[ لماذا تتجه أبل وغوغل ومايكروسوفت للتخزين السحابي؟ ]
بالعودة إلى كتب السير الذاتية التي تتناول حياة كل من "بيل غيتس"؛ مؤسّس مايكروسوفت، و"ستيف جوبز"؛ مؤّسس شركة آبل، ستظهر بعض الفقرات التي تتحدّث عن تراشق الاتهامات بينهما حول نسخ الميّزات، أو سرقتها من طرف ثالث، كشركة "زيروكس" (Xerox) على سبيل المثال لا الحصر(1). وهذا ليس لإثبات انعدام المُنافسة الشريفة، بل دفاعا عن المنتج الرئيسي الذي يسعى كلاهما لبيعه.
سعى جوبز عند تطويره لأول حواسب شركة آبل للعثور على نظام تشغيل يُميّز به حواسب شركته عن تلك التي كانت تُنتجها "آي بي إم" (IBM). كما سعى "غيتس" إلى تطوير نظام التشغيل الذي تسعى أي شركة للحصول عليه، بما في ذلك "آي بي إم" أيضا. وبعد مرور السنوات، أصبحت تلك الأنظمة هي المفتاح الرئيسي لتحريك عجلة المبيعات نوعا ما، فالحصول على حاسب من "آي بي إم" يعني الاستمتاع بالنسخ الأولى من أنظمة تشغيل مايكروسوفت، والحال نفسه مع حواسب آبل التي حاولت الشركة تمييزها بنظام وتطبيقات فريدة من نوعها.
وبناء على ما سبق؛ أضحت أنظمة التشغيل جزءا رئيسيا من اتخاذ قرار شراء الحاسب الجديد، وهذا بسبب وجود مجموعة من البرامج الخاصّة بكل نظام بحيث يحصل مُستخدمو ويندوز على حزمة "أوفيس"، وبرنامج الرسام، ومجموعة من أدوات الإنتاجية. بينما يحصل مُستخدمو نظام "ماكينتوش سيستم" (Macintosh System) على واجهات رسومية، وعلى نظام لإدارة الملفات المحلّية، ولتلك الموجودة على الشبكة أيضًا.
الألفية الجديدة.. غوغل وآبل
تكرّر المشهد نفسه من جديد مع ظهور الهواتف الذكية، وتحديدا نظامي أندرويد من غوغل، و"آي أو إس" (iOS) من آبل. فقرار الشراء كان لفترة طويلة مرتبطا بنظام التشغيل بسبب المميّزات الموجودة في واحد، والناقصة في الآخر. لكن القائمين على المُحرّك الرئيسي للأجهزة الذكية، أيقنوا ضرورة التواجد على جميع المنصّات دون استثناء، وهنا بدأت المُعادلة بالتغيّر شيئا فشيئا.
حصل ذلك التغيّر بالتزامن مع بزوغ عصر البيانات اللامركزية والتخزين السحابي، وهذا يعني أن البيانات لا يجب أن تكون موجودة على جهاز المُستخدم، أيًا كان نوعه، بل يمكن تخزينها على خوادم موزّعة حول العالم للوصول إليها في وقت لاحق باستخدام أي جهاز، فهي مُرتبطة في النهاية بحساب المُستخدم، ولا علاقة للجهاز بها سوى لعرضها أو لتعديلها، أو حتى لإدخال أي جديد عليها.
يُمكن رصد تطبيقات مثل فيسبوك أو إنستغرام، أو حتى "إيفر نوت" (Evernote) و"سلاك" (Slack)، فجميعها خدمات يستفيد المُستخدم منها بأشكال متنوعة باستخدام حسابه فقط. ويُمكن الوصول لها باستخدام الحاسب، الهاتف، أو حتى المُساعدات الرقمية وأجهزة التلفاز الذكي. ومع تقارب أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية من ناحية المميّزات، وتفوق أحدها على الآخر في بعض الجوانب؛ لم يعد الاهتمام بها كبيرا، فالأهم هو توفير تجربة استخدام مستقرة من أجل الوصول إلى الخدمات والتطبيقات المختلفة، وهذا أمر توفّره مُعظم الأجهزة الذكية الموجودة في الأسواق حاليا، وإلا لما وصلت مبيعات الهواتف خلال 2017 لأكثر من 1.5 مليار جهاز على مستوى العالم بانخفاض عن 2016 لا تتجاوز نسبته 0.1٪ فقط(2).
هذا الأمر فسح بدوره المجال أمام المنافسة بعوامل أُخرى، كالسعر على سبيل المثال لا الحصر. طالما أن المُستخدم بإمكانه الوصول إلى التطبيقات باستخدام أي جهاز؛ فسيبني قراره بناء على التصميم أو الكاميرا أو السعر، والرابح الأكبر هو من يستغل تلك العوامل بأفضل شكل ممكن. وبنظرة خاطفة على قائمة الخمسة الأوائل على مستوى العالم في مبيعات الهواتف الذكية يُمكن العثور على "أوبو" (Oppo)، و"شاومي" (Xiaomi)، و"هواوي" (Huawei)؛ لتُشكّل مُجتمعه 24٪ تقريبا من حصة السوق، دون نسيان سامسونغ التي تستهدف أكثر من شريحة وتُسيطر على حصة 21.6٪ من السوق(2).
مسار إجباري
لم تتأخّر لا آبل، ولا مايكروسوفت، ولا غوغل، في الاستجابة لتلك التغييرات، فالأخيرة تحديدا كانت أول من حرص منذ القدم على إطلاق مجموعة من الخدمات السحابية مثل مستندات غوغل التي كانت تدعم جميع المُتصفّحات وأنظمة تشغيل الحواسب، والأجهزة الذكية فيما بعد. إلا أن الفكر الاحتكاري لآبل ومايكروسوفت بدأ بالانصهار لأخذ شكل تقني جديد؛ وإلا فجميع الجهود كان مصيرها التبخّر لا محالة.
فصلت مايكروسوفت سلسلة مُنتجاتها وعاملت كل واحد منها وكأنه كيان مُنفصل، وهذا بعدما أيقنت أولا أن ويندوز موبايل 10 لن يُكتب له النجاح، وأن السوق فيه "ماك أو إس" (macOS)، ولينكس، إضافة إلى "كروم أو إس" أيضا، إلى جانب أندرويد و"آي أو إس" بكل تأكيد. وبناء على ذلك؛ قرّرت توفير نسخة من حزمة "أوفيس" على السحاب تُعرف بـ "أوفيس 365"، يُمكن للمستخدم بعد الاشتراك فيها الوصول إلى مستنداته، وإنشاء مستندات جديدة في أي وقت وباستخدام أي جهاز. كما قامت كذلك بتوفير مُساعدها الرقمي "كورتانا" (Cortana) لمُستخدمي نظامي أندرويد و"آي أو إس"، والقائمة تطول.
أما آبل، فهي كانت في حاجة إلى بذل مجهود أكبر، فهي ومنذ القدم تتبع نموذج البيئة الكاملة؛ نظام التشغيل والعتاد، فحتى إطلاق "آي تونز" (iTunes) لنظام ويندوز لم يكن بالقرار السهل بالنسبة لـ"جوبز" الذي عارض الفكرة مرارا وتكرارا عند إطلاق أجهزة "آيبود"(3). أما في العصر الحديث، فالشركة وجدت نفسها مُضطرة لتوفير بعض الخدمات مثل الموسيقى، "آبل ميوزك" (Apple Music) لمستخدمي أنظمة أُخرى وتحديدا نظام أندرويد. كما قامت بتوفير نسخة سحابية من حزمتها لتطبيقات الإنتاجية المعروفة بـ"آي وورك" (iWork)، وهذا يعني أن المستخدم بإمكانه فتح المُتصفّح وإنشاء المستندات في أي وقت تماما مثل حزمتي غوغل ومايكروسوفت.
آبل أقدمت أيضا على مزامنة الرسائل (iMessages) مع حساب المستخدم السحابي على خدمة "آي كلاود"(4) (iCloud)، هذا قد يعني أنه سيكون قادرا مستقبلا على فتح المتصفّح والرد على رسائله الواردة بسهولة تامّة، وتلك تغييرات لو ذُكرت أمام "جوبز" قبل عقد من الزمن لفصل صاحبها من العمل مُباشرة.
ومن خارج الملعب، يمكن رصد التنازل الكبير الذي تُقدّمه آبل بعدما أعلنت عن تعاقدها في الصين مع شركة "علي باي" (AliPay) للدفع الإلكتروني؛ التي تُعد بالأساس منافسة لخدمة آبل للدفع الإلكتروني (Apple Pay). لكن التركيز النهائي على جذب المزيد من المُستخدمين لمتاجرها وحثّهم على الاشتراك في خدماتها المُختلفة عبر تسهيل خيارات الدفع وإضافة ما هو شائع الاستخدام في الصين -بغض النظر عن المُنافسة- أنساها ذلك الخطر، فالتنازل قليلا لأخذ حصة أيّا كانت أفضل بكثير من الإصرار على ذات الموقف والخروج من السوق تماما.
شيئا فشيئا يتغير نموذج التعامل مع الأجهزة الذكية، لكن الشركات لم تُسلّم أبدا، صحيح أن جهود تطوير أنظمة التشغيل ما زالت قائمة؛ لكن التركيز الأكبر الآن على قطاع المحتوى والخدمات، ففيسبوك مثلا ترغب في قضاء المُستخدم وقتا أطول داخل تطبيقاتها ولهذا السبب تدفع ما يتراوح بين 10 آلاف إلى 500 ألف دولار أمريكي ثمن الحلقة الواحدة من البرامج الموجودة داخل تبويب "وتش" (Watch)؛ الذي يُمكن اعتباره مُنافسا لخدمات مثل "نت فليكس" (Netflix) أو حتى يوتيوب(5)، والأمر نفسه مع آبل التي أبدت استعدادها لدفع مليار دولار أميركي على الأقل لإنتاج محتوى خاص يظهر للمُشتركين في خدمة "آبل ميوزك"، وهذا يعني أن المنافسة انتقلت من مجال إلى آخر، وستحرص الشركات على التميّز في المجالات الجديدة أيًا كانت، وجميع الأرقام والمبالغ السابقة، ما هي سوى البداية فقط.