قام أبو علي، وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني، مع 52 مقاتلاً من الحوثيين في 21 مارس/آذار من هذا العام بالهجوم على محافظة عسير الحدودية مع المملكة العربية السعودية، وكان الغرض من هذا الهجوم هو إجراء سلسلة من الهجمات الصاروخية في الصباح الباكر، حيث استخدم الحوثيون صواريخهم في الهجوم على قرية ظهران الجنوب بعد السيطرة على محطة حدودية.
وقد قام الحوثيون بعد السيطرة على مركز قيادة العلب العسكري بتفخيخ المركز وتفجيره كلياً.
وردت القوات السعودية بشكل سريع على هذا الهجوم بقصف تواجد هذه المجموعة بطائرات من طراز "إف16"، حيث قتل ضابط الحرس الثوري الإيراني مع أربعين مقاتلاً من الحوثيين وأصيب ما يقارب من 12 آخرين، وتم تدمير عرباتهم ومنصات إطلاق صواريخهم كلياً.
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني "أبو علي" معروفاً بشنه لهجمات سابقة ضد المملكة العربية السعودية والإشراف على التدريب العسكري والتشغيلي "لكتائب الحسين"، وهي قوة نخبة تابعة للمتمردين الحوثيين في شمال ووسط اليمن. وقد أدى دعم إيران لحركة التمرد الحوثية في اليمن إلى تفاقم الصراع اليمني وأثار ردود فعل غاضبة من دول الخليج خاصة من المملكة العربية السعودية.
هناك جانب من الحرب اليمنية لم يتلقى سوى تغطيه ضئيلة جداً مقارنة بتلك التغطية التي تسلط الضوء على الانتهاكات السعودية في اليمن، بحسب التقرير الذي ترجمه "الموقع بوست".
إن هذا الجانب هو الارتفاع المتزايد والحاد في عدد قتلى مقاتلي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في اليمن، حيث إن هجوم الحوثيين بقيادة ضابط الحرس الثوري الإيراني هو مثال واحد فقط على تزايد معدل قتلى الحرس الثوري وتكاليف حربه في اليمن.
واستنادا لتحليل قام به خبراء عرب وخليجيون، فإن عدد قتلى وجرحى وأسرى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في اليمن قد تجاوز 44 مستشاراً خلال عامين من الحرب الأهلية.
وبعيداً عن البيانات الغامضة، فإن إيران وحزب الله لم يعلقا علناً على عملياتهم العسكرية أو خسائرهم في اليمن، حيث يمكن فهم نتائج مغامرة إيران من خلال تحليل لإستراتيجيتها وهجماتها الصاروخية وبرامج التدريب العسكري ولوجستيات الإمداد والعمليات البحرية خلال عامين من الحرب الأهلية في اليمن.
طرق تهريب عبر الأراضي من الشواطئ والموانئ في عمان واليمن (المصدر: الأمم المتحدة)
قاعدة إيران الإستراتيجية في اليمن
إن الدعم الإيراني للحوثيين هو جزء فقط من إستراتيجية إيران لتطويق شبه الجزيرة العربية، حيث تستخدم إيران الدعم السري للمجتمعات الشيعية لزرع بذور للتمرد الذي من شأنه تغيير الأنظمة السنية بأنظمة أخرى جديدة موالية لطهران، وفقا لموقع وور أون ذا روكس.
وقد قدمت إيران على مدى العامين الماضيين التدريب والدعم للخلايا الإرهابية التي تهدف إلى اغتيال المسؤولين الحكوميين وإلحاق الضرر بالبنية الأساسية في كلٍّ من الكويت والإمارات العربية المتحدة، حيث إن عمليات اعتقال الخلايا المدعومة من إيراني آخذة في الارتفاع في دولة البحرين.
وقد تجنب مستشارون تابعون لإيران وحزب الله في اليمن الارتباط المباشر بالمعارك في اليمن وركزوا على برامج التدريب والتجهيز التابعة للحوثيين، حيث تقع معسكرات التدريب التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في اليمن بعيداً عن الخطوط الأمامية للحرب الحالية، وذلك للحفاظ على خسائرهما في اليمن مع ارتفاعها في كل من العراق وسوريا.
واستغل تنظيم القاعدة الفراغ الأمني بعد الانهيار المفاجئ للجيش اليمني في سبتمبر/أيلول 2014 لتشكيل تحالفات سياسية وعسكرية مع مقاتلي القبائل السنية في المحافظات الشمالية والوسطى والشرقية، حيث دافع تنظيم القاعدة والمقاتلين القبليين السنة عن هذه الأراضي وأوقعوا أول خسائر لحزب الله في الأشهر التي سبقت تدخل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن في مارس/آذار 2015.
وأعلن قائد عسكري تابع لحزب الله في 8 مارس/آذار 2015 بأن ثمانية من مقاتلي الحزب قد قتلوا أثناء انخراطهم في أعمال القتال في اليمن، حيث أعلن المقاتلون المناهضون لحركة التمرد الحوثية بعد ثلاثة أسابيع أسرهم لثلاثة ضباط من الحرس الثوري الإيراني ومستشاراً واحداً من حزب الله عندما كانوا يقاتلون إلى جانب قوات الحوثيين في كل من محافظتي عدن وشبوة.
ويقول التقرير الذي ترجمه للعربية "الموقع بوست"، إن المستشارين العسكريين التابعين للحرس الثوري الإيراني وحزب الله يقتلون بأعداد متزايدة في اليمن، حيث فقدوا 15 مستشاراً وضابطاً مؤخراً في سلسلة من الضربات الجوية.
وفي حين أن هذه الأعداد تبدو قلية جداً مقارنة بخسائرهم في العراق وسوريا، فإن ارتفاع عدد القتلى يدل على زيادة الخسائر في الأرواح والعتاد للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في شبة الجزيرة العربية.
البرامج العسكرية والصاروخية للحرس الثوري الإيراني
كان عدد القتلى من الحرس الثوري الإيراني في اليمن هذا العام أكثر من ضعف عدد القتلى في العام الماضي، حيث قتلت الغارات الجوية في شهر فبراير/شباط من هذا العام في محافظة صعدة الشمالية خمسة مستشارين من الحرس الثوري الإيراني، ومستشار واحد من قوات الصواريخ التابعة له والمعروف بإسم "أفغان".
وقد جندت إيران في شهر مارس/آذار مستشارين إضافيين من المليشيات الشيعية الأفغانية في سوريا والمدعومة من الحرس الثوري الإيراني وأرسلتهم إلى اليمن لتقديم الدعم العسكري للحوثيين.
وتعتبر محافظة صعدة منذ مايو/آيار 2015 القاعدة الرئيسية للحوثيين للقيام بالهجمات الصاروخية والمدفعية التي تستهدف المملكة العربية السعودية وقوات الشرعية، وتعتبر أيضاً مركزاً لحركة الحوثيين، حيث أعلن محافظ المحافظة هادي طرشان الوائلي أن عدد مستشاري الحرس الثوري الإيراني في المحافظة قد تزايد بشكل كبير.
ووفقاً للقادة الميدانين الحوثيين الذي تم القبض عليهم، فإن مستشاري الحرس الثوري الإيراني المقيمون في محافظة صعدة يشرفون على تصميم وصيانة منظومات الصواريخ ولواء الصواريخ التابع للحوثيين.
كما يقومون بتعليم كيفية الاستهداف وقراءة الخرائط وتدريس دورات عسكرية أخرى تابعة للحرس الثوري وحزب الله.
اللوجستية والإمداد
تخضع خطوط عمليات الإمداد الإيرانية لضغوط متزايدة، حيث سيطرت قوات التحالف العربي على ثلاثة موانئ في البحر الأحمر واثنين من الأرخبيلات التي كانت تستخدمها إيران مسبقاً لتخزين وتهريب الأسلحة إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
كما أن ميناء الحديدة الساحلي يقع تحت حصار مزدوج من قوات التحالف العربي والقوات اليمنية، حيث يسعى التحالف العربي للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها، غير أن مجموعة من المشرعين الأمريكيين تساءلت مؤخراً عما إذا كان بإمكان القوات اليمنية وقوات التحالف تحقيق انتصار سريع في الحديدة ومعالجة ما يترتب على ذلك من تداعيات إنسانية.
وتراقب نقاط التفتيش التابعة لقوات التحالف العربي شحنات الأسلحة والطائرات بدون طيار الإيرانية على طول الطريق الشمالي، بينما تقوم القوات اليمنية بخنق طريق الإمداد الجنوبي وتفتيش أي شحنات إيرانية في طريقها للحوثيين، حيث حاصرت القوات اليمنية مؤخراً مدينة بيحان الشرقية بشبوة بإعتبارها "شريان" شبكة التهريب الشرقية للأسلحة الإيرانية، وقامت القوات اليمنية أيضاً بإنشاء نقاط تفتيش على طول الطريق المعبدة بين محافظتي شبوة والمهرة.
حملة إيران وحزب الله البحرية
بدأ الجيش اليمني في يناير/كانون الثاني 2017 بهجوم ساحلي جديد سُمي "الرمح الذهبي" بدعم من القبائل السنية والقوات الخاصة الإماراتية التي تستهدف على وجه التحديد نشاطات حزب الله في اليمن على مدى الثلاثة الأشهر الماضية.
وأسرت القوات اليمنية بدعم من القبائل السنية سبعة من مستشاري حزب الله في محافظتي تعز ومأرب، حيث إن عدد المقاتلين التابعين لحزب الله الذين تم القبض عليهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام قد تضاعف كثيراً مقارنةً بعدد الذين تم القبض عليهم خلال عام 2016.
وقد استردت هذه العملية عدداً من الموانئ الإستراتيجية على طول الساحل الغربي لمدينة تعز التي تقع على طول مضيق باب المندب الذي يعتبر نقطة بحرية رئيسية لتجارة النفط والغاز الطبيعي بين أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
وفي 14 يناير/كانون الثاني ألقت القوات اليمنية والقبائل السنية القبض على اثنين من خبراء الحرب البحرية التابعين لحزب الله في مدينة الضباب الساحلية الغربية في مدينة تعز، حيث كان أحد هؤلاء الخبراء متخصصاً في تكتيكات وضع الألغام. كما قدم الحرس الثوري الإيراني طائرات بدون طيار وتكنولوجيا "القوارب المتفجرة" للقيام بهجمات "كاميكاز" ضد سفن التحالف العربي ودفاعاته الجوية.
وهاجمت ثلاثة زوارق تابعة للحوثيين بعد ذلك بأسبوعين فرقاطة سعودية بالقرب من ساحل مدينة الحديدة، مما أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها وجرح آخرين.
وفي 22 مارس/آذار أكدت مصادر إيرانية أنها أرسلت مختصين عرب شيعة لتقديم دعم التدريب العسكري واللوجستي للحوثيين، حيث قصفت البوارج الحربية التابعة للتحالف العربي منطقة ساحلية بالقرب من مدينة الحديدة مما أدى إلى مقتل مستشار في الحرس الثوري الإيراني عندما كان يساعد المتمردين الحوثيين في تجهيز القوارب المتفجرة عن بعد لشن هجمات ضد السفن البحرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف العربي.
حفرة القطران الإيرانية في اليمن
إن تدخل إيران في الحرب الأهلية اليمنية قد وصل الآن إلى حالة من القطران المعروفة، وبالمثل فإن الاستثمارات الإيرانية منخفضة التكلفة في اليمن قد أثبتت أنها في حفرة قطرية لا يمكن مقومتها والخروج منها.
وبالنسبة لإدارة ترامب فإن مواجهة القاعدة في اليمن يعتبر تحدي حقيقي للإدارة الأمريكية، وإن الخوض في الحرب الأهلية اليمنية لمواجهه السلوك الإيراني السيئ يثير إندفاعاً مشكوكاً فيه.
وفي حين أن إدارة بوش وأوباما دعمت التدابير غير المباشرة لوقف الدعم الإيراني للحوثيين، فإن مهمتها الأساسية قد تركزت على محاربة تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية.
وقامت دول الخليج العربي باستقطاب الجهاديين وإدماجهم في وحداتهم البرية التي تدعم الجيش اليمني، حيث قاتل مقاتلو القاعدة وقادتهم جنباً إلى جنب مع قوات التحالف العربي والقوات الشرعية التابعة للرئيس اليمني في قتالهم ضد قوات المتمردين الحوثيين.
وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية لا تتقيد بتحالف هادي والدول العربية الأخرى بسبب تحالفهم غير المعلن مع تنظيم القاعدة، فإن استهداف القوات الأمريكية لمحطات الرادار التابعة للحوثيين تدل على أن الاستفزازات الإيرانية قد تؤدي إلى تقارب مؤقت للمصالح.
ويدرس ترامب حالياً زيادة الدعم المخابراتي واللوجستي لعمليات التحالف العربي ضد الحوثيين، فضلاً عن ضم مستشارين أمريكيين جدد ضمن قوات التحالف العربي. وبالنظر إلى قتال تنظيم القاعدة جنباً إلى جنب مع الجيش اليمني في معاركهم ضد الحوثيين، فإن الجانب السلبي من هذا التحالف غير الحكيم لا يمكن قياسه حتى الآن.