مضت أكثر من عشر سنوات، وقيادة الشرعية ومجتمع الإقليم، ومعه دول عالمية كبرى، يخطبون ود جماعة مارقة مهووسة بالـ ـدم والانتهاكات.
حان الوقت لتجريب وسائل أخرى. في كل وقت، كانت الجماعة تقدّم دلائل يومية على الطريق الذي سلكته والفكر الـ ـسلالي الذي خلفته لقطعانها؛ لذا تبدو أية دعوة للسلام موجهة لها فاقدة للحصافة والمنطق، مهما بدت مغلفة باعتبارات وإيماءات النظر إلى المشهد الإقليمي السيئ.
الـ ـمليشيا لا تعرف لغة مثل هذه، ولا تحمل بذرة سلام في كافة تفاصيل تكوينها، كما لا يوجد في قاموسها سوى لغة البجاحة والقوة.
يدرك الحوثيون أن قيمة وجودهم وتوسعهم اعتمد على منهج القوة المفرطة والقمع الممنهج للمعارضين، ولهذا يدركون جيدا أن لا حاضنة شعبية تحتويهم، سوى جغرافيا صغيرة ومنعزلة في بعض مناطق شمال الشمال.
خلال الأيام الماضية، دللت الاحتفالات الشعبية غير المسبوقة بذكرى ثورة 26 سبتمبر، مثل كل مرة، على هذا المنحى والحقيقة.
ثمة شيء آخر ويقين مدرك أن النتائج في مناطق السيطرة، والمحكومة بالحديد والنار، مريعة وقابلة للانفجار في أي لحظة، وأن الصمت ثمنه لغة أخرى غير التنمية والخبز.
جماعة ليس لها بُعد نظر خارج سياقها، ولهذا، لا يبدو أن ما حدث لحـ ـزب الله مثال جيد ولا مؤشر للقياس.
كان الحزب جيبا خالصا لطهران، لكنه لم يستمع للنصائح المقدمة له على مدى عقود، لكي يكون لبنانيا وجبهة للمقاومة، مفضلا السير حتى النهاية في فلك إيران.
البذرة الحوثية مختلفة، ومؤسسة قبل وجود حـ ـزب الله وإيران ذاتها، وهي قائمة على العنف والحروب، ولم تكن يوما جبهة إيرانية متقدمة.
لقد توسعت البذرة الخبيثة والكامنة في لحظات غدر ومؤامرات ومكايدات نخب عديمة النظر.
أية خطورة وتداعيات في المشهد الإقليمي، مهما بدت نتائجها مأساوية، لن تؤخذ كعظة واعتبار لتغيير منهج القوة والقمع.
الواقع أننا تأخرنا كثيرا في اغتنام الفرص العديدة لمواجهة هذه الجماعة، ومنع توغلها في حياتنا، ونحن إذ نفعل ذلك لا يزال البعض منا يقدم تصورات غير واقعية عن إمكانية جنوحها للسلام والتوافق.
منذ اللحظة الأولى في دماج، كانت المواجهة تقتضي تفعيل الردع العسكري، خاصة وهناك مؤتمر وطني جامع برعاية أممية.
شارك الرئيس السابق هادي وقيادات عسكرية وسياسية وازنة في تخدير الصف الوطني بعبارات مطاطية عن سيف السلم في المواجهة، وعن ترك المليشيا تأخذ انتفاشتها كحالة طبيعية، ومن ثم جبرها بإلزامية نتائج مؤتمر الحوار.
للأسف، النتائج كما ترونها الآن، فكل المؤشرات تؤكد أننا أمام مواجهة مكلفة وإجبارية طال الزمان أو قصر، لكنها حرب اللامفر.
قد نحتاج إلى جهود دبلوماسية، أو وقت آخر لنضوج ظروف متغيرة، تقبل بالدعم والمساندة.
وربما لسنا بحاجة إلى أكثر من تحييد مساحة المواجهة على الأقل، بعد أن كانت جهات إقليمية ودولية قاطرة المؤامرة لبلوغنا هذه اللحظات.
نقدّر أيضا جيدا أن اللحظة ناضجة بما فيه الكفاية، وبالذات أن الجماعة الغاشمة تقدم شبه أسبوعيا شواهد ودلائل لمخاطر بقائها قنبلة موقوتة لتهديد دول الجوار والملاحة الدولية.
مؤسف أن نصل إلى هذه النتيجة المحتمة في بلد يعاني من الحروب والأزمات، لكنها كما قلنا "حرب اللا مفر"، أمام جماعة شر محض واستنفدت كل طرق الخير والسلام.