انتشرت أشرطة فيديو تظهر مقاتلين مسلحين يحملون جثة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وهو الحدث الذي صدم المنطقة، وأكد المؤتمر الشعبي العام أن صالح والأمين العام قتلا في هجوم للحوثيين على أحد مجمعاته.
إن هذا التحول في الأحداث يحمل آثارا هائلة على مستقبل اليمن وعلى مسار الصراع الدائر الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص وأدى إلى ما أسمته الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ترك صالح إرثاً معقداً، وبصفته الرئيس الوحيد الذي حكم اليمن الموحد، كان أسلوبه في الحكم غالباً ما يتميز بالفساد وسوء الإدارة.
ويقال إنه جمع مليارات الدولارات في حين أنه قدم منافسيه السياسيين ضد بعضهم البعض، وقد أشرف على الحرب ضد الحوثيين، وحارب تمرد استمرت من عام 2004 حتى ثورة اليمن في عام 2011.
خلال انتفاضات الربيع العربي، نجح المتظاهرون الشباب اليمنيون في الإطاحة بصالح من فترة حكمه التي استمرت أكثر من 30 عاما، وقد توصل مجلس التعاون الخليجي إلى اتفاق معتدل يرأسه نائب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي كرئيس إنتقالي جديد لليمن في عام 2012.
وأشرف هادي على مؤتمر الحوار الوطني الذي كان من المفترض أن يقود البلاد إلى مستقبل تقدمي، إلا أن اندفاع هادي لاستكمال عملية الحوار ضد المصالح اليمنية الجنوبية والحوثية أتاح لصالح الفرصة لإحياء سياسي.
قرر صالح موالاة المتمردين الحوثيين في سبتمبر 2014، وشرع في دفع حكومة هادي من العاصمة صنعاء إلى عدن.
في عام 2015، بدأت المملكة العربية السعودية قيادة التدخل العسكري الدولي، ظاهريا لإعادة هادي كحاكم شرعي، ولكن معظم المحللين رأوا كوسيلة لمواجهة النفوذ الإيراني من خلال منع الحوثيين من السيطرة على البلاد.
استخدم صالح تحالفه كرقاقة مساومة لاستعادة تأثير كبير على صانعي القوة في الصراع اليمني، المحلي والدولي على حد سواء، ولكن الشقوق في التحالف ظهرت بشكل متقطع، ومع ذلك، تمسك التحالف حتى قرر صالح بدء تحركه.
في إعلان في 2 ديسمبر / كانون الأول، انفجر صالح ضد الحوثيين فجأة، وتحول نحو التحالف العربي بقيادة السعودية، ودعا إلى إجراء مفاوضات سياسية بين الأطراف المتحاربة، ومن سخرية استراتيجيته للبقاء السياسي، قبل أيام فقط تحدث عن زيادة توريط إيران في الصراع.
وأكد هذا الإعلان عدم ثقة الحوثيين في صالح وأثار اشتباكات في المناطق الحضرية في صنعاء توجت بالهجوم الذي أدى إلى مقتل منافس رئيسي في المشهد السياسي والعسكري في اليمن، مما أنهى حقبة محددة في تاريخ اليمن، ورمي البلاد إلى مزيد من عدم اليقين.
قد يكون صالح قد نجح بالفعل في عودة سياسية، ولكن سوء تقدير طفيف وضعه في المكان الخطأ في ذلك الوقت الخطأ.
وفاة صالح يترك العديد من الأسئلة دون إجابة وتدخل أسئلة جديدة، إن التأثير المباشر لوفاته يطرح سؤالا حول كيفية إدارة اليمنيين لما ينتج عن ذلك من فراغ في السلطة.
وفي حين يبدو من البديهي أن نتساءل عن فراغ تركه زعيم سبق إطاحته، فإنه يتكلم عن باحة صالح السياسية وهذه النقطة لا تزال ذات صلة كبيرة في الصراع في البلاد، وسوف يكون أقرب المتأثرين بذلك هم المؤتمر الشعبي العام.
في إطار المؤتمر الشعبي العام، بدأ صالح بالفعل استمالة ابنه أحمد صالح لتحمل درجة معينة من السيطرة السياسية، وكان صالح ومؤيديه يدفعون ترشيح ابنه للرئاسة المستقبلية لليمن منذ الحرب الأهلية الحالية.
وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أن الإمارات العربية المتحدة قد أيدت بالفعل أحمد صالح وريث والده وخلفه، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المؤتمر الشعبي العام سيقبل له قيادة الحزب نظرا لتقلب شبكة صالح السياسية في أعقاب وفاته.
كما أن ولاء قواته يثير التساؤلات حيث من المحتمل أن يتنافس القادة على السيطرة، وربما يختار البعض الحفاظ على التحالف الحوثي بدلاً من محاربته، وسوف يستغرق بعض الوقت لإزالة الغبار.
وقد أشاد الحوثيون أنفسهم بموت صالح، حيث أدان زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي ازدواجيته في الإذاعة والتلفزيون اليمنيين، ومع ذلك، ما زال من غير الواضح ما إذا كانوا سيوافقون على العمل مع الوحدات الموالية لصالح.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن المسائل المتعلقة بمسار الحرب والتدخل العسكري لدول الخليج تأتي في موضع التركيز، لو نجح صالح في التنسيق العسكري والدبلوماسي مع التحالف الذي تقوده السعودية، كان سيوفر للمملكة العربية السعودية والإمارات خروجاً سلساً نسبياً من الصراع.
في أعقاب وفاته، وإيجاد حل دون رجل في الداخل سوف تصبح أكثر صعوبة، وقد أظهر الحوثيون أنهم سيقاتلون إلى آخر رمق في هذه الحرب.
فبدون صالح لقمع تمرد داخلي ضد الحوثيين، فإن القادة اليمنيين المدعومين من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة غير متاحين، إن وجدوا على الإطلاق، علي الأحمر، وزير الدفاع السابق (يقصد علي محسن الاحمر ولم يكن وزير دفاع) في حكومة صالح، سيكون الخيار الأكثر وضوحاً، ولكن علاقته مع الإسلاميين يجعل دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص ترفضه، ناهيك عن الولايات المتحدة.
الأمر الذي يوجهنا إلى السؤال عن كيفية استجابة إدارة ترامب لهذا المصدر الأخير لعدم الإستقرار، وبالنظر إلى سياسة "أمريكا أولا"، من غير المحتمل أن تغير الولايات المتحدة مسارها؛ فإن اهتمامها سيبقى هزيمة الإرهاب في اليمن عسكريا دون معالجة أي من الأسباب الكامنة وراءه.
أما النظرة الأكثر سخرية فسترى أن إدارة ترامب تركز فقط على المكاسب الاقتصادية الأمريكية، حيث أن عدم الاستقرار المتجدد قد يحافظ على خوض الخليج في نزاع لا ينتهي ويبقيهم يتسوقون للأسلحة الأمريكية.
ولجعل الرؤية أقل سخرية ترى أن الإدارة الأمريكية تساعد السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتقدم المساعدة الدبلوماسية التي قد تطلبها.
ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تثني العضلات الدبلوماسية في العام الماضي، ومع الشائعات بأن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قد يكون قريبا من الإقالة من منصبه، من المرجح أن تركز الإدارة على استبدال تيلرسون والحصول على وزارة الخارجية في الخدمة.
ولعل موت صالح يفتح الباب لتسوية سياسية تجعل اليمنيين يواصلوا مفاوضات السلام وينهوا الأزمة التي يعيشونها، لكن الواقع المؤسف يشير إلى أن احتمال حدوث هذا الشيء قد يستغرق سنوات أخرى من الانتظار.
*نشرت المادة في موقع مجلة نيوزويك الامريكية، ويمكن الرجوع لها على الرابط
هنا
*الترجمة خاصة بالموقع بوست.