الفزع في عيون السعوديين عقب الغارات الإسرائيلية على ميناء الحديدة لا يمكن إخطاؤه ولا مداراته ببعض تصريحات، وتغريدات تهوِّن من خطورة التصعيد في المنطقة.
هكذا فهمت السعودية الرسالة، كما يبدو: ليس للحوثيين من جدار قريب يفرغون عليه غضبهم وجنونهم، سوى جارتهم الشمالية، ولسان حالهم، يقول: تل أبيب أبعد، والرياض أقرب.
كما أن تصاعد ألسنة اللهب والدخان من الميناء أثار الذاكرة السعودية عن هجمات مماثلة في "أرامكو" و"أبقيق".
وبلغة مهزوزة ومذعورة، سارع المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودي، تركي المالكي، إلى نفي علاقة بلاده بالهجوم، أو السماح بعبور الطائرات فوق أجواء المملكة لأي جهة كانت.
من حقه الفزع والرد؛ لأن الحوثيين، خلال الأونة الأخيرة، لا يفوّتون فرصة إلا ويهددون السعودية بالعواقب، رغم انسحابها المُذل من المواجهة.
ومع الدلال غير المسبوق، ورغم محاولات التحوّل إلى وسيط، يتوعّد الحوثيون، في خطاباتهم، دائما السعودية بالعواقب السيِّئة.
الحال واضحة جدا. لا تستطيع الرياض الانسحاب من فاتورة الحرب المدمّرة في البلاد.
ثمة دماء وخراب، وجرائم حرب، لا بُد أن تدفعها عاجلا أو آجلا حتى بعيدا عن حساباتها مع الحوثيين، لهذا ستظل عُرضة لابتزازهم في كل مرَّة.
ومن سُوء الطالع، أنه بينما تحاول السعودية الانسحاب والانفراد بصفقة بعيدة عن مصالح الشعب اليمني، فجَّر الحوثيون مواجهات عبر البحار، وفي خطوط الملاحة الدٍولية، لينهوا بذلك آمالها الخائبة بالسلام والأمن الدائمين.
تخطئ السعودية مرارا حين تعتقد بأن الطريق إلى الحوثيين يمر فقط عبر طهران؛ صحيح أنهم وكلاء لها في المنطقة، ضمن وكلاء آخرين، لكن لهم استقلاليتهم الواضحة، مقارنة مع بقية الوكلاء في العراق وسوريا ولبنان.
أولئك وكلاء رسميون، وهولاء وكلاء متمرّدون على الطاعة الإيرانية، أو بعيدون عن حساباتها الدقيقة.
تتصرّف جماعة الحوثي بجنون غير مسبوق في المنطقة، وبعيدة عن حسابات السياسة الوازنة، تبدو كجماعة وِجدت لأجل الحرب، وبعيدة عن خسائرها.
لديها كل المُمكنات لابتزاز السعودية مرات ومرات عديدة، ليس فقط عند التفاهمات المباشرة معها، بل وفي مفاوضات الحل المعقّد في اليمن.
لدينا مجلس رئاسي وحكومة مستلبة القرار، وهي الثغرة التي يدركها الحوثيون جيّدا، وسيتوجّهون بالابتزاز إلى الرياض، كلما ألمّت بهم ظروف المواجهات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
اتركوا بقية التحدّيات التي يمكن أن تعثر المملكة، وهي واضحة للعيان بعد إحاطتها بنيران الطائفية من كل الجهات.
ما تواجهه من خاصرتها الجنوبية الرخوة تحديدا مختلف عن كل التحدّيات التي واجهتها منذ عقود.
كانت السعودية تواجه دولا وجيوشا شبه نظامية، وبأسلحة تقليدية، التفوّق فيها لمن يمتلك صفقات السلاح المتقدّم.
وفيما أرهقت خزينتها بالصفقات، بإمكان طائرة مسيّرة اليوم الوصول إلى هدفها في منشآت النفط، وتركيعها حد السجود والتسليم بكافة الطلبات.
من الداخل، تبدو السعودية مستقرة وآمنة الآن، لكن منطقتها الشرقية لديها سوابق اضطرابات طائفية، وهو ما يتوافق مع التهديدات الخارجية المحيطة.
في اليمن، تردد على مسامعنا، منذ سنوات، قصص كثيرة حول التعايش بين الزيدية والشافعية، حتى بدا أنه من شبه المستحيلات انفجار الأوضاع إلى مثل ما نشاهده اليوم.
وفي السعودية، من يدري أنه بمجرد هبّة بسيطة من الاضطراب يمكن أن تنفجر بقية الألغام الكامنة، وتنفرط عقد التقسيمات المولِّدة للصراع.
حينها ربما يدرك قادة المملكة المعنى الأليم لوصيّة الملك المؤسس، التي يقال إنه أوصاها لأبنائه على فراش المرض: [رخاؤهم يكمن في أذيّة اليمن].