[ تعرضت الطفولة في اليمن للعديد من المخاطر ]
في عيادة التغذية المزدحمة في مستشفى السلخانة بالحديدة، تنتظر حوالي 30 أم بقلق وصبر ليتم وزن أطفالهن وقياسهم بنيتهم.
عائشة، الطفلة البالغة من العمر سبعة أشهر ، هي أحد الحالات، بالنظر إليها أول يمكن أن تلاحظه هو ساقيها الضعيفتين وبطنها المنتفخة. تزن الطفلة 3.5 كجم فقط، وهو متوسط ??وزن المولود الجديد في المملكة المتحدة. عندما يقيس الطبيب محيط ذراعها يمر الشريط في المنطقة الحمراء، مما يشير إلى سوء التغذية الحاد والخطير.
هذه ليست أول معاناة لعائشة مع الجوع. فقبل شهرين، أمضت خمسة أيام في مركز الطوارئ في المستشفى والخاص بالأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد، وتم إنقاذ حياتها. وعادت الآن، مع شقيقتيها اللتان تبلغان من العمر سنتين وثلاث سنوات، إلى برنامج التغذية الطارئة التابع لمنظمة إنقاذ الطفولة "save the children". وتقول أمها أمينة:"لا أملك المال لإطعامهم أو شراء الأدوية...ماذا يمكنني أن أفعل؟".
احيانا الحرب في اليمن تقتل بشكل واضح جدا، حيث فقد أكثر من 5000 طفل حياتهم وأصيبوا منذ عام 2015. وكان البعض منهم ضحايا القنابل التي ضربت على المدارس والمنازل والأماكن العامة، والتي تم تصنيع بعضها في المملكة المتحدة. وقد تم القبض على آخرين في تبادل إطلاق النار العشوائي في الخطوط الأمامية للحرب في اليمن. وتلك الحرب تدور بين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ضد جماعات مدعومة من تحالف الدول الذي تقوده السعودية.
ليس فقط القنابل والرصاص وقذائف المدفعية التي تهدد أطفال اليمن، فهذا الصراع يقتل أيضا بطريقة صامتة. يستخدم التحالف الذي تقوده السعودية طريقة الخنق الاقتصادي كسلاح في الحرب، ويستهدف بذلك الوظائف والبنية التحتية وأسواق الغذاء وتوفير الخدمات الأساسية. لا يوجد أحد لحساب جثث الضحايا. ولكن بالنسبة لكل طفل مدفون تحت أنقاض مبنى ضربه "صاروخ ذكي"، هناك العشرات من الأطفال مثل عائشة، مهددين بالموت بسبب الجوع الذي صاحب التذمير الاقتصادي.
ووصفت الأمم المتحدة اليمن بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في العالم". حيث يحتاج ما يقرب من ثلثي السكان إلى دعم سريع. فالنظام الغذائي ينهار ويدفع ذلك البلاد إلى حافة المجاعة. أكثر من 400,000 طفل معرضون لخطر الموت بسبب المجاعة. على عكس عائشة، فإن معظمهم لم يتمكنوا من زيارة عيادة صحية وتلقي العلاج. سوف يتأثر العديد من الذين بقوا على قيد الحياة من التقزم وضعف المناعة وتدهور الصحة لبقية حياتهم.
الإنهيار الإقتصادي كان العامل المحفز للأزمة الاقتصادية. وقد استهدفت الحرب البنية التحتية الاقتصادية والخدمات الأساسية بشكل منهجي. كما استهدفت غارات التحالف المستودعات والمصانع والبنية التحتية للنقل. التدهور الإقتصادي حصر ملايين اليمنيين في دوامة شرسة من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والبطالة وانخفاض الأجور.
الطريق من صنعاء إلى ميناء الحديدة والذي يعتبر أحد الشرايين الرئيسية في اليمن، يعاني آثار الحرب الاقتصادية. في رحلة الأسبوع الماضي، أحصيت ثلاثة جسور دمرتها الغارات الجوية السعودية. الميناء نفسه هو مدينة أشباح. لقد دمرت القنابل السعودية الرافعات الخمسة التي كانت تقوم في السابق بتفريغ السفن التي تحمل 80? من واردات اليمن، بالإضافة إلى صوامع تخزين الحبوب. أكثر من 20,000 شخص فقدوا وظائفهم. واحد منهم هو والد عائشة، وهذا هو السبب في أن عائلته التي لديها خمسة أطفال تعيش الآن على أقل من 3 دولارات في اليوم.
وقد تفاقم الإنهيار الاقتصادي بانهيار النظام المصرفي. ففي عام 2016، نقلت السلطات السعودية البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن الجنوبية، التي يسيطر عليها حلفاؤهم. وقد أدى هذا التحرك إلى سحب التمويل العام في المحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرة الحوثي، مما ترك أكثر من 1.5 مليون من العاملين الصحيين والمدرسين وعمال المياه والصرف الصحي بدون أجر. والمدارس والمستشفيات والخدمات الأساسية الأخرى بدون ميزانيات.
يمكنك رؤية النتائج في المستشفى العام في عمران. هذا هو مستشفى الرئيسي الذي يخدم أكثر من مليون شخص. ليس لديه مضادات حيوية، ولا تخدير، ولا أدوية لعلاج حالات الولادة القيصرية. وتغطي المستشفى تكاليفها من خلال أموال المرضى الذين يضطرون إلى شراء عقاقير خاصة بهم من مزودي خدمات خاصة. حاول تخيل أقرب مستشفى تعليمي في المملكة المتحدة من دون الأدوية التي يمكنك وصفها من قبل أي طبيب عام.
صحيح أن التحالف الذي تقوده السعودية يسمح بدخول كمية صغيرة من الطعام والوقود والأدوية إلى شمال اليمن عبر الحديدة. لكن هذا ليس أكثر من بادرة إنسانية تهدف إلى الحفاظ على تقاعس الحلفاء الغربيين. إنه خنق اقتصادي وحرب تقود البلاد نحو مجاعة يصنعها الإنسان. العديد من الأطفال اليمنيين يموتون كل يوم من نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة أكثر من القتال.
لقد استجاب المجتمع الدولي لأزمة اليمن من خلال التعهد بتقديم المعونة الإنسانية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، التزم المانحون بمبلغ ملياري دولار من مبلغ الثلاثة مليارات دولار الذي طلبته الأمم المتحدة لعام 2018. ومن المفارقات أن دول التحالف بقيادة السعودية كانت أكبر المساهمين، حيث دفعت فعليًا ثمن "الضماضات الإنسانية" وهي التي تسببت في "نزيف اقتصادي".
المساعدات الإنسانية حيوية لكنها ليست كافية. يمكن بل ينبغي على البلدان الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة أن تفعل الكثير للتوسط في اتفاق سلام. كما يجب أن يحملوا المملكة العربية السعودية وأعضاء التحالف الآخرين مسؤولية جرائم الحرب والانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني. إن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى لندن مع بيع 48 طائرة مقاتلة متقدمة يرسل إشارات خاطئة، ويقترب بشكل خطير من التواطؤ في هذه الحرب.
اليمن بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي لاستراتيجية مكافحة المجاعة. ويجب أن تتجاوز تلك الاستراتيجية تقديم الإمدادات الطارئة لتشمل استعادة أسواق المواد الغذائية، وإعادة بناء البنية التحتية وتمويل رواتب الموظفين العاملين. يمكن أن يلعب البنك الدولي دوراً حاسماً في هذه المجالات. ومع انتشار أوبئة الكوليرا والدفتيريا في المستقبل، يحتاج المانحون أيضاً إلى زيادة الاستثمارات في المياه النظيفة والصحة.
لا شيء من هذا سيعمل بدون نهاية للخنق الاقتصادي الذي كاد يقتل عائشة، ويقتل العديد من الأطفال مثلها. أطفال اليمن لم يسببوا هذه الحرب لكنهم يموتون بسبب فشلنا في حمايتهم.
*كتب المقال كيفن واتكينز هو الرئيس التنفيذي لمنظمة أنقذوا الطفولة فرع المملكة المتحدة..... "Save the Children UK" ونشر في صحيفة الجارديان.
*يمكن العودة للمادة الأصل على الرابط هنا هنا.
*ترجمة خاصة بالموقع بوست