[ ميناء عدن خلال عقود سابقة - أرشيفية ]
"كان ذلك قبل الساعة الثامنة صباحا،وكان معظم الطيارين في سلاح الجو المصري يتناولون وجبة الإفطار عندما اختفت الإشارات الصغيرة للرادار التي توضح الطائرات الإسرائيلية، كانت المنطقة على حافة الحرب، ولم تكن التوترات بين إسرائيل وجارتها العربية كبيرة".
هكذا استهل الصحفي الأمريكي "جوستن هيجين بوتم" تقريره الذي سلط الضوء على دور الحرب في مصر في مرحلة الستينيات في إضعاف أحد أهم موانئ اليمن آنذاك وهو ميناء عدن.
ويقول التقرير الذي نشرة موقع "أوزاي" الأمريكي وترجمه الموقع بوست": لم يكن شذوذ الرادار بالأمر المعتاد، وكان ذلك يحدث كل صباح، بسبب أن مستوى المراقبة اليومي انخفض إلى ارتفاع مسح الصحاري.
ويضيف "لكن ما حدث بعد ذلك كان غير عادي، وبدلا من الظهور مجددا على الرادار والعودة إلى القاعدة، شنت الطائرات الإسرائيلية هجوما كانت تخطط له منذ شهور فضربوا المدرجات والقواعد الجوية المصرية بالصواريخ والقنابل، وقاموا بنهب الطائرات قبل أن تتاح لها فرصة الإقلاع، وتم إسقاط الطائرات المصرية التي وصلت إلى السماء بسرعة".
كان هجوما مدمرا، وفي الواقع تم تدمير كامل سلاح الجو المصري في اليوم الأول مما عرف لاحقا باسم حرب الأيام الستة.
يتابع التقرير "في يوم الهجوم المفاجئ، 6 يونيو 1967، كان ميناء عدن في اليمن، كما كان في معظم الأيام الأخرى -مزدهرًا - مياهه الزرقاء توفر تباينًا رائعًا للصخور البركانية السوداء المحيطة به، وكانت المطاعم ممتلئة، والأحواض مشغولة.
كانت المدينة القديمة مركزًا صاخبًا لآلاف السنين، ولكن بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 بالربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، أصبح ميناء عدن واحداً من أكثر المناطق ازدحاما في العالم، ويقال إنه يحتل المرتبة الثانية بعد نيويورك، في قلب طرق التجارة الحديثة.
وبحسب التقرير يقول الدكتور نويل بريوني، رئيس الجمعية البريطانية: "كان يمكن القول في الستينيات من القرن الماضي، أن عدن كانت في طريقها لأن تصبح دبي اليوم"، وكانت بريطانيا العظمى، التي حكمت عدن كمستعمرة منذ عام 1839، قد نقلت قاعدتها العسكرية الإقليمية الرئيسية إلى المدينة في عام 1958.
وأشار إلى قدوم المهاجرين من أماكن أخرى إلى الإمبراطورية البريطانية، بما في ذلك الهند، إلى عدن للعمل، و لا يزال البريطانيون يمتلكون سفنا عسكرية في ميناء عدن في يونيو منذ عام 1967 بالرغم أنهم لم يعودوا منذ وقت طويل.
وتابع "كانت القوات البريطانية تقاتل حركة المقاومة، وبعد سنوات من الهجمات بالقنابل اليدوية، كانت الاحتجاجات والمعارك في الشوارع في طريقها للخروج، وبحلول نهاية نوفمبر كانت جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية هي المسيطرة على المدينة.
ووفقا لبريوني فعندما غادر البريطانيون، أخذوا معهم حوالي 20،000 وظيفة، وكانت تلك بداية التراجع الاقتصادي، وغادر عشرات الآلاف المدينة في السنوات التالية مع قيام الحكومة الجديدة غير المستقرة بإقامة العقيدة الماركسية المتشددة.
يقول الكاتب: كان لحرب الأيام الستة نفسها تداعيات اقتصادية طويلة الأمد، في كل الموانئ العالمية بالأمس، إذ كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" في 7 يونيو/ حزيران 1967: "إن أجهزة الراديو تحركت بأوامر من شركات شحن السفن لتغيير اتجاهها".
وفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي، أغلق رئيس الجمهورية العربية جمال عبد الناصر قناة السويس للمرة الثانية منذ 98 عامًا، ويشير المقال –وفقا للموقع - إلى أن السفن التي تسافر من الخليج الفارسي إلى أوروبا ستحتاج الآن للسفر حول الطرف الجنوبي من أفريقيا، بزيادة 16 يومًا و 4800 ميل إلى الرحلة – بالإضافة الى قطع عدن عن العملية بالكامل.
وأضاف بأنه ولو أغلقت القناة لفترة قصيرة، لكان ذلك أيضا غير ملائما بالنسبة لميناء عدن، لكنها ظلت مغلقة حتى عام 1975، وفي ذلك الوقت، اتخذ المنافسون في المنطقة مع زيادة فرص الاستثمار - من جيبوتي إلى دبي - موقع عدن كميناء مفضّل للمسافات الطويلة.
يضيف بريوني "في التسعينيات حاولت عدن استعادة مكانتها البارزة مع مقترح بأن تصبح محوراً لسفن الحاويات الفائقة، حيث كان موقعها في وضع أفضل جغرافياً من أماكن مثل دبي لاستقبال السفن بين آسيا وأوروبا، لكن لم يكن هناك استثمار كافٍ لإنشاء البنية التحتية اللازمة، لكنها لم يكن لديها في الواقع مستوى كافٍ من الاستثمار والدعم، واليوم، عدن في حالة يرثى لها بشكل استثنائي، بسبب الحرب الأهلية في اليمن التي خلفت الآلاف من القتلى.
وفيما يتعلق بالدور السعودي في الحرب أشار بوتوم إلى أن المملكة العربية السعودية مارست حصارًا فعليًا لمدة عامين على الميناء، مما منع وصول الإمدادات الإنسانية المهمة، ونتيجة لذلك تعاني المدينة من البطالة وارتفاع الأسعار، مضيفا أن الرافعات التي كانت تحوي حاويات كاملة تقف الآن فارغة.
لكن على الرغم من تعاقب الكوارث، يرى الكاتب أن عدن لديها شيء مهم للغاية: حتى عندما تهدأ الحرب الأهلية والمجاعة، فلا تزال صخور الميناء البركانية المتلألئة تقع في واحدة من أكثر النقاط الإستراتيجية جغرافيا على الكرة الأرضية عندما يتعلق الأمر بطرق الشحن، وأن عليها الانتظار بهدوء للحصول على فرصة أخرى للمساهمة.