صحيح أن عملية "طوفان الأقصى" كسرت شوكة العدو الإسرائيلي وحطمت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأيقظت القضية الفلسطينية في قلوب ووجدان الملايين حول العالم، حيث انتقلت من إطارها الفلسطيني والعربي إلى إطار إنساني ودولي أوسع. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف سيتم استيعاب نتائج هذا الكفاح البطولي على المستوى الفلسطيني الداخلي. إذ لا يوجد حتى الآن أي أفق فلسطيني واضح لاستثمار هذه المكاسب على أرض الواقع، سواء في "غزة" التي تشهد الكفاح المباشر، أو "الضفة" حيث السلطة الفلسطينية، أو القدس، أو حتى داخل أراضي 48، نظرا الى ان القضية الفلسطينية ما زالت محاصرة بين احتلال طويل الأمد، وتعقيدات النظام العربي، واتفاقيات السلام التي تقيد إمكانية التحرك بحرية.
في ظل هذا الوضع الفلسطيني الداخلي المتأزم، تبدو الآفاق الخارجية أكثر قدرة على استيعاب نتائج الكفاح الفلسطيني، ولكن لصالح أطراف أخرى لا ترتبط مباشرة بالقضية الفلسطينية، وعلى رأس هذه الأطراف تأتي "إيران"، التي تستعد لاستغلال الوضع الحالي في غزة لجني المكاسب السياسية.
إن الاحتكاك الحالي المباشر بين إيران والكيان الإسرائيلي، وما سبقه من تبادل الضربات بين الطرفين، يشير إلى أن كلاً منهما يسعى إلى تجنب الانجرار إلى حرب شاملة. وبالنظر إلى توازن القوى بينهما، وتأثير الانتخابات الأمريكية المقبلة، وحاجة دول المنطقة إلى الاستقرار، قد نشهد اتخاذ تدابير تحجم من حجم الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران، وهذا قد يفتح الباب أمام حوار غير مباشر بين الطرفين يؤدي إلى تقاسم معادلة الأمن الإقليمي، ولكن على حساب الحقوق العربية واستحقاقات قيام الدولة الفلسطينية، هذا هو ما تسعى إليه إيران الآن وتتحرك من أجله، وهو موضوع لا يزال محل جدل داخل إسرائيل ولم يُحسم بعد.
مع ذلك، يظل الأمل قائماً – إلى درجة اليقين – أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة، مع دعم الشعوب العربية والضمير العالمي، سيفتح الآفاق المغلقة، مؤدياً إلى حتميات حرب تحرير حقيقية. هذه الحرب قد تنطلق بأفق عربي شامل ومتكامل، أو ربما تؤدي إلى مشروع سلام جديد، مختلف عن السابق بأدواته وأطرافه وأهدافه النضالية، وهذا يتطلب تفكيراً عميقاً ودراسة جادة ومستنيرة لتبني مشروع "طوفان الأقصى التحرري" وتوسيعه ليشمل كل مبادرات ومشاريع وحركات التحرير الفلسطينية، مع ضرورة فك ارتباطه بالمشروع الإيراني.
لقد أثبتت الأحداث أن هذا المشروع لا يزال مستعصياً بعد عام كامل من الحرب، ولا يزال يتمتع بحضور شعبي ضاغط يؤهله لأن يكون وسيلة كفاحية فعالة يمكن أن تسهم في تمرير مشروع الدولة الفلسطينية ولو بطرق غير مباشرة، كونه مشروعا فلسطينيا خالصا ومرتبطا بالأرض المحتلة، ولا يمكن فصله عن النضال الفلسطيني العام، وسيبقى هذا المشروع مستمراً ما دام الاحتلال قائماً، ولن ينتهي إلا بزوال الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية.
*من حائط الكاتب على فيسبوك