هل أدرك الأمريكان اليوم وبعد 16 عاما من هي " القاعدة" التي فجرت يو.إس.إس كول ( USS Cole) والتي تعرضت لهجوم في 12 أكتوبر سنة 2000 في ميناء عدن، مما أدى إلى مقتل ( 17 من أفراد طاقمها وجرح 39 ) ؟ هل أدركوا خطورة اللعب بالورقة اليمنية وجعلها مؤجلة في أروقة المساومات الدولية؟ هل أدركوا ماذا تعانيه اليمن وشعبها من بقاء السلاح في يد المخلوع صالح وعصابة الحوثيين؟ هل بات جليا الآن بعد تعرض المدمرة الأمريكية اليوم والذي يوفق 10 أكتوبر 2016 في باب المندب من مليشيات صالح والحوثي أن هؤلاء الإرهابيين هم القاعدة في اليمن؟ الا يدرك الأمريكان أن إدخال إيران إلى باب المندب سيشل حركة الملاحة الدولية وسيعرض طريق التجارة والنفط للخطر الدائم؟
ما أشبه الليلة بالبارحة إلا من خلاف طفيف يصب في مصلحة نظام صالح الطائفي الإرهابي، فبالأمس فجر كول ليجلب المساعدات الدولية من الأمريكان لخزانته، ويعلن أن اليمن تعاني من الإرهاب، وقد استطاع أن يبتز العالم بهذا الأسلوب، وحينها تم إنشاء الوحدات العسكرية التابعة الحرس الجمهوري لمواجهة الإرهاب، وحصل على الدعم والضوء الأخضر في الإمساك بالسلطة لفترة أطول.
واليوم يطلق الصواريخ على المدمرة الأمريكية قبالة باب المندب ليبتز العالم، بأن يمنحوه فرصة جديدة للبقاء تحت أي مسمى. قصف المدمرة اليوم من قبل مليشيات صالح الإرهابية يعني دخول اليمن في فصل جديد من الحرب على بمستوياتها : الثلاثة عسكرية وإعلامية وسياسية، سينفي صالح التهمة لتتحول إلى مربع التحالف العربي والشرعية، لقد باتت هزيمته وشيكة، وهو يحاول حرف مسار الحرب ليستدعي التدخل الدولي والأمريكي بالتحديد، لأن ضربات طيران التحالف انهكت قواه، وكادت تنهي مشروعه التدميري في اليمن، هو يريد إيقاف ضربات التحالف ولو باستدعاء الأمريكان لدخول اليمن.
إن انضمام إيران للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 والذي لقى ترحيب الإدارة الأميركية قد منح الحرس الطائفي التابع للمخلوع صالح والذي ترك أفراده البزة العسكرية للحرس الجمهوري وارتدوا الملابس المليشاوية الرثة ليبدو اقتحام صنعاء حوثيا100 % وليتم خداع الداخل والاقليم المحيط انه انقلاب قامت به مليشيات الحوثي الدينية الارهابية لوحدها.
وفي مطلع هذا العام 15 يناير 2016 دخل الاتفاق النووي الموقع بين طهران والدول الكبرى حيز التنفيذ، ويوم الجمعة الماضية 7 اكتوبر 2016 خففت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبتها المفروضة ضد ايران، ورفعت الحظر عن التعاملات الدولية مع الشركات الإيرانية، والتي يسطر عليها اشخاصا ينتمون لمؤسسات يندرجون تحت قائمة العقوبات الامريكية، كل هذا جعل ايران تلعب دورا أكبر في المنطقة، ولذا امنت إيران لحليفها صالح الصواريخ التي استخدمت اليوم لتهديد المدمرة الأمريكية قبالة باب المندب دون اصابتها!، ولا يستبعد أنها نفس الصواريخ التي قصفت قاعة عزاء في صنعاء يتواجد فيها أعيان قبيلة خولان وشخصيات اجتماعية من كل انحاء البلاد.
المخلوع صالح بدأ أمس في خطاب ألقاه من مخبئه في صنعاء "إيرانيا" أكثر من عبد الملك الحوثي ذات نفسه، كما أن تطابق خطابه مع خطاب القاه أمس نصر الله من بيروت في مجمل القضايا دليل على أن الخطابين كتبا في نفس الغرفة التي تدير إيران من داخلها الصراع في الشرق الأوسط ، ومن المرجح أن المخلوع صالح قام بضرباته الأخيرة والتي ستربك الوضع وتعيد "فرملة" رحى الحرب التي أوشكت على اقتلاعه، فضرب عزاء قبيلة خولان والتي من المرجح اتنها تفاهمت مع الجيش الوطني الذي سيعبر أراضيها قادما من صرواح مأرب إلى صنعاء، وضرب المدمرة الأمريكية، سيمنحه القدرة على اعادة تموضعه من جديد في الحرب، وفقا لمتغيرات جديدة صنعتها الضربات التي نفذها مؤخرا لحرف مسار المعركة، وسيدفع ثمنها الأمريكان إن وقعوا في هذا الفخ، فمن يدري ربما الروس الذين ورطهم الامريكان في سوريا يبحثون عن ورطة مناسبة للأمريكان في اليمن!.
باب المندب هو التعويذة التي حسنت حظ المخلوع صالح، لقد قدم إلى السلطة في القرن الماضي عبر سواحله ، فهناك تعرف على الأمريكان في على مرمى حجر من المضيق، وعلى شواطئ ميناء المخا، لقد صعد للسلطة عبر واحد من أهم الممرات المائية الدولية، فكان أول من "عبر المضيق" ليصل للحكم ، ولقد حافظ على منطقة باب المندب كما هي عليه بعد الانشقاق الاخدودي الذي فصل بين آسيا وأفريقيا ، فلا عمران هناك ولا تنمية، مجرد معسكرات تقوم بحراسة قطاع الطرق الذين يعملون في مجالات تهريب الأسلحة والمخدرات والحشيش والاتجار بالبشر.
بقاء قوات صالح في محافظة تعز وسيطرتها كليا على المضيق البحري وميناء المخا هي الورقة الرابحة التي غفل أو تغافل عنها التحالف، وذهب ليحقق انتصارات سهلة في عدن وحضرموت، وانشغل بغير ما أتى لأجله: "تحرير اليمن" من العصابات التي انقلبت وسيطرت على الدولة بدعوة مباشرة من السلطة الشرعية اليمنية"، لقد غرق التحالف في عدن في تفاصيل وحسابات اضاعت عليه فرصة مساعدة البلد، وانشغل بتفاصيل جانبية ، ربما تنتهي برحيله إن استمر بهذه الآلية المبهمة.
إن اصرار التحالف على دخول صنعاء عبر مارب لا يساوي تحرير تعز وباب المندب لا على المستوى الاستراتيجية بعيدة المدى ولا على مستوى التكنيك قريب المدى، فمن يسيطر على المضيق هو من يلتقي بمصالح العالم ، أنا هنا لا أقلل من أهمية تحرير جبال صنعاء القاحلة والتي ستلتهم أكباد الجنود، كما فعلت في القرن الماضي مع الجيش المصري الذي أرسله الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتحرير اليمن من الإمامة ، ولكنني أدعو إلى ترتيب الأولويات حتى تضع الحرب أوزارها، فتحرير باب المندب من عصابات صالح سيقطع اتصاله بالعالم وبعصابات التهريب التي أسسها بنفسه منذ 1974م، حينما ولاه الرئيس الحمدي قائدا عسكريا على لواء تعز، وسقوط باب المندب سيمنح الطريق التجاري وناقلات النفط السلام وسيمنح منطقة القرن الافريقي المزيد من الأمن وايقاف عصابات القراصنة التي تقلق العالم، كما أن معنويات المليشيات ستنهار في سفوح الجبال، وستكون كل الطرق السهلة مؤدية لفتح صنعاء، وتحريرها من العاصبة التي أعلنت احتلالها رسميا في 21 سبتمبر 2014، وإلا فهي مسيطرة عليها فعليا منذ صعود المخلوع صالح إلى السلطة، لكن بدون شعارات وبدون صرخة الموت لأمريكا.