تُشير جميع الدراسات والأبحاث السوقية إلى سيطرة سامسونغ المُطلقة على سوق الهواتف الذكية، فكل من شركتي ”آي دي سي“ (IDC) و“كاونتربوينت“ (CounterPoint)، على سبيل المثال لا الحصر، تُثبتان أن حصّة سامسونغ السوقية هي الأكبر، متفوّقة على آبل، وعلى شاومي و“فيفو“ (Vivo) اللاتي تُنافسن في أسواق كبيرة مثل الهند والصين(1)(2)(3). لكن تلك الأرقام في ذات الوقت، وبالنسبة لسامسونغ تحديدًا، تعني أرباحًا أقل، فما هي الحكاية؟
الريادة
لم تبنِ سامسونغ إمبراطوريتها في سوق الهواتف الذكية عبر هاتف أو اثنين مثلما هو الحال عند آبل أو غوغل، فتلك الشركات تُركّز على شريحة واحدة فقط تتمثّل بالهواتف الذكية الرائدة، مع تركيز أقل على فئة الهواتف متوسّطة المواصفات، حيث تُطلق هاتف واحد فقط، أو اثنين على أكثر تقدير، لكل فئة.
أما سامسونغ، الشركة التي تُنافس في جميع الفئات دون استثناء وتُركّز على الهواتف الذكية والعادية على حد سواءً، فهي تُطلق تقريبًا ثلاثة هواتف في كل فئة، الأمر الذي سمح لها وضع الكثير من الخيارات بين أيدي المُستخدمين، وبالتالي السيطرة على سوق الهواتف الذكية، حتى أن البعض يعتبرها الواجهة الأولى لنظام أندرويد، على اعتبار أنها الأكثر إطلاقًا للأجهزة التي تعمل به(4).
تُعرف فئة الهواتف الذكية الرائدة لدى سامسونغ بـ ”غالاكسي إس“ (Galaxy S) التي كان آخر أفرادها ”غالاكسي إس9“ (Galaxy S9) وأخاه الأكبر، بالإضافة إلى ”نوت9“، وتلك هواتف بشريحة سعرية تبدأ من 720 دولار أمريكي تقريبًا، وتتجاوز حاجز الـ 1000 دولار خصوصًا في أجهزة ”نوت“ الموجّهة لسوق الأعمال بشكل أو بآخر.
ثبات الشركة على هذه النظرية أكسبها تواجد كبير ذو ثقل من جهة. لكنه وعلى الورق، لا يمنحها أبدًا نفس الأرقام التي تُحقّقها آبل من ناحية الأرباح، فالهواتف الرائدة لدى سامسونغ تُشكّل 29٪ فقط من إجمالي المبيعات(5)، لتُسيطر بذلك الهواتف متوسطة ومنخفضة المواصفات على أكثر من ثُلثي عائدات الشركة من سوق الهواتف الذكية، وتلك فئات بالأساس لا يُمكن وضع هامش ربح عالي فيها. وبالحديث عن هامش الربح، فإن تكلفة إنتاج ”غالاكسي إس 9“ تبلغ 379 دولار أمريكي فقط، ويُباع في الأسواق لقاء 720 دولار، وهذا هامش ربح كبير تعتمد عليه شركات أُخرى أيضًا مثل آبل(6).
في 2017، بلغت حصّة سامسونغ السوقية 20.9٪ على مستوى العالم بعد شحن ما يزيد عن 317 مليون هاتف. حسابيًا، فإن عدد الهواتف الرائدة من تلك النسبة يُساوي تقريبًا 92 مليون هاتف، أي أن 92 مليون هاتف فقط تبلغ قيمتهم أكثر من 700 دولار أمريكي. وعلى سبيل المُقارنة، بلغت شحنات آبل أكثر من 215 مليون هاتف خلال نفس العام، جُلّها بقيمة لا تقل عن 600-650 دولار أمريكي، وهنا يظهر الفارق، فعند الحديث عن الأرباح، وعلى الرغم من سيطرة سامسونغ من ناحية الحصّة السوقية، تُسيطر آبل على الأرباح بتحقيق 61.5 مليار دولار في الربع الأخير من 2017 لوحده، بينما حقّقت سامسونغ 18.9 مليار فقط في نفس ذلك الربع(7).
الحصاد الحقيقي
بالنظر إلى قائمة الهواتف العشرة الأكثر مبيعًا على مستوى العالم خلال 2017، يحتل ”غالاكسي إس 9“ المركز الخامس، متبوعًا بـ ”غالاكسي إس 9+“، في وقت حلّ فيه ثالثهما، ”غالاكسي جيه 7 برو“ (Galaxy J7 Pro)، في المركز التاسع متفوقًا على آيفون 6 وخلف آيفون 8 مُباشرةً(8).
تُنافس سامسونغ بعائلة ”غالاكسي جيه“ في سوق الهواتف مُنخفضة المواصفات، وتلك فئة تنشط في فترات الركود كالربع الثالث من كل عام في الفترة ما بين (يوليو/تموز) و(أغسطس/آب)، تنجح الشركة فيها بمُزاحمة هواتف رائدة. خلال الربع الثالث من عام 2017، حلّت هواتف ”غالاكسي جيه 2 برايم“ (Galaxy J2 Prime) في المركز الثالث بعدما باعت الشركة 7.8 مليون هاتف، لتأتي بذلك خلف ”آيفون 6 إس“ الذي بيع منه 7.9 مليون قطعة، ثم ”آيفون 7“ الذي بيع منه 13 مليون قطعة مُحتلًا المرتبة الأولى في تلك الفترة(9).
بطبيعة الحال، لا تسعى سامسونغ لتوفير جميع هواتفها الذكية من مختلف الفئات في نفس الأسواق طوال الوقت، فما يُباع في أمريكا لن يُحقّق نفس الأرقام في كوريا الجنوبية. وبناءً على هذا، تتوفّر هواتف ”غالاكسي جيه“ في أمريكا اللاتينية بشكل رئيسي، والهند بدرجة أقل.
وبالأرقام، فإن سامسونغ وفي سوق أمريكا اللاتينية تحديدًا، الذي يبلغ متوسّط سعر الهاتف الذكي فيه 220 دولار تقريبًا، سيطرت بشكل كامل خلال الربع الأول من عام 2018 بعدما أمّنت المراكز الأربعة الأولى في قائمة الهواتف الذكية العشرة الأكثر مبيعًا هناك، وذلك بفضل أجهزة ”غالاكسي جيه 2 برايم“ و“غالاكسي جيه 7 برايم“ و“غالاكسي جيه 7 نيو“ و“غالاكسي جيه 5 برايم“. كما تضمّنت القائمة أجهزة أُخرى مثل ”غالاكسي جيه 7“ و“غالاكسي جيه 7 ميتال“، وهذا يُظهر التنوع الكبير الذي تحرص عليه الشركة في هذه الفئة لتوفير خيارات أكثر والمنافسة بضراوة أكبر(10).
وبالاتجاه نحو جنوب القارّة الآسيوية، وتحديدًا إلى الهند، السوق الذي تُحاول جميع الشركات دخوله والمنافسة فيه لكونه الأسرع نموًّا على مستوى العالم(11)، فإن سامسونغ لم تتخل عن الريادة أيضًا، فهي جاءت في المركز الثاني بفضل أجهزة ”غالاكسي جيه“ و“غالاكسي إس“ أيضًا بحصّة 10.4٪، خلف شاومي التي أمّنت حصّة 38.4٪(12)، وهنا الحديث عن مبيعات الهواتف الذكية خلال الربع الأول من 2018.
ما بين ”غالاكسي إس“ و“غالاكسي جيه“ هُناك ”غالاكسي إيه“، وتلك عائلة تندرج تحتها الأجهزة متوسّطة المواصفات، فهي تُشابه -إلى حد ما- من ناحية التصميم أجهزة ”غالاكسي إس“، لكنها بمواصفات أقل لاستهداف شريحة أُخرى أيضًا. لكن وعلى أرض الواقع، تُركّز سامسونغ على ”غالاكسي جيه“ بشكل كبير، فهي في 2017 كانت تنوي بيع 100 مليون هاتف من هذه الفئة على الأقل، بينما وضعت هدفًا لبيع 20 مليون هاتف من فئة ”غالاكسي إيه“(13).
بحسب الشائعات، فإن الشركة الكورية تنوي تقديم فئات جديدة في 2019، واحدة موجّهة لعُشّاق الألعاب وأُخرى بشاشات مرنة. كما تنوي دمج ”غالاكسي إس“ و“نوت“ معًا على اعتبارها هواتف رائدة(14)، لتتساوى بذلك مع نموذج غوغل وآبل، إلا أن الكلمة العُليا ستكون لها بكل تأكيد لأنها تمتلك فئات أُخرى وتسعى لتقديم فئات جديدة باستمرار، خصوصًا أنها تمتلك مصنعًا لإنتاج شرائح التخزين، وآخر لإنتاج الشاشات، دون نسيان مصنعها لإنتاج المعالجات، لتبدو وكأنها ذاهبة نحو الاكتفاء الذاتي لتقليل المصاريف من جهة، ولحصد نسبة أرباح أعلى من جهة أُخرى.