[ تطرق التقرير للدور السعودي في اليمن منذ سبعينات القرن الماضي ]
نشرت مجلة (The National Interest) الأمريكية تقريرا عن الوضع في اليمن، وكيف تعمل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تغذية الصراع والاستفادة منه، عبر بيع السلاح لدول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
وفي التقرير استعرضت المجلة التي نشرت المادة في موقعها على الإنترنت جذور الصراع في اليمن، وأبرز المحطات التاريخية التي قادت إلى الوضع الراهن منذ الثمانينات من القرن الماضي.
يقدم التقرير قراءة لأبرز الجماعات الإسلامية المتصارعة، وكيف استفادت من الاختلافات القائمة، وسياسة صالح التي لعبت على التناقضات بين تلك الجماعات، والتي استفاد منها تأكيدا لقوله بأن حكم اليمن كالوقوف على رؤوس الثعابين.
"الموقع بوست" نقل ما كتبته المجلة المتخصصة بالشؤون الأمريكية إلى العربية ونعيد نشره هنا، مع التحفظ على كثير مما أوردته المجلة:
إن الجذور الحقيقية للصراع الحالي في اليمن ترتبط ارتباطا أساسيا بالدعوة السلفية في السعودية، وهو شكل متجدد من الإسلام، داخل اليمن.
وقد أدت هذه الدعوة إلى تمرد الشيعة الزيديين وتحولهم إلى جماعة الحوثي، وقد تم التحريض على هذه الانتفاضة جزئياً من قبل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وتسبب تحالف الحوثيين الحالي غير العادي مع صالح، وسيطرتهم على اليمن في اضطراب جيوسياسي كبير في البلاد.
إن الولايات المتحدة والمنظمات الدولية يمكنها أن تفعل المزيد لتحسين الظروف الراهنة في اليمن، ولكن دعونا لا نخدع أنفسنا، طالما أن الرئيس دونالد ترامب يبقى رئيس الحكومة الأمريكية والجمهوريين يسيطرون على الكونغرس، فإن الولايات المتحدة ستظل غير مبالية بالنزاع في اليمن.
السنة في اليمن
منذ سقوط حكم الإمامة في عام 1970، واصلت السعودية حملة دعوة كبيرة للحفاظ على بعض النفوذ في الحكومة اليمنية، لكن حملتها السلفية الأكثر عدوانية بدأت في أواخر السبعينيات، وفي عام 1979، أسس طالب من الجامعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، وهو الشيخ مقبل بن هادي الوادي، دار الحديث في قرية تدعى دماج في قلب محافظة صعدة، معقل الشيعة الزيدي المعروفين بالحوثيين.
واستهدف المركز الزيديين بتحويلهم إلى السنة، بينما في أجزاء أخرى من البلاد، يحظى المناصرون السلفيون بدعم مالي من الحكومة السعودية، وفي عام 1984، توسع المركز وفتح فرعا في مدينة تسمى معبر، وهي قرية زيدية سائدة، تقع في محافظة ذمار، على بعد حوالي 70 كيلومتراً جنوب صنعاء، وكان الشيخ محمد الإمام، وهو طالب لدى الشيخ مقبل من يترأس ذلك المركز.
الحملة السلفية التي قامت بها هذه المراكز السلفية قد أخافت أتباع الزيدية من للسكان اليمنيين، وتتباهى هذه المراكز علنا عن عدد الشيعة الذين قاموا بتحويلها.
في أواخر التسعينات، مع تكثيف الحملة السلفية السعودية في اليمن، تجاهل نظام صالح أنشطتهم، على سبيل المثال، الحادث الذي قام فيه طلاب مركز دماج بتخريب مساجد الزيديين، ومقابر ضريح للقادة الدينيين الزيديين المشهورين، ظلت الحكومة غير مهتمة بهذه الأنشطة، لأن السلفيين يتخذون موقفا سلبياً تجاه حكام البلاد مادام هؤلاء القادة يحتضنون الدين الإسلامي، وفي الوقت نفسه، كانت الحركة السلفية في منافسة مع حزب الإصلاح الإسلامي الأكثر وعياً سياسياً، وهو أكبر حزب معارض في اليمن، استهدف كل من الإصلاح والسلفيين الشباب الناشئين في اليمن، واختلف الطرفان فقط في أن حزب الإصلاح الإسلامي كان أكثر نشاطاً سياسياً في الشارع الرئيسي في اليمن، وبالنسبة لصالح كانت الحركة السلفية موازنة سياسية ضد الإصلاح.
واستجابة لحملة واسعة النطاق من هذه المراكز، أسس حسين بدر الدين الحوثي، الأخ الأكبر لعبد الملك الحوثي، الزعيم الحالي لمجموعة الحوثي، نادي الشباب المؤمن في التسعينيات، والتي بدأت كحركة سلمية "تهدف إلى توفير التعليم لشباب صعدة مع إحياء تأثير الزيدية، وهو فرع شيعي مستوطن في اليمن، والذي كان في تراجع منذ الإطاحة بالإمامة".
أصبحت الحركة حرجة جدا حول السعودية، فتحوا مراكز زيدية في شمال اليمن، ونشروا النصوص القديمة من الزيديين القدماء وجعلوها في متناول الجمهور، ثم طالبوا بمزيد من الاعتراف والاهتمام من قبل الحكومة اليمنية، كما يتضح من أول مظاهرة المجموعة الحوثية في التسعينات، والتي جاءت رداً على موجة السلفية في الشمال، ومع تزايد قوة الحوثيين وتأثيرهم، استغل صالح الحركة الحوثية ضد المملكة العربية السعودية المجاورة، ووصفها كاذبة بأنها تدخل إيراني لتخويف السعوديين.
الرقص على رؤوس الأفاعي
في عام 2004، قتل حسين بدر الدين في صراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية، في حرب أصبحت واحدة من أكثر الحروب دموية بين الجيش اليمني ومجموعة الحوثي، جيش صالح تمكن من إلحاق هزيمة مذهلة بالحوثيين، وبعد أن قتل الجيش عدداً كبيراً من الحوثيين، حُصر الحوثيين الباقين في نهر فلاح في صعدة، وكان الجيش اليمني على وشك سحقهم مرة واحدة وإلى الأبد حتى جاء أمر من صنعاء: "انسحبوا فوراً".
انسحب الجيش اليمني بطريقة محيرة، ثم بعد سنوات قليلة، جدد الحوثيون أنفسهم وبدؤوا في الانخراط في مناوشات متقطعة مع الجيش اليمني مرة أخرى، ولكن هذه المرة في المنطقة الحدودية بين اليمن والمملكة العربية السعودية.
تاريخيا، استغل صالح ببراعة وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لتأمين تدريب وتمويل لمكافحة الإرهاب من الولايات المتحدة.
وقد استخدم جماعة الحوثي بطريقة مماثلة ضد السعوديين، وصارعت الحكومة اليمنية اقتصاديا لفترة طويلة، حيث استخدم صالح هذا التكتيك كوسيلة لحشد نقود إضافية من الدول الأجنبية، وزوال تلك الجماعات كان يعني له فقدان تلك الموارد، وقال صالح لمراسل واحدة من وسائل الإعلام، إن "وظيفته كانت مثل الرقص على رؤوس الثعابين".
في عام 2009، حقق صالح هدفه المتمثل في سحب السعوديين أكثر عمقا في الصراع الحوثي، وكانت المملكة العربية السعودية قد تلقت بالفعل أول إصابة في شجار مع اليمنيين في 1960م، (ربما يقصد التقرير تدخل السعودية مع الملكيين في الحرب ضد الجمهوريين عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م) ولكن على عكس ذلك، تغيرت الحكومة السعودية على الجانب الآخر منذ أربعين عاما، الآن كان يقاتل أحفاد الإمام الذين كانوا مسيطرين من قبل، عمل النظام بشكل جيد تماما لصالح، حتى وصول ضيف غير متوقع، إنها ثورة الربيع العربي اليمني عام 2011.
انتفاضة اليمن عام 2011
في نهاية عام 2010، كانت قواعد اللعبة في اليمن واضحة، كان صالح يسيطر على البلاد ويدير القبائل اليمنية برعاية سياسية.
إن حزب الإصلاح الإسلامي، رغم أنه نشط في الحياة السياسية في اليمن، لكن سيطرة حزب صالح على المناصب الحكومية القوية لم تشكل تهديداً له.
كانت جماعات الحوثيين منخرطة في حرب متعددة الأوجه، فهي تواجه الجيش اليمني من جبهة، والجيش السعودي من جبهة أخرى، فيما نفذت القاعدة في شبه الجزيرة العربية هجمات متقطعة في جنوب اليمن، وخاصة في حضرموت، ولكن هذا لم يكن مصدر قلق كبير، عمل النظام بشكل جيد تماما لصالح.
ثم جاء الربيع العربي إلى اليمن في يناير/كانون الثاني 2011، حدث أكبر تعطيل جيوسياسي في البلاد واجهه صالح من أي وقت مضى.
وكما هو الحال في تونس ومصر، كان الشباب العربي المثالي يشتعلون في الربيع العربي اليمني، وطالبوا في البداية بحل قضايا مثل البطالة والظلم الاجتماعي والفساد، ولكن هذه المطالب تصاعدت بسهولة وأصبحت حركة سياسية قوية.
انضم حزب الاصلاح الإسلامي إلى المتظاهرين، ليحضر معهم القدرة على التعبئة السياسية التي تفوق أداء الحكومة، ثم انضم صادق وحميد الأحمر، وهما ابنا الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، زعيم قبيلة حاشد التي ينتمي إليها صالح.
أرسل الحوثيون الآلاف من أنصارهم غير المسلحين من صعدة إلى صنعاء، وفي جنوب اليمن، استولى المتظاهرون، الذين كانت تهيمن عليهم مجموعات انفصالية مثل الحراك الجنوبي، على شوارع عدن بعد بضعة أشهر، كما بدأت القاعدة في شبه الجزيرة العربية احتلال أجزاء كبيرة من جنوب اليمن، وانتشرت المظاهرات في المدن الرئيسية من اليمن، مثل إب وتعز.
وفي أواخر عام 2011، أصبح إخوان الأحمر (ربما قصد الثوار والأطراف السياسية) لا يتحملون تواجد صالح في السلطة، وتكثفت خلافاتهم في نزاع مسلح، جزء كبير من قبيلة حاشد انحازوا إلى الأحرار و جلبوا نظام صالح إلى ركبتيه، وفي الوقت نفسه، نما الحوثيون قوة واستولوا على محافظة صعدة.
وفي أواخر عام 2013، وبعد عامين من الصراع، أمر صالح مواليه داخل الجيش اليمني بالهبوط والسماح للنهوض بميليشيا الحوثيين نحو عمران، مسقط رأس حميد وصادق الأحمر، مما أدى إلى سيطرة الحوثيين على المدينة.
و في 3 فبراير / شباط 2014، فجروا منزل عبد الله بن حسين الأحمر ثم توجهوا نحو صنعاء، عندما غزت صنعاء في أواخر شباط / فبراير 2014، فر حميد وصادق الأحمر من منزلهما في المدينة وخرجوا من اليمن، وفي تلك الفترة نفسها، فر الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي من صنعاء إلى عدن، ثم طار إلى الرياض.
عندما أدركت المملكة العربية السعودية أن اليمن قد سقطت للتو في أيدي الحوثيين، شعرت بالخيانة من قبل صالح، وبدأت في اتخاذ الأمور والقرارات، وبدأت قصفها في آذار / مارس 2015، وقد تعزز هذا التحالف غير العادي بين صالح والحوثيين من التدخل العسكري السعودي، صالح والحوثيون هم من المختلفين التاريخيين، ولولا مشاركة المملكة العربية السعودية، فإن خلافاتهم ستعود إلى الظهور.
سياسة أمريكا
وحتى الآن، تقوم منظمات حقوق الإنسان وناشطون بتوسل الحكومة الأمريكية لاتخاذ خطوات بناءة تجاه اليمن وحرمان السعودية من شراء أسلحة أمريكية الصنع، ولكن يبدو أن العم سام مشغول جداً في الاستفادة من بيع الأسلحة.
لماذا السياسة الأمريكية تجاه اليمن لن تتغير في أي وقت قريبا؟! إن إدارة ترامب، وكذلك الجمهوريون في الكونغرس، لن تغير سياستها تجاه اليمن في أي وقت قريب.
في 18 أبريل 2017، وقع ترامب على أمر "الشراء الأمريكي و استئجار الأمريكي"، وحث الشركات الأمريكية والعالم على إعطاء الأولوية لشراء المصنوعات الأمريكية واستئجار مواطنين أمريكيين.
ومن الإنجازات الرئيسية لهذه الاستراتيجية حتى الآن تقديم المملكة العربية السعودية لشراء معدات عسكرية متقدمة من الولايات المتحدة، واختتم الرئيس هذه الصفقة خلال زيارته للرياض في مايو / أيار 2017.
ولم تكتف هذه الصفقة التي بلغت قيمتها 100 مليار دولار بإنجاز سياسة ناجحة في مجال السياسة الخارجية بالنسبة لترامب، إلا أن دول الخليج الصغيرة مثل قطر والكويت تلتها واشترت الطائرات المقاتلة الأمريكية.
مع كل الدراما التي تتعامل معها إدارة ترمب، وعدم حسمه تجاه اتفاقيات التجارة الحرة الأمريكية، يصبح ترامب جاهزا للقتال من أجل قضية من شأنها أن تضر صفقة له مع السعوديين الأغنياء.
ويمكن القول بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن للحكومة الأمريكية أن توقف الحرب في اليمن هي حرمان السعوديين من شراء الأسلحة المصنعة من الولايات المتحدة، لكن القيام بذلك سيعني انتكاسة لترمب بشكل واضح للحصول على انتصارات في السياسة الخارجية.
في الكونغرس، فشل مشروع قانون لحظر السعوديين من شراء الأسلحة عدة مرات منذ بدء الحرب في مارس 2015. ما لم يقرر الجمهور الأميركي أن يتخلى عن الكونغرس في انتخابات منتصف المدة المقبلة لعام 2018 وينتخب الممثلين المتشددين وأعضاء مجلس الشيوخ فإن الحرب في اليمن ستحتفظ برخصتها بالقتل. بيد أن موافقة الجمهور على وقف الحرب ستعتمد على مدى قيمة وتغطية القضية من جانب الجمهور الأمريكي ووسائل الإعلام على حد سواء.
*للاطلاع على المادة الأصل يرجى زيارة الموقع هنا