[ أطفال من عائلة فقيرة يعيشون بالقرب من مخلفات القمامة في الحديدة في أكتوبر / تشرين الأول 2016 (أف ب) ]
دفعت الحرب الدائرة في البلد وتردي الأوضاع الاقتصادية كثير من اليمنيين إلى الهجرة، إما لإنقاذ أنفسهم أو بحثاً عن حياة أفضل.
وسلط موقع "ميدل ايست آي" عبر تقرير له الضوء على أولئك الهاربون من جحيم الحرب، الذين تقطعت بهم السبل نتيجة رفض جيرانهم بمن فيهم المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إضافة إلى بلدان أخرى استقبالهم، ليلجؤوا بعدها إلى التهريب بكل ما يشمله من مخاطر على حياتهم.
يقول التقرير الذي ترجمه "الموقع بوست" "عندما تصيب الحرب والكوارث الاقتصادية بلدا ما، كثيرا ما يهرب السكان إما لإنقاذ أنفسهم أو بحثا عن حياة أفضل، الملايين من السوريين، على سبيل المثال، وصلوا إلى تركيا والأردن ولبنان ومناطق أخرى منذ إندلاع الحرب في عام 2011.
وليس كما حدث في اليمن، التي رفض جيرانها، بما فيهم المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وبلدان أخرى، قبول الغالبية العظمى من نازحيهم من خلال القنوات الرسمية، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تدفق أعداد هائلة إلى تلك البلدان، وترك الآلاف من اليمنيين الذين تقطعت بهم السبل، أو لجؤوا بسبب تلك الصعوبات إلى مهربين.
قرر وديع الأديمي -28 عاما-، وهو خريج عاطل عن العمل من جامعة تعز، أن يكون أفضل خيار له هو الذهاب والعيش مع أخيه الذي يقيم في المملكة العربية السعودية منذ سبع سنوات، لكن صعوبة الحصول على تأشيرة عمل واستحالة دخول المملكة -التي تقود تحالفا على الحوثيون في اليمن منذ عام 2015– حال دون ذلك.
وذهب الأديمي إلى المهربين بعد أن أرسل له شقيقه 2000 دولار لتغطية الرسوم والتكاليف الخاصة برحلته إلى السعودية.
يقول الأديمي: "سافرت إلى محافظة شبوة، وأوصاني صديق لي بأحد المهربين الذي يأخذ الناس من شبوة إلى جدة في المملكة العربية السعودية، وسافرت مع 11 شخصا آخرين في السيارة نفسها، مضيفا أن المهرب، أخذهم على طول الطرق الجبلية الوعرة، ثم توقفوا وطلبوا من الركاب السير لمسافة خمسة كيلومترات فقط في أرض غير مرنة للمركبات، ثم التقى بهم على الجانب الآخر من الحدود، بعيدا عن مرأى نقاط التفتيش.
ويتابع: بعض زبائن المهربين أقل حظا فقد يضيعون في الجبال أو يكتشفون من قبل الدوريات السعودية، الذين يطلقون النار عليهم إذا حاولوا الفرار، ويأتي المهرب من منطقة في الحدود بين اليمن والسعودية، وهو خبير في التهريب، حتى يتمكن من إنقاذنا وعدم رؤيتنا من قبل من حرس الحدود.
وفي النهاية التقى الأديمي شقيقه في جدة، وتم أخذه إلى دائرة الهجرة والجوازات، وحصل على تأشيرة زائر بمجرد أن أوضح شقيقة أنه هرب من الحرب في اليمن وأنه سيدعمه، في حين يتم ترحيل العديد من اليمنيين الذين ليس لديهم مثل هذه الضمانات عبر الحدود إذا اكتشفتهم السلطات.
يقول الأديمي: "يعد التهريب أمرا خطيرا، وقد تعرضنا لمخاطر كثيرة لنتمكن من الوصول إلى المملكة العربية السعودية"، مضيفا: "لكن السعوديين يقدروننا ولم يزعجونا عندما وصلنا".
قوارب الماشية إلى جيبوتي
وتعد اليمن من أفقر البلدان في العالم، حيث احتلت المرتبة 160 من أصل 188 مقيدا في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
ومنذ اندلاع النزاع في اليمن في آذار / مارس 2015، فر اليمنيون والصوماليون وغيرهم إلى القرن الأفريقي، بما في ذلك جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان، فضلا عن المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
وقالت المفوضية العليا للاجئين في تشرين الأول / أكتوبر 2017 إن 190352 شخصا قد وصلوا من اليمن إلى البلدان المجاورة، أغلبهم في ظروف بائسة، وتشير التقديرات إلى أن مليوني شخص قد تم إخراجهم من ديارهم وهم مشردون داخليا أو خارجيا، وبحسب المفوضية فإن ما يقدر بنحو مليون شخص حاولوا العودة إلى ديارهم، على الرغم من أنها ليست آمنة.
ما حدث لوديع الأديمي كان بسيطا إلى حد ما، كونه شاب أعزب لا يعيل أحدا، واستطاع الحصول على المال وشخصا يعينه في وجهته، من الصعب ترك اليمن مع عائلتك إلا إذا كنت مسؤولا أو غنيا جدا ويمكنك السفر عبر المطارات.
عمل عاطف جلال، 30 عاما، وهو أب لطفلين، في التسويق حتى اندلعت الحرب وفقد وظيفته وقال: "عندما فقدت كل الأمل في العثور على عمل، فكرت في الهجرة"، وفي مطلع عام 2017 اتصلت بالأصدقاء في جيبوتي للبحث عن عمل ووعدوني بالعمل المناسب.
حتى مارس 2017 سحب جلال النقود التي كان قد أدخرها في البنك خلال وقت السلم، وودع عائلته وغادر تعز إلى عدن.
يقول جلال "من عدن ذهبت بسفينة الماشية إلى جيبوتي ثم أخذني أحد أصدقائي إلى عملي الجديد في متجر في جيبوتي".
من الناحية المالية، أصبح جلال أفضل حالا مما كان عليه في موطنه، رغم أنه غير قادر على دفع أقاربه للسفر والإنضمام إليه، وبدلا عن ذلك يقوم بإرسال تحويلات مالية لدفع ثمن طعامهم. يقول: "عملي الجديد على ما يرام"، "التقيت العديد من اليمنيين في جيبوتي الذين فروا من الحرب خلال السنوات الثلاث الماضية، وهناك أولئك الذين يريدون مغادرة اليمن ولكنهم لا يستطيعون ذلك.
معظم اليمنيين فقراء، وفقا لمعايير دول أخرى في المنطقة بالتأكيد، ويوجد ما يقدر ب 20.7 مليون نسمة من السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة بحاجة إلى نوع من الدعم الإنساني أو الحماية، سبعة ملايين شخص لا يعرفون من أين يأتون بوجباتهم القادمة ومعرضون لخطر المجاعة، وفقا للهيئة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة أوتشا.
وبالكاد يكفي ذلك المال لمساعدة أسرهم على البقاء على قيد الحياة، لذا يعتبر دفع تكاليف السفر إلى الخارج أمر أقرب الى المستحيل.
إبراهيم العزعزي (34 سنة) هو أب لثلاثة أطفال، أحدهم معاق، ولا يستطيع أن يدفع ثمن الغذاء من الأجر الذي يحصل عليه جراء عمله في موقع للبناء أو حمال بضائع في أسواق تعز.
يأمل العزعزي أن يغادر اليمن لكن ذلك غير ممكن الحدوث، يقول: "الهجرة هي حلم جميع الشباب المحتاجين في اليمن، ولكن الأغنياء فقط هم الذين يستطيعون تحقيقه، وفي الوقت نفسه نحن بالكاد نملك ما يكفي من المال لشراء الطعام ولا سبيل إلى مغادرة اليمن.
الفقر يجبرنا على العيش في ظل الحرب والأزمة الاقتصادية التي جعلت الناس يفكرون فقط في الغذاء ولا شيء غيرة، يضيف العزعزي.
ويقول العزعزي إنه كان يبحث عن وسيلة للمغادرة، ولكن الرحلة قد تكلفة حوالي 1000 دولار للشخص الواحد، ناهيك عن عدم امتلاكه للمال.
ويتابع "إذا كان لدي 1000 دولار، فإنني سأفتح مشروعا صغيرا في اليمن، ومن ثم لن تكون هناك حاجة للتهريب والمخاطرة على الحدود"، مضيفا "أن 1000 دولار في حد ذاته حلم".
من أعدوا أنفسهم للبقاء
ليس كل الشباب يريدون مغادرة البلاد، فمنهم من لدية وظيفة ويميل إلى البقاء على الرغم من الحرب.
يعمل أكرم ياسين، 39 عاما، موزعا لمستحضرات التجميل في صنعاء، يقول إنه سعيد بعمله، ولا يفكر في الهجرة، على الرغم من اعترافه، بأنه إذا لم يكن لدية وظيفة، فإنه قد يفكر في مغادرة اليمن.
ويقول إن الأزمة الاقتصادية أكثر خطورة من الحرب، حيث إن الإنكماش الشديد قد أثر على الجميع في حين أن الصراع يستهدف عادة الناس في مناطق محددة، يضيف: "يمكننا أن نعيش تحت الحرب، ولكن الناس المحتاجين لا يستطيعون العيش وسط أزمة اقتصادية، وهذا هو سبب رغبتهم في مغادرة اليمن".
وقال فضل الذبحاني، وهو خبير إجتماعي وأستاذ في علم الاجتماع بجامعة تعز، إن الوضع في اليمن ليس كما هو الحال في سوريا أو في بلدان أخرى، حيث رحبت تلك الدول رسميا بأولئك الزائرين.
وأضاف "إذا فتحت السعودية حدودها أمام اليمنيين، فإننا سنرى ملايين اليمنيين يغادرون ويتوجهون نحو السعودية وهذا سيؤثر سلبا على السعودية، ومن الطبيعي أن تفتح الدول المجاورة أبوابها لأشخاص معينين".
ومن بين أولئك "المعينين" الرئيس اليمني المنفى عبد ربه منصور هادي، والعديد من المسؤولين والصحفيين والقادة العسكريين الذين يتخذون من السعودية مقرا لهم منذ اندلاع الحرب.
في سوريا، يمكن للأسر المحتاجة والغنية مغادرة بلدها، ولكن في اليمن فقط الأغنياء يمكنهم المغادرة، في حين أن الفقراء يجب أن يعيشوا في خضم الحرب، فهم الضحايا الرئيسيون للحرب.
وقال الأديمي إنه ممتن للسلطات السعودية لعدم طرد اليمنيين الذين يحملون جوازات سفر وشخصا يكفلهم، ويأمل أن يتمكن أولئك الذين يأسوا من المغادرة من القيام بذلك، "الحياة في اليمن تعني تدمير المستقبل"، "أنصح أي شخص شاب ويائس بالعمل الجاد لمغادرة اليمن وبناء مستقبلهم".
ويضيف: "بالنسبة للكثير من العالقين، فإن تلك أمنية مستحيلة".
*نشرت المادة في موقع " middle east eye" ويمكن العودة لها على الرابط هنا.
* ترجمة خاصة بـ"الموقع بوست".