لم يفهم الانقلابيون في اليمن لغة الحوار، وفضلوا الاستمرار في لعبة الخيارات العسكرية، وهي لعبة لن يجني منها الشعب سوى المزيد من الآلام والجراح، وبخاصة أن البلاد شهدت دماراً هائلاً في كل مناحي الحياة، وعلى وجه خاص الاقتصاد الذي بدأ ينعكس بشكل سلبي على ملايين اليمنيين.
المغامرة التي أقدم الانقلابيون على السير فيها لم ولن تنتج سوى المزيد من المآسي وانتشار الفوضى، وما لم يحتكموا إلى العقل والمنطق، فإن حجم الدمار سيتسع أكثر وأكثر.
بعد الانتهاء من مشاورات الكويت مطلع الشهر الجاري، اتضح أن أحلام اليمنيين في إنجاز اتفاق سلام شامل قد تبخرت، فالانقلابيون رفضوا الخيارات التي طرحت أمامهم من أجل تجاوز عقبة الحل السياسي قبل الحل الأمني، لأنهم كانوا يتجاوزون عملياً قرارات الأمم المتحدة، بخاصة القرار 2216، الذي يدعو صراحة إلى انسحاب الميليشيات من المدن وتسليم السلاح وإنهاء الانقلاب الذي تمخض عن سيطرة جماعة الحوثي بمساعدة كاملة من علي عبدالله صالح، على العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2014، وهو الانقلاب الذي نسف نتائج مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد لنحو عام، وكان الحوثيون وصالح مشاركين فيه وموافقين على كل ما أسفر عنه.
لا يبدو أن الانقلابيين استفادوا من الفرص التي أتيحت لهم أثناء الحوارات في الكويت، ولم يستفيدوا من المرونة التي تعامل بها معهم الكثير من القوى العربية والغربية، أملاً في تليين موقفهم لصالح السلام، بل إن ذلك زادهم غروراً واعتقدوا أن مفاتيح الحلول صارت في أيديهم وحدهم.
اليوم وبعد انتهاء مشاورات الكويت، لجأ الانقلابيون إلى حيل أخرى، من بينها تشكيل مجلس سياسي مشترك بينهم، يضم جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو «المجلس السياسي»، الذي تقاسموه مناصفة، ليكون بديلاً للجنة الثورية العليا التي شكلها الحوثيون في شهر فبراير/ شباط من العام 2015.
الخيارات العسكرية، تبدو الأخيرة بالنسبة للشرعية بعد أن استنفدت كل الخيارات الأخرى، التي تم وضعها على طاولات المباحثات في جنيف والكويت والرياض، إذ ظل تعنت الحوثيين وجماعة علي عبدالله صالح مرافقاً لكل الجهود التي بذلتها القوى الإقليمية والدولية بهدف إنهاء الانقلاب الذي غير مجرى حياة اليمنيين، وأدخل البلاد في مغامرات مجهولة العواقب، بدءاً باحتلال العاصمة صنعاء وحصار الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي اضطر إلى طلب العون من أشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي؛ لإنهاء الانقلاب وإعادة الشرعية إلى البلاد، حتى لا يدخل اليمن في فتنة مذهبية، كما حدث في بلدان عربية عدة.
وباختصار فإن غياب لغة السلام من قاموس الانقلابيين قد فتح المجال أمام الخيار العسكري الذي حاولت الشرعية اليمنية تجنبه قدر الإمكان، حفاظاً على حياة الناس ووحدة البلاد التي تتهددها مخاطر نزعة الانقلابيين لجرها إلى مستنقع الفوضى.