رموزنا اليوم هم علي خامنئي وأيمن الظواهري.
مأساة ألا يكون لنا رموز، لكن الكارثة أن يكون هؤلاء هم رموزنا.
أن يتحدث هؤلاء باسم السماء، وأن يعلن وزير العدل الإيراني – قبل أيام - أن "أحكام خامنئي هي أحكام الله". أن يكون مثل الظواهري حاملاً لختم النبوة يوقع به عن نبي الإسلام.
يا لتعاسة هذا المؤتمر الصحفي المزيف الذي يحتشد على المايكات فيه حسن نصر الله وأبوبكر البغدادي.
إنها حفلة "زار" يخرج منظموها من أغلفة الكتب القديمة المهترئة.
إنها شاشة مرعبة ينسل نجومها من غبار "صِفّين".
الجمهور – الليلة - يحضر حفلة أعدت له بعناية فائقة، من أجل تنويمه مغناطيسياً ليتقبل فكرة أن أمثال "أبو حمزة"، و "أبو الكرّار"، يمكن أن يكونا مسيحين مخلّصين، أو على أقل تقدير مهديين قادمين.
تصوروا أننا في زمن يهتم لانتهازي كبير مثل علي خامنئي، يراكم السلطات والثروات، ويعرض عن مفكر كبير مثل علي شريعتي، راكم الأفكار والاجتهادات.
زمن يسمع لأيمن الظواهري ولا يسمع عن جمال الدين الأفغاني.
تصوروا أننا في زمن يحتشد الملايين فيه لأفّاقين سياسيين ودينيين، فيما لا يؤبه لرحيل مثل أحمد زويل.
يحدث أن يكون الجمهور كارثتة عندما يتحول إلى قطيع.
كان أحد الرؤساء الأمريكيين يقول لمستشاره الانتخابي، وهو ينوي الترشح مرة أخرى للانتخابات: أخشى ألا نحصل على ما نريد !
رد المستشار: لا تقلق، العقال سيصوتون لك.
عض الرئيس على شفته، قائلاً: لكني أحتاج الأغلبية.
خذوا المزيد:
الجمهور رجم الغزالي ومولانا جلال الدين بالحجارة.
الماوردي لملم أطرافه وانزوى.
توارى الجُنيد في الأزقة الخلفية لبغداد.
وأبو حنيفة النعمان لم يعد إمام المسلمين.
ابن رشد أحرقنا كتبه، وقمنا نرقص على رماد أفكاره التي أضاءت أوروبا كلها عبر الأندلس.
"أفيروس" العظيم الذي توجد تماثيله وكتبه وأفكاره كذلك في مدن أوروبية وأكاديميات مختلفة حول العالم، غير موجود بيننا !
تعرفون من هو "أفيروس"، إنها التسمية الغربية لـ"ابن رشد"، الذي استوردت أوروبا أفكاره من الأندلس، وتحرك في ضوئها مارتن لوثر كينغ، المصلح الديني المسيحي، ومؤسس حركة الاحتجاج البروتستانتية، التي تحولت فيما بعد إلى مذهب ديني كبير رفض كهنوت الكنيسة الكاثوليكية، قبل أن يتحول للأسف مع الزمن إلى نسخة مما ثار ضده.
ينتاب المرء شعور بالعجز، بالقهر، بطعم مالح، وهو يرى أمة كاملة تم حصرها في الزاوية، وأرغمت على أن تختار بين "فقهاء السلاطين"، و "فقهاء الأحزاب". بين فتوى "وجوب طاعة ولي الأمر"، وفتوى "وجوب الخروج عليه". فيما "ولي الأمر" لم يصل إلى "الأمر" برضانا لنطيعه، ولم نقدم نحن بديلاً له لكي نخرج عليه.
الطريق طويل، والمعاناة ستكون روحية وفكرية ومادية إلى أن يصل هذا السندباد المسلم إلى الشاطئ، وهو واصل لا محالة.
واصل بإذن الله.