نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرا يقول إن شركة فيسبوك بدأت في الآونة الأخيرة تنصاع لإرادة الدكتاتوريين العرب وتضيّق على مستخدميها في المنطقة الذين بدؤوا يشعرون أن منصتها لم تعد الموقع المناسب لإسماع أصواتهم لحكوماتهم.
وقالت المجلة إنه وفي منطقة يحكمها الاستبداد تدّعي فيسبوك أنها توفر أقصى مستوى ممكن من حرية التعبير.
وقد جذب ذلك عددا كبيرا من المستخدمين في المنطقة، خاصة في منطقة الخليج، حيث تتمتع فيسبوك بعدد من المستخدمين أكبر من أي مكان آخر في العالم "بالتناسب مع عدد السكان"، وأصبحت المنصة هي المصدر الرئيسي للأخبار لدى العديد من العرب، بل إن البعض يُرجع الفضل في احتجاجات الربيع العربي لعام 2011 إلى فيسبوك.
لكن منذ أن أصبحت هذه المنصة متاحة لجميع الناس في 2012 أصبحت فيسبوك أكثر مراعاة لرغبة الحكام الذين يتيحون لها الوصول إلى الجمهور، وأقل ضيافة للناشطين.
وفي الأشهر الأخيرة أزالت فيسبوك مئات الحسابات للمستخدمين من تونس إلى إيران، وحذفت مئات الآلاف من الرسائل.
ويضرب التقرير مثلا بإحدى حالات الإزالة من سوريا والتي تعود للمهندس المعماري سارية البيطار في مدينة إدلب التي مزقتها الحرب، إذ بعثت الشركة رسالة وصفها التقرير بالمدمرة.
وتقول رسالة عملاق وسائل التواصل الاجتماعي "تم تعطيل حسابك بشكل دائم لعدم اتباعك معايير مجتمع فيسبوك، ولسوء الحظ لن نتمكن من إعادة تنشيطه لأي سبب".
وتم مسح 14 عاما من الصور العائلية وذكريات البيطار ومذكراته للحرب الأهلية في سوريا، جنبا إلى جنب مع قائمته التي تضم 30 ألف متابع رغم أنه ظل يتوخى الحذر في كتاباته بالمنصة، إذ لم يكن يسمي قتلى معارضي النظام السوري "شهداء" أو ينشر ما يحرض على العنف.
ويشتبه البيطار في أن فيسبوك أسكتته لأنه أحيا ذكرى نجم كرة قدم سوري شهير حمل السلاح، وقتل بعد عدة أشهر من ذلك على يد نظام بشار الأسد.
وتقول مروة فتافتة من مجموعة "أكسيس ناو" (Access Now) -وهي مجموعة ضغط عالمية- إن كثيرا من الناس يقولون إن فيسبوك لم تعد منصة يمكنهم استخدامها لمساءلة الأقوياء.
ويفسر تقرير المجلة هذه الممارسات من فيسبوك جزئيا بالحجم الكبير لمستخدمي المنصة البالغ عددهم 2.7 مليار، والكثير منهم يكتبون بلغات غير الإنجليزية، ويتم فحص مشاركاتهم للتعرف على خطاب الكراهية والتحريض، ويبلغ عدد من يقومون بهذا الفحص 15 ألفا ويجدون صعوبات كبيرة في إنجاز الفحص بطريقة عادلة، إذ إن معظمهم لا يعرفون العربية ولهجاتها، لذا تعتمد الشركة على الفلاتر الآلية التي ترتكب أخطاء لأنها تكتفي بالتفتيش عن الكلمات التي تم وضع علامة عليها، لكن لا يمكنها اكتشاف الفروق الثقافية أو العبارات الساخرة، ولذلك نجد فيسبوك نادرا ما تشرح سبب حذفها المحتوى.
وتقول محامية حقوق الإنسان التونسية الأميركية وفاء بن حسين إنه على الرغم من وجود عدد كبير من المستخدمين في الدول النامية فإنهم مستبعدون إلى حد كبير من الحوارات.
ويضيف التقرير أن فيسبوك ملزمة بالقانون الأميركي الذي يعتبر بعض القوى الرئيسية في الشرق الأوسط "إرهابية"، إذ يحظر فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وحزب الله، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومجموعة كبيرة من الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى.
وفي بعض الأحيان تمنح وسائل الإعلام الأميركية أعضاء هذه المجموعات وقتا للبث، لكن فيسبوك لديها تفسير صارم للقانون ضد مساعدة وتحريض الإرهابيين.
ويقول التقرير إن الحكومات العربية أصدرت قوانين ضد جرائم الإنترنت و"الإرهاب" للتضييق على شركات وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدميها.
وتحاول فيسبوك "الامتثال" لقوانين هذه الدول، إذ فتحت مكتبا في دبي للتواصل مع المسؤولين في المنطقة لتجنب حجب المنصة.
ويضيف التقرير أن الحكومات تستخدم أشكالا من الضغط كثيرة التعقيد والدقة، إذ هددت بفرض ضريبة على أرباح فيسبوك الداخلية، كما تقوم كثير من هذه الحكومات بتشغيل جيوش إلكترونية لقصف المحتوى في الموقع، وغالبا ما تشتكي من جماعات المعارضة.
وتدّعي إحدى الهيئات الرقابية المدعومة من إسرائيل أن لديها 15 ألف متطوع عبر الإنترنت من 73 دولة لمراقبة منصة فيسبوك، ونتيجة لذلك يقول النقاد إن فيسبوك تفحص المحتوى الذي يعود لفلسطينيين بدقة أكثر من المنشورات التي تعود لإسرائيليين.
وفي محاولة لاستعادة ثقة المستخدم، حذفت فيسبوك مؤخرا مئات الحسابات المزيفة التي روجت لها السعودية وإيران ومصر، ففي مايو/أيار الماضي كشفت الشركة النقاب عن مجلس رقابة جديد سيكون بمثابة "المحكمة العليا" التي ستستمع للطعون في قرارات المنصة وتراقب المواقع الحكومية بحثا عن التحريض.
وتقول توكل كرمان الناشطة الحقوقية اليمنية الحائزة على جائزة نوبل -وهي واحدة من عضوين في مجلس الإدارة في هذه المحكمة من الشرق الأوسط- إن التصنيفات الإرهابية الرسمية لن تكون بالضرورة ملزمة لنا، خاصة عندما تأتي من الحكومات الاستبدادية التي تسيء استخدام "الإرهاب" لإساءة معاملة المعارضين.