[ ظهر المرض في عدن وتزداد هناك أعداد المصابين ]
بدأ ذلك بعد يومين من عملية الجراحة حيث لاحظ الأطباء الرائحة لأول مرة، وقاموا بتضميد الجرح الذي تسببت به الطلقات النارية التي أصابت ساق الطالب الجامعي البالغ من العمر 22 عاما، والتي حطمت العظام ومزقت العضلات في ساقه.
كان الجرح ينبعث برائحة سيئة، وأظهر ذلك وجود عدوى ربما تهدد الحياة، ولم يكن هناك تحسن.
وبعد أن أدرك الأطباء أن المضادات الحيوية العادية لا تعمل، أرسل مركز أطباء بلا حدود للصدمات النفسية في عدن عينات الدم لتحليلها في مختبر علم الأحياء المجهرية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود.
افتتح المركز العام الماضي، وهو الوحيد من نوعه في المنطقة الذي يحتوي على معدات عالية الجودة يمكنها اكتشاف العدوى المقاومة للعديد من الأدوية، وكانت النتيجة عبارة عن بكتيريا سالبة الجرام (Acinetobacter baumanni) والتي كانت مقاومة لمعظم المضادات الحيوية العادية.
قال الدكتور نجوان منصور، رئيس الأطباء في برنامج الإشراف على المضادات الحيوية لمنظمة أطباء بلا حدود "لا أحد يعرف كيف انتقلت العدوى إلى الطالب، الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه، لكن كان ذلك شائعا جدا في اليمن حيث يمكن أن تأتي العدوى من الرصاصة نفسها أو الرمل على الأرض عندما سقط".
بدأ أطباء منظمة "أطباء بلا حدود" برنامجًا من المضادات الحيوية المتخصصة التي لا تستخدم عادة بسبب آثارها الجانبية المحتملة. كما تطلب أيضا أداء العديد من العمليات الجراحية، ما كان يمكن الإقامة بسسبه لمدة خمسة أيام أصبح من اللازم الإقامة لمدة ثلاثة أسابيع، وخلال هذه الفترة تم عزل الطالب لمنعه نشر العدوى والتسبب في إصابة المرضى الآخرين، وعندما جاءت عائلته لزيارته، لم يتمكنوا من لمسه دون ارتداء ملابس واقية.
لكن في النهاية نجا الطالب، وقال الدكتور نجوان: "لقد أنقذنا الطالب من الموت".
تضاعف معدل الوقت الذي يقضيه المرضى في المستشفى الميداني تقريبًا إلى أربعة أضعاف في حالة التعافي من جروح الحرب، من متوسط خمسة إلى 19 يومًا.
تسببت حملة القصف التي قادتها السعودية في اليمن في وفاة الآلاف من الضحايا، لكن الأعداد الحقيقية قد لا تتضح لسنوات قادمة.
بعد سنوات من القصف المتواصل الذي أصاب بالفعل إمدادات الغذاء، ودمر البنية التحتية الأساسية، وعطل الرعاية الطبية، أصبح اليمن الآن الخط الأمامي لمقاومة مضادات الميكروبات.
حتى الآن، كان التهديد الذي تمثله البكتريا التي أنتجتها الأمراض المقاومة للعقاقير مجرد تهديد نظري، حيث تسببت بعض الحالات المعزولة في إثارة القلق بين الأطباء والعلماء لما يمكن أن يحدث إذا خرجوا عن نطاق السيطرة. في اليمن، تهدد مشكلة انتشار مرض مقاومة مضادات الميكروبات بانهيار النظام الصحي المزدحم بشدة.
لقد زاد انتشار مرض مقاومة مضادات الميكروبات على نطاق واسع بمقدار أربع مرات تقريبًا أكثر من مقدار الوقت الذي يجب على المرضى إمضائه في المستشفى الميداني للتعافي من جروح الحرب، من متوسط خمسة أيام، وهو وقت كافٍ عادة للكسور والإصابات بالرصاص، إلى 19 يومًا.
هذا الوقت الإضافي، بالإضافة إلى المضادات الحيوية المتخصصة التي يحتاجها المرضى للتغلب على إصاباتهم بالمرض، تعني أن عددا قليلا من المرضى يمكن معالجتهم أكثر من العدد المعتاد، بالإضافة إلى أنه يعتبر أكثر تكلفة وصعوبة، وفي مراكز الصحة العامة التي لا تمتلك مرافق خاصة وأدوية، من المرجح أن العديد من المرضى يموتون من العدوى التي يمكن علاجها في المعتاد.
وقالت الدكتورة آنا نيري، المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في اليمن: "إنه عبء كبير على النظام الصحي الذي بالكاد يمكن أن يعتني بالرعاية الصحية الأولية".
سبعون في المئة من المرضى الذين تم إدخالهم إلى مستشفى أطباء بلا حدود في عدن لديهم بكتيريا مقاومة المضادات الحيوية في أنظمتهم.
وقالت الدكتورة نيري: "هناك انتشار مخيف لمرض مقاومة العقاقير المتعددة التي نراها في الشرق الأوسط". وترى تقارير منظمة أطباء بلا حدود أن المرضى المصابين بفيروس(Staphylococcus aureus) المقاوم للميثيسيلين، والطيف الممتد بيتا لاكتاماز، و(CRE) .
وأضافت "يبدو أن العديد من المرضى يفقدون أطرافهم أو يموتون بسبب مرض مقاومة المضادات الحيوية، وتحدث مشاكل مماثلة في مناطق الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب، بما في ذلك العراق والأردن وسوريا".
مزيج "مقاومة الأدوية" مع الحروب يعود إلى حقبة ما قبل المضادات الحيوية عندما كانت فلورنس نايتنجيل تناضل من أجل الحد من الإصابات القاتلة خلال حرب القرم، وهي حرب على شبه جزيرة بين روسيا وأوكرانيا.
كان المريض الطالب ذو 22 عاما محظوظًا لأنه ينتهي الأمر بالوفاة لمعظم المرضى الآخرين في مستشفى حكومي أو مستشفى خاص، ليس لديهم القدرة أو البروتوكولات اللازمة للكشف عن الإصابة بمقاومة للعديد المضاضات الحيوية ومعالجتها.
وقال الدكتور نجوان إن هناك العديد من المرضى الذين قد يموتون بسبب العدوى بمرض مقاومة الأدوية دون اكتشاف ذلك.
وكثيراً ما يعالج الأطباء في اليمن حتى العداوى البسيطة بمضادات حيوية، الأمر الذي يزيد المشكلة سوءاً ليس فقط للمريض، ولكن بالنسبة لجميع السكان.
وقال الدكتور نجوان "هذا يخلق جيل جديد من البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة".
يلعب سوء استخدام المضادات الحيوية في المرافق الطبية دوراً رئيسياً في زيادة انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة في اليمن. ويقدر الدكتور أن نسبة 60 في المئة من المرضى المصابين بالأمراض في المستشفى الخاص به، مصابين بعدوى مقاومة للعقاقير المتعددة.
تقول سوزان إلدن، المستشارة الصحية في سوريا لدى وزارة التنمية الدولية البريطانية، إن المعلومات والقصص مثل تلك التي تأتي من منظمة أطباء بلا حدود مثيرة للقلق، وأشارت إلى أن نتائج مماثلة لتجربة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن ظهرت في دراسات صغيرة في سوريا.
في حين أن التركيز في الأزمات الإنسانية غالباً ما يكون على توفير الرعاية الطارئة، فإن المشكلة ليست عملية الإنقاذ نفسها ولكن ما يحدث بعد ذلك مع إدارة للعدوى.
وتقول إلدن "في العديد من الصراعات في الشرق الأوسط، يبدو أن العديد من الناس يموتون من العدوى"، وأضافت "إن بنية المعونة العالمية لم تستوعب بعد واقع مرض مقاومة مضادات الميكروبات في الصراع".
منظمة أطباء بلا حدود غير معتادة على الإلتفات إلى الجراثيم كغيرها من منظمات الإغاثة، لكن هذا الاهتمام تولد من الضرورة.
إن البروتوكولات العادية التي قد تستخدمها الوكالة في أفريقيا وتحديداً جنوب الصحراء الكبرى لا تعمل في اليمن وغيرها من بلدان الشرق الأوسط التي مزقتها الحروب بسبب الانتشار المرتفع لمرض مقاومة مضادات الميكروبات. وقالت الدكتورة نيري"لقد رأينا أن مرضانا لا يتحسنون بالمضادات الحيوية المعتادة".
وقالت إلدن إن مزيج مقاومة الأدوية مع الحروب يعود إلى حقبة ما قبل المضادات الحيوية عندما كانت فلورنس نايتنغيل تناضل من أجل الحد من الإصابات القاتلة خلال حرب القرم.
بعد أكثر من ألف يوم من الحرب في اليمن، فإن صحة السكان أصبحت متدهورة، فوفقاً للأمم المتحدة، قد مات أكثر من 10 آلاف مدني حتى الآن من القتال، وتم الإبلاغ عن 52,000 جريح. هذه ليست سوى تقارير رسمية، وقد حذر المتحدث باسم المنظمة أن الأرقام الفعلية من الضحايا تقدر بأنها أعلى من ذلك بكثير.
وتعاني البلاد من تفشي الكوليرا الأسرع نمواً على الإطلاق، حيث تأثر الآن أكثر من مليون شخص، ربعهم من الأطفال الصغار. وقد ظهر الخناق المسمى بالدفتيريا الآن في البلاد. لقد أصبح اليمن أزمة الجوع الأكبر في العالم. ما يقرب من 18 مليون شخص ليس لديهم ما يكفي من الطعام، مما يثير المخاوف من مجاعة وشيكة. إن الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
تضررت الخدمات الصحية في البلاد وأنظمة المياه والصرف الصحي بشدة بسبب الحرب، ولم تعد تعمل في كثير من الحالات. ووفقاً لليونسيف، لقد ولد ثلاثة ملايين طفل في البلد في غضون ثلاث سنوات تقريبا منذ بدء الحرب، حيث كان 30 في المئة يعانون من نقص الوزن. توفي 25,000 طفل عند الولادة أو خلال الشهر الأول من العمر.
كانت بلدان الشرق الأوسط مثل اليمن وسوريا تستهلك كميات كبيرة من المضادات الحيوية قبل اندلاع الصراع، وكانت سوريا منتجًا رئيسيًا لنفسها وتعمل على تصديره أيضاً. وكان الإفراط في الاستهلاك نتيجة لضعف الرقابة على استخدام المضادات الحيوية، والتي أصبحت أسوأ مع بداية الأزمة قبل سبع سنوات. وتقول إلدن "منذ ذلك الحين، تم تدمير قدر كبير من قدرات المختبرات التشخيصية في البلد، وتفاقمت بسبب سوء الصرف الصحي ونوعية مياه الشرب. في الوقت نفسه، كان الناس لا يزالون يملكون للوصول إلى العقاقير القوية بسهولة".
وجدت دراسة أجريت في عام 2014 انتشار استخدام المضادات الحيوية بدون وصفة طبية بنسبة 48 في المئة في المملكة العربية السعودية و 78 في المئة في اليمن، وتم تزويد معظم المضادات الحيوية من الصيدليات.
كارولين سيغين، نائبة المدير التنفيذي للشرق الأوسط في منظمة أطباء بلا حدود في فرنسا، تعتقد أن المعدلات العالية للمقاومة للعقاقير تعود إلى العدد الهائل من الجرحى إلى جانب الافتقار إلى النظافة في المستشفيات، والتلوث المتبادل بين المرضى المصابين، و"الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية".
وتقول إلدن المشكلة الأكبر هي الافتقار إلى المراقبة وإجراءات مكافحة العدوى كجزء من الاستجابة الإنسانية، التي نحتاج إليها في العديد من الصراعات المتزامنة طويلة الأمد. وتضيف"حيث نحتاج إلى المعلومات، لا نحصل عليها".
في الأزمات الإنسانية مثل اليمن وسوريا، من الصعب الحصول على بيانات حقيقية.
إن خبرة منظمة أطباء بلا حدود هي في الغالب عملية رصد تستند إلى دراسات محدودة، على الرغم من أنها تحاول تنظيم تحليلات أكثر شمولاً. في اليمن، مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات سيئة للغاية لدرجة أن منظمة أطباء بلا حدود أنشأت أول مختبر ميكروبيولوجي في البلاد في عدن.
وقد أفادت وكالات الإغاثة الأخرى مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهيئة الطبية الدولية، بأنهم مشغولون للغاية في العمل على الإغاثة الإنسانية لتعقب هذه المشكلة.
مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات يمكن أن تقوض الطب الحديث. لقد بدأت إصابات المرض تُشبه بحسابات كتب التاريخ، عندما لم تكن حصيلة الأموات من ساحات المعركة، بل الأثر الطويل الأمد للأمراض الناتجة عن الحروب والتي كافح الأطباء لعلاجها.
وتقول الدكتورة نيري "بالإضافة إلى خطر العدوى من جرحى الحرب، فإن انهيار النظام الصحي ترك الأطفال عرضة للخطر بشكل خاص. قبل الحرب، كان لدى اليمن نظام صحي فعال بمستوى مقبول من التطعيم. الآن، أكثر من 80 في المئة من الأطفال الصغار لا يتم تطعيمهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للعدوى.. هذا واقع جديد لليمن. إنها حقيقة محزنة".
*نشرت المادة في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ويمكن العودة لها على الرابط هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست.