عرفته لأول مرة في حرف سفيان في بداية 2010..
كنا في اللجنة الوطنية لإحلال السلام في الحرب السادسة..
قيل لي : العميد عبد الرب يريد أن يراك.. فقلت : مرحبا ..
بدا عبد الرب الشدادي قائدا عسكريا لا يشبهه أحد.. كانت تبتسم عيناه قبل شفتيه.. ويتحلى بشجاعة نادرة وثقة مطلقة دون أن تلاحظ عليه أدنى غرور أو تسرع أو زيف، أو عجرفة..
كنا نأمل بأن تكون الحرب السادسة تلك، آخر الحروب.. غير أنك ، وأنت تسمع وترى قادة ومقاتلين حوثيين ، لا بد أن تدرك أن المأساة كانت لا تزال في بداياتها .. لكن مهما جمح بك الخيال وتعاظم التشاؤم فلن يبلغ توقعك بأي حال إلى مستوى النكبة الوطنية التي تسببت فيها المسيرة القرآنية، وأتباع "إبن النبي" بعد اجتياح العاصمة .. كان يردد صغار المقاتلين الحوثيين أنهم يقاتلون مع إبن النبي، أو إبن رسول الله .. وتراهم يستمعون دون ملل إلى خطب "السيد" الطويلة التي يحدثهم فيها عن الحرب مع أمريكا وإسرائيل ، ويصغون إلى أناشيد الجهاد آناء الليل وأطراف النهار.. ولا تستغرب إذا رأيتهم يقولون إن أمريكا وإسرائيل هي التي تسببت في الدمار الذي تعرضت له حرف سفيان وصعدة، ، ونادرا ما يرد إسم صالح أو محسن أو غيرهم باعتبارهم قادة العدو" في الطرف الآخر ..
كان يطلق مقاتلو الحوثي على أنفسهم المجاهدين، أما خصومهم فهم المنافقون، وإذا سألت أبو حسين ، لمن هذا القرية؟ فالجواب دائماً ، إنها قرية المنافقين ، أما تلك فهي تتبع المجاهدين.. لم يأت مصطلح التكفيرين والدواعش بعد.. ومع ذلك فتسمية المنافقين ليست تسمية معتدلة للعدو، أو المخالف، فالمنافقين أشد حقارة من الكفار وهم في الدرك الأسفل من النار..!
كان كثير من القادة العسكريين على مستوى معقول من الكفاءة والوطنية، ومن الصعوبة ملاحظة تعاطف أي أحد منهم مع مشروع الحوثية بأي مستوى، الأمر الذي يجعلك تتساءل ما الذي حدث بعد ذلك،عند إجتياح العاصمة صنعاء، ومن قبلها عمران..؟ كُلّف اللواء علي صلاح أحمد مشرفا أو قائدا لمحور حرف سفيان حينها، بدلا عن اللواء عبد الله عليوه..وكان اللواء صلاح يمارس عمله بشجاعة عالية ، وبمستوى حرفي لا يرقى إليه الشك، على الرغم من فرضية صلة النسب بالحوثي، التي أحدثت ما يشبه اللوثة عند آخرين ..غير أنه كان هناك قادة من قبيل ذلك الذي كان يطلق عليه ( القائد الذي لا يرى الشمس) .. كان قائد اللواء الذي لا يرى الشمس، يسكن في عمارة بيضاء في المعسكر، ولم نره حتى مرة واحدة طيلة بقائنا هناك، أربعين يوما..
كان من الصعب تغيير ذلك القائد، لصلته بالقائد الأعلى،فتم اقتراح تعيين عبد الرب الشداي أركان حرب لتغطية الضعف في قيادة ذلك اللواء ..
احتج أفراد اللواء مرارا ، بسبب عدم استلام رواتبهم، وكان كثير من المحتجين مستجدين ..تظاهروا ورددوا شعارات وسُمع في المعسكر إطلاق نار.. ودائما ما يلجأ الأفراد لعبدالرب.. كان موقفه مع قائد اللواء حاسما : أن سلم حق الأفراد.. ونتيجة لذلك أحضر قائد اللواء "شوالة" مليئة بمستحقات الأفراد، من صنعاء ، من داخل بيته، كما فهمت ..كان ذلك القائد قد تراجع عن السطو على روراتب أولئك الأفراد..
بعد حرف سفيان التقيت بعبد الرب مرارا ، وحدثني عن مهمته في حماية ساحة الحرية، وزرته و هو جريح في المسشفى، بعد حادث كنتاكي، وغادر المستشفى سريعا.. وفهمت من شخصية ماربية كبيرة، وهو جريح آخر ، أن عبد الرب قد ترجاه بأن لا يرد على إطلاق النار الذي كان يصوب إلى المسيرة من عمارة "لا إله إلا الله".. وأضاف : رمي عبد الرب بندقيته على قدمي ، قائلا : رجاء لا ترد .. لا نريد تفجير الموقف..
كان عبد الرب محاربا بطلا ، إذا تطلب الأمر ، لكنه مثل كل الأبطال الحقيقين يفضّل السلام، كلما كان ذلك ممكنا ..
في كل لقاء مع عبد الرب أو حديث إليه وجدته صادقا كل الصدق، وودودا بلا حدود .. أرق من نسيم الهواء وأصلب من الفولاذ ..
منذ خروجي من اليمن قبل أكثر من سنتين، تواصلت به مرة واحدة .. حاولت بعد ذلك التواصل معه أكثر من مرة كي أعزيه في أقربائه ومرافقيه، فلم أوفق .. منذ أسبوع قلقت عليه أكثر .. قلقت عليه عندما تبيين لي أن كثيرين عرفوا حقيقته وقدراته، محبون وكارهون.. كنت أود القول : إنتبه على نفسك ..
اليمن لا تستغني عن أمثالك في السلم وفي الحرب.. لكن عبد الرب غادر.. أرجح أنه من القادة الذي يخلقون ويخلفون قادة، وليس مجرد أتباع..
كنت في السطر الأخير من كتابة هذا المنشور، وجاء خبر كارثة الصالة..وتضاعف الشعور بالفقد والصدمة.. وتضاعف الحزن والمرارة والألم ..
ولو كان سهما واحدا لاتقيته..!