في منتصف هذا الأسبوع، قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي (سلطة شرعية) الدكتور رشاد العليمي بزيارة إلى محافظة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن والمشرفة على مضيق باب المندب، هي الأولى من نوعها لرئيس يمني إلى هذه المحافظة المتشبثة بالجوهر الأصيل للجمهورية اليمنية الموحدة، التي تحيكُ قوى دولية وإقليمية مؤامرة واضحة لطمسها وتفكيكها، عبر مسار طويل وشاق ومراوغ من التطبيع مع الفوضى والانقسام، في بلد يكاد يتحول إلى ساحة صراع منسية تُفككُ أواصرَ الكتلة السكانية الأكبر في شبه الجزيرة العربية.
أخرجت تعز أعظم ما لديها من الولاء للدولة اليمنية ولرأس سلطتها الذي ينتمي إلى هذه المحافظة باعتبارها مسقط رأسه، عبر طوابير طويلة من المستقبلين، في مشهد لم تعشه تعز منذ وقت طويل.
كان يجب على الرئيس أن يغامر في إظهار العمق الأمني الذي توفره تعز له ولرفاقه ليس بقوة السلاح فقط؛ بل بهذه المشاعر الصادقة والمؤمنة باليمن ونظامه الجمهوري. ومع ذلك اضطر الرئيس لأن يقوم بزيارته المتأخرة لمحافظته مخفرا بقوات سعودية، وهو يعلم أن المقاومة والجيش الوطني استطاعا خلال سنوات الحرب تأمين هذه الجزء الغالي محررا من المشروع الإمامي الطائفي، وأن تعز كانت هي المدد الرئيس للمقاتلين في معركة فك الحصار عن مدينة صنعاء والدفاع عن الجمهورية ضد القوات الإمامية التي كانت تحاصر المدينة في ستينيات القرن الماضي، عندما تكالب على الثورة الوليدة آنذاك أعداء كُثر، كان الكيان الصهيوني أحدهم.
أكثر ما أُخذ على زيارة الرئيس هي الترتيبات الأمنية التي طغى عليها التفكير ببعد واحد، هو حماية الرئيس ورفاقه، حيث أظهرت هذه الترتيباتُ الرئيسَ واثنين من رفاقه في مجلس القيادة -وثلاثتهم يتشاركون بإخلاص حب محافظة تعز- في وضعية أمنية مثيرة للشفقة وسط بحر هادر من المرحبين بزيارتهم والمتطلعين إلى أن تدشن هذه الزيارة عهدا جديدا من نفوذ الدولة أكثر ما أُخذ على زيارة الرئيس هي الترتيبات الأمنية التي طغى عليها التفكير ببعد واحد، هو حماية الرئيس ورفاقه، حيث أظهرت هذه الترتيباتُ الرئيسَ واثنين من رفاقه في مجلس القيادة -وثلاثتهم يتشاركون بإخلاص حب محافظة تعز- في وضعية أمنية مثيرة للشفقة وسط بحر هادر من المرحبين بزيارتهم والمتطلعين إلى أن تدشن هذه الزيارة عهدا جديدا من نفوذ الدولة؛ الذي يقع تحت طائلة فوضى هائلة من التهديدات من قبل مليشيات المشروع الانفصالي المتحكمة بالعاصمة السياسية المؤقتة، عدن.
كان لافتا غياب عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق محمد عبد الله صالح، القريب من الإمارات، والذي استأثر بالجزء الاستراتيجي المفيد من محافظة تعز (الساحل الغربي وباب المندب)، وهو حضور كان سيبدو مفيدا للغاية لتأكيد أن الرئيس ومعه أربعة من أعضاء المجلس الرئاسي (يضاف إليهم اللواء سلطان العرادة) يقفون على أرضية واحدة، والأهم من ذلك كانت ستؤكد مدى الاحترام الذي يظهره العميد طارق للوحدة الجغرافية لمحافظة تعز.
عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، وفي توقيت ينطوي على رغبة في التصادم مع المد المعنوي الذي أنتجته زيارة الرئيس لأكثر محافظات اليمن سكانا، أصدر بصفته رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، قرارا قضى بتكليف عبد الرحمن المحرمي (عضو مجلس القيادة الرئاسي)، قائدا عاما للقوات الجنوبية ومكافحة الإرهاب، في مسعى يهدف في جزء منه إلى لملمة المشهد الأمني المضطرب في مناطق نفوذ المجلس الانتقالي بسبب الكوارث التي تسبب بها النشاط الإجرامي لوحدات ما تسمى "مكافحة الإرهاب" (لا علاقة لها بالدولة اليمنية)، من قتل وتغييب وتعذيب تطال شخصيات وقيادات جنوبية.
لكن الرسالة السياسية لهذا الإجراء الانفصالي واضحةٌ، إذ يريد إثبات أن الأرضية ليست مستوية أمام اللاعب الرئيس في المسرح اليمني (السعودية)، فثمة دول أخرى بدأت تتصرف بعدوانية تجاه الترتيبات السعودية، وهو أمر ينعكس بشكل خطير على الوضع في اليمن ويكرس حالة الفوضى والانقسام، ويضفي على نحو متزايد نوعا من الصلابة على المشروع الإمامي (الشيعي) شمالا، والمشروع الانفصالي جنوبا.
وثمة تطور لافت في أجندة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبيرج، بعد أن تبين أن جولته الأخيرة في كل من مسقط وعدن، لم تهتم سوى بقضية المختطفين من موظفي الأمم المتحدة والسفارات الغربية في صنعاء، مقترنة بتصريحات مركزة حول سلوك الحوثيين، وهو منحى غير مسبوق في تصريحات المبعوث وإحاطاته أمام مجلس الأمن الدولي.
وعلى الرغم مما يوفره التركيز الأممي على السلوك العدواني للحوثيين ضد مختلف شرائح المجتمع، ثمة مخاوف بأن تتحول هذه القضية إلى مطلب وحيد وربما أخير من هذه الجماعة التي تفرض سلطتها على الجزء الشمالي الغربي من اليمن، حيث تتركز معظم الكتلة السكانية للبلاد، بعد أن تراجع خيار العودة إلى حرب شاملة وانحسرت أجندة خارطة الطريق إلى تفاهمات تتركز حول تثبيت المكاسب غير المشروعة للحوثيين.
ولأن السعودية لم تظهر حتى الآن جدية في ترميم المعسكر الذي يهيمن على الشرعية المعترف بها دوليا، فإنها بإصرارها على المضي في التفاوض الثنائي الصريح مع الحوثيين حول خارطة الطريق لإنهاء الحرب بدون تأثير واضح وأصيل للسلطة الشرعية، تساهم أيضا على نحو خطير في تكريس الفوضى والانقسام، حتى لتبدو التحركات عالية المستوى لرئيس مجلس القيادة الرئاسي وعدد من أعضاء المجلس في الجغرافيا اليمنية، مجرد مناورة سياسية ترقى إلى مستوى الخديعة الكاملة للشعب اليمني.
*نقلا عن عربي21