسرعة بعيداً. كرروا نفس التمرين عدة مرات.
في وقت لاحق، في مكتبه رفض أبو اليمامة جميع مزاعم الاحتجاز التعسفي والتعذيب، معتبرا أنها مؤامرة من جماعة الإخوان المسلمين للإضرار بسمعة قواته، وتساءل "ماذا يتوقعون مني أن أفعل للناس الذين يتجولون في الشوارع بأحزمة ناسفة؟ أرسل لهم بعض الورود وأدعوهم بأدب لزيارتي؟".
في الجنوب، لم يقتل حلم الاستقلال القديم، مثل كل سكان المدن الملعونة بالتفاوت بين التاريخ المجيد والحاضر البائس، فإن شعب عدن محكوم عليه بالتوق إلى ماضٍ متخيل، هذا التوق هو شكل من أشكال المخدر وغالبا ما يكون غير ضار، حتى يندمج مع الأساطير القومية أو الطائفية عندما يصبح الخليط متقلبًا ومتفجرًا.
في السنوات التي تلت الوحدة، رأى الجنوبيون دولتهم الاشتراكية العلمانية التي ضمها الشمال الأقوى، رأوا مصانعهم مفككة وتمت إقالة ضباطهم من المراكز الحكومية وتم الاستيلاء على أراضيهم وانهار نظامهم التعليمي والصحي، وما كان من المفترض أن يكون شراكة مع الشمال كان مجرد استيلاء.
لأكثر من عقد من الزمان - قبل ثورات الربيع العربي بفترة وجيزة - كان الناس المتحمسون والمتعاطفون في جنوب اليمن قد دعوا إلى إعادة إحياء دولتهم القديمة، وهتفوا وتظاهروا بسلام في شوارع عدن وفي قرى الجبال والصحاري، وقابلتهم القوات الحكومية بالوحشية والعنف.
قامت قوات الأمن بقيادة صالح، ثم هادي - الجنوبي الذي فر إلى الشمال في الثمانينيات ثم قاد الجيش الشمالي الذي سحق المحاولة الأخيرة لاستقلال الجنوب في عام 1994 - بإطلاق الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية على المتظاهرين المسالمين، واستخدمت الاعتقالات التعذيب وأحيانا القتل خارج نطاق القضاء لقمع الحراك الجنوبي، وتم تجاهل قضيتهم إلى حد كبير - من قبل العالم وجيرانهم - حتى غزا الحوثيون الجنوب، تغير كل شيء.
أخبرني بفخر أحد زعماء المجلس الإثانتقالي الجنوبي: "الآن لدينا جيش ونحن نسيطر على الجنوب ولدينا حليف إقليمي يقف إلى جانبنا".
وقال قائد المجلس الانتقالي الجنوبي: "لم نكن يوماً بهذا القدر من القوة في الجنوب، يقول الناس إننا تحت سيطرة الإماراتيين، كما لو أنهم يستطيعون نقلنا بواسطة جهاز تحكم عن بعد، لكن الإمارات ليست جمعية خيرية، بالطبع لديهم مصالح مثل تأمين الساحل والتخلص من القاعدة وإقامة دولة صديقة هنا في جنوب اليمن، كان الإماراتيون بحاجة إلى شريك وعندما رأوا فشل حكومة هادي كان عليهم أن يتخذوا إجراءات".
لكن حلم استقلال الجنوب لا يزال محاطًا بالأساطير، في نقاشهم حول الجنوب القديم، ينسى العديد من الانفصاليين الحديث عن الجوع والقمع في تلك السنوات، ويتغذون بسهولة على تاريخ الصراع والانقسام.
خلافات بينهم حول نظرية الاشتراكية وشكل الدولة أصبح شخصي وعنيف، وبلغت ذروة الأمر في حرب أهلية دامت 10 أيام في الجنوب في عام 1986 - التي نفي فيها الخاسرون ومن ضمنهم هادي إلى الشمال قبل عودته منتصراً عندما دخل الشمال وهزم بسهولة الجيش الجنوبي في عام 1994. الآن أولئك الذين خسروا في عام 1994 يقفون مع الإماراتيين بينما هادي وحلفاؤه ضدهم.
وبطبيعة الحال، مثلما مهدت أمريكا الطريق لحرب أهلية وحشية في العراق، الإماراتيون خلقوا الظروف الملائمة لاستئناف الصراع وإشعال حرب أهلية.
أخبرني أحد الناشطين الشباب: "أنا لا أريد الجنوب المستقل بعد الآن، لسنوات عديدة حلمت أنا وأصدقائي بالجنوب، لكن إذا كانوا منقسمين الآن، فماذا سيحدث عندما يصبحون دولة؟ سوف يقتلون بعضهم البعض في الشارع كما كانوا يفعلون من قبل".
هذا الصيف في عدن، علقت اللوحات الإعلانية الضخمة في الشوارع، كان لديهم صور لولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، إلى جانب هادي وبعض القادة الأقل رتبة، بعضهم أحياء وبعضهم مات، وعلى الجدران كانت هناك رسومات كتابية مؤيدة للإمارات العربية المتحدة وملصقات مزخرفة بأعلامها، لكن خلال الصيف بدأت شعارات "يسقط الاحتلال الإماراتي" تظهر.
إن انتفاضات الربيع العربي والفوضى العنيفة التي أعقبت ذلك، خلقت تحولاً في ديناميكيات السلطة في العالم العربي، ولم تعلن ممالك الخليج بصوت عالٍ فقط عن رموز جديدة للاستقرار في منطقة مزقتها الحرب الأهلية، بل استغلت أيضاً الفرصة لعرض قوتها الجديدة من خلال التدخل في صراعات جيرانها وتمويل وتسليح الميليشيات في سوريا وليبيا واليمن ودعم انقلاب عسكري في مصر.
وفي ظل حكومة زايد المتشددة، احتضنت الإمارات سياسة خارجية أكثر حزماً تهدف إلى تأسيس الإمارات كقوة إقليمية، في اليمن، لدى الإمارات ثلاث مهام مركزية منفصلة عن دعمها للتحالف السعودي، أولاً، سحق الإسلام السياسي بأي شكل، ثانياً السيطرة على خط الساحل ذو القيمة الإستراتيجية للبحر الأحمر، عبر مضيق القرن الأفريقي، حيث أنشأت الإمارات بالفعل قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا، وثالثاً، تطوير وتعزيز قواتها الخاصة التي تدرب وتشرف على وكلاء محليين مثل قوات الحزام الأمني.
إن السعي المتزايد لهذه الضرورات الجيوسياسية لم يثر بالضرورة حلفاءهم الظاهرين في اليمن.
في عدن هذا الصيف انتشر نقد الإمارات العربية المتحدة لا سيما بين الفقراء الذين ظنوا أن وجود جيرانهم الأثرياء جداً من شأنه أن يجعل حياتهم أفضل، وبدلاً من ذلك، ازدادت إمدادات الكهرباء سوءاً وكانت الأمراض التي يمكن الوقاية منها تنتشر وكان انهيار الريال اليمني مدمراً.
في سبتمبر اندلعت مظاهرات في عدن وبقية الجنوب حول حالة الاقتصاد، وحتى الآن تلاشى كل أمل في تطوير جديد وتلاشت الحماسة مع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الاقتتال والتناحر، وحتى بين أقوى الحلفاء الإماراتيين والسلفيين كان هناك استياء متزايد باستخدامهم كمدفع في حرب شخص آخر.
وكما أخبرني بغضب أحد قادة المقاومة السلفيين الذي أوقف القتال إلى جانب الإماراتيين: "لماذا نرسل أفضل رجالنا للموت في الجبهة - وقصف المدنيين المحاصرين بيننا وبين الحوثيين - لمجرد أنهم يريدون السيطرة على الساحل؟".
في غرفة فندق صغيرة في أحد الأجزاء الفقيرة من عدن، جلست مع ثلاثة من قادة الحركة الجنوبية الذين شاركوا جميعًا في المقاومة، وكانوا جميعًا يعتبرون أنفسهم أصدقاء الإماراتيين الذين تلقوا منهم السلاح والمال والشاحنات، لكن جميعهم قالوا إنهم في العام الماضي استُهدفوا بالاعتقال أو الاغتيال من قبل قوات الحزام الأمني، قال أحدهم: "الحرب معهم ليست سوى مسألة وقت".
وقد انضم الثلاثة الآن إلى مخيم هادي، سألت أحد الرجال - الذي قضى سنوات في حملة من أجل استقلال الجنوب - لماذا كان يتآمر فجأة ضد الإماراتيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، أجاب: "أردنا الجنوب على أساس مؤسسات الدولة، وليس الميليشيات، ما لدينا الآن هو حالة من الفوضى حيث يقتل المسلحون المقنعون ويحتجزون كما يحلو لهم، هذا ليس الجنوب الذي قمت بحملات من أجله، فإما الإماراتيون يأخذون الجنوب ويعلنونه مستعمرة لهم أو يجب عليهم احترام الشعب والرئيس".
في زيارتي الأخيرة للشيخ السلفي في عدن، وجدته يائساً، وقال: "الجنوب كان يحكمه الجنوبيون على مدى السنوات الثلاث الماضية ومع ذلك فقد كان فشلاً"، وأصر على أن الإماراتيين يجب أن يظلوا لأنهم إذا غادروا يمكن أن تسقط عدن بسهولة مرة أخرى، وستقاتل كل هذه الوحدات بعضها البعض، ونحتاجهم للبقاء، في الوقت نفسه نشعر بالإحباط من الأخطاء التي يرتكبونها، أفهم أن الإماراتيين ما زالوا يتعلمون لأنهم لا يملكون الخبرة كدولة إمبريالية لكنهم يتصرفون بعد ذلك بغطرسة دولة إمبراطورية".
وختم قائلاً: "أعلم أن عامين ليس بالوقت الطويل في حياة أمة تحاول بناء إمبراطورية، ولكنه وقت قصير جدًا لتحويل أصدقائك إلى أعدائك".
تُظهر إستراتيجية الإمارات في اليمن كيف أن أمة صغيرة وطموحة للغاية تستعرض قوتها خارج حدودها.
بقلم غيث عبد الأحد.
لقراءة المادة الأصل على الرابط هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست.