لا يبدو أن الهجوم الإيراني غير المسبوق على السعودية، الذي يستخدم ألفاظا بذيئة، ولا يوفر هامشا للمناورة، ويتصدره المرشد وكبار قادة النظام الإيراني وخطباء جمعة طهران، عائد إلى الخلاف بين البلدين حول الحج، فالثابت أن الحج لدى الطائفة الاثني عشرية الجعفرية، أقل أهمية من زيارة الأضرحة في النجف وكربلاء والكاظمية ومشهد.
يبدو أن إيران بدأت تفقد السيطرة على مسرح العمليات في سوريا واليمن، ولأن اليمن أولوية سعودية، يبدو أن مشاعر الإحباط الآتية من اليمن هي التي فاقمت من حدة التوتر بين طهران والرياض إلى هذا الحد غير المسبوق.
كانت طهران تراهن على استخدام اليمن منصة لتطويع السعودية وإيذائها، لكن الذي حدث أن إيران نجحت فقط في إلحاق أفدح الضرر بشعب اليمن الفقير، بفعل الحرب التي أشعلها الحوثيون، وهم عملاؤها الطائفيون في اليمن بالشراكة مع المنظومة العسكرية والأمنية والسياسية المرتبطة بنظام المخلوع صالح.
جاءت مبادرة كيري لتضيف المزيد من الغموض على المشهد الضبابي الذي يسود اليمن بعد فشل مشاورات الكويت، ثم جاءت دعوته إلى وقف لإطلاق نار لمدة 72 ساعة لتضاعف الإحباط لدى المهتمين بسطوة أمريكا على مجرى الأحداث، خصوصا أنها لم تترك أي أثر على مواقف الأطراف، وإن كان أكثر طرف يحتاج الهدنة اليوم هم الانقلابيون، وليس الحكومة الشرعية والتحالف، وربما كانوا هم وراء الدعوة الأمريكية إلى وقف جديد لإطلاق النار في اليمن.
فالسعودية، تمضي قدما في خطة دعم العمليات العسكرية على نحو يوحي بأن هذه العمليات تمضي إلى نهاياتها في صنعاء.
لكن الحقيقة أن السعودية لا تخوض الحرب في اليمن دون تنسيق مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه لا يبدو أن أمريكا تتخلى عن الحوثيين الذين دعمت خطتهم العسكرية لتقويض المرحلة الانتقالية، أملا في الحصول على شريك فعال لمحاربة القاعدة.
فالعمليات العسكرية التي تجري في صرواح، تخضع لإشراف عسكري عملياتي مباشر من قادة عسكريين إماراتيين، ولهذا الأمر دلالته من أوجه عدة، فمن جهة يقدم تطمينات كافية للأمريكيين بأن العملية العسكرية تخضع للمعايير المعتمدة من جانب واشنطن وتتوخى الأهداف نفسها.
ومن جهة تمثل صرواح أحد المحاور المهمة للتقدم صوب صنعاء، إلى جانب أن تأمينها سيوفر عمقا استراتيجيا لمأرب، حيث توجد قواعد عسكرية للشرعية والتحالف، وتحد من مدى الصواريخ التي يطلقها الانقلابيون على مأرب، وهذا سيجعل من التقدم صوب صنعاء عملية محسوبة بدقة ومضبوطة على إيقاع الأهداف الأيديولوجية للتحالف في المقام الأول.
فالقيادة العسكرية الإماراتية للعمليات العسكرية في صرواح لا توفر ضمانات كافية للمقاتلين في صفوف الشرعية، بأن الهدف هو القضاء على خصمهم، بقدر ما تنطوي على نية الضغط من جانب التحالف لحمل الانقلابيين للقبول بتسوية تتوفر على ما يكفي من الضمانات لأمن المملكة والمنطقة.
وهذا يعني أن مخطط استعادة الدولة والعاصمة قد يحمل الملامح نفسها، التي تجلت في العمليات اللاحقة لاستعادة عدن وقاعدة العند والمكلا وبقية المحافظات الجنوبية، وهي ملامح سيئة للغاية وإقصائية وتفكيكية.
مصدر الانزعاج الشديد الذي يشعر به النظام الإيراني، يأتي من مظاهر التودد الذي أظهرته إدارة أوباما تجاه الرياض، على أكثر من صعيد، والذي بدأ يأخذ صورة المباركة للخطوات العسكرية السعودية في اليمن، وهذا يعني أن العودة إلى مائدة المشاورات هي اليوم أشد صعوبة من الحسم العسكري نفسه، خصوصا أن ردود الأفعال الآتية من الطرف الانقلابي باتت بالعيار المنفلت نفسه للخطاب الذي تصدره طهران.
فلأول مرة تتبنى وسائل الإعلام الموالية للمخلوع صالح التسمية الإيرانية للخليج العربي، وهذا واحد من الأمثلة على التصعيد اليائس من جانب المخلوع الذي ظل يتشدق بالشعارات الوطنية والعروبية طيلة الفترة الماضية.
كان واضحا أن مبادرة كيري لا تحمل الكثير من الخير لليمنيين، لأنها تستهدف بشكل واضح تقويض مرجعيات الحل السياسي، وتطيح تلقائيا بالسلطة الشرعية، وتضمن التمكين السياسي للحوثيين، إلا أنها مع ذلك تتضمن المزيد من إطلاق يد المملكة في اليمن من خلال الربط المباشر بين الحل السياسي في اليمن والاستقرار على الحدود الجنوبية للمملكة.
وما ينبغي التنويه إليه مجددا، هو أن ما يبدو أنه تفويض من جانب واشنطن للرياض، ليس منفصلا عن الحضور الإماراتي الذي يراهن عليه الأمريكيون ويشعرون بالثقة حياله، بالنظر إلى تطابق الأهداف بين واشنطن وأبو ظبي حيال الأولويات في اليمن، مضافا إليها الرغبة الإماراتية الملحة في استئصال من تصفهم الإخوان المسلمين، مقابل حالة من عدم الحساسية تجاه الحوثيين والمخلوع صالح كذلك.
* عربي21