يمر المشروع الوطني اليمني بأزمة عميقة:
أزمة قيادة، أزمة هوية، ثم أزمة انقسام، حتى وصل المشروع الوطني إلى طريق مسدود، مما أثر على الحقوق الوطنية، فنحن مازلنا نتذكر الثورة التي أحدثها عبد العزيز جباري وصالح الجبواني وأحمد الميسري حينما رفضوا التماهي مع التحالف في سعيه لتفكيك الشرعية، وكذلك ما أحدثه بيان بن دغر وجباري، وما تلا ذلك من حديث عن قرب بزوغ جبهة وطنية عابرة للأحزاب وحاملة للمشروع الوطني، إلا أن كل ذلك لم ير النور حتى يومنا هذا .
ولست بحاجة للقول، إن مصير الشعوب لا يتوقف على النوايا ولا الاعتماد على رضى الخارج عن المنظومة السياسية، لكنه يرتبط بمدى إيمان النخب السياسية والفكرية بالقيم الوطنية واستعدادها للتضحية لأجلها، لذلك نجد أن هزائم وفشل الأحزاب والنخب اليمنية الراهنة قد عطلت الحراك الشعبي وقمعت الوعي بعملية التغيير .
وتأسيسا على تفريط النخب السياسية والفكرية بحمل المشروع الوطني، أدى ذلك إلى تفريط مؤسسات النظام السياسي الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية بدورها في الدفاع عن الوطن والمواطن ضد التهديدات الخارجية والداخلية وفرطت في الترابط الاجتماعي .
نستطيع القول، إن الفشل القائم والتيه السائد على مستوى كافة الأحزاب والنخب سببه يعود إلى غياب الرؤية وغياب المشروع الوطني حول مفهوم القرار الوطني والسيادة والوحدة الوطنية، كل ذلك جعل الجميع يتصارعون على سلطة وهمية، وجعل البعض يقود معركته في اتجاه واحد وهو إسقاط انقلاب صنعاء دون انقلاب عدن، والبعض الآخر يريد إسقاط انقلاب عدن دون انقلاب صنعاء .
ومن كل ما سبق، يتضح لنا أن الجميع لا يملكون مشروعا وطنيا، لا أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة ولا الذين يزعمون أنهم غير راضين عن الوضع، والجميع ينتظرون من الخارج إما أن يدعمهم لفرض مشروعهم أو يقدم لهم حلا لمشاكلهم ونزاعهم فيما بينهم .
خلاصة القول، إنه لا يوجد مشروعا أو برنامجا وطنيا، بالرغم من وجود أكثر من عشرة أحزاب وفصيل، البعض منهم يملكون مليشيات مسلحة، لكنهم لا يملكون مشروعا وطنيا ويبررون قتالهم بأنه من أجل المشروع الوطني .
لا يستطيع أحد أن يزعم بأنه يملك مشروعا وطنيا، لأنه لا يستطيع أن يقول لنا ماهو هذا المشروع، فهل هو الذي يتحدث عنه الحوثيون أم الانتقالي أم مشروع الساحل أو هو مشروع درع الوطن أم مشروع العمالقة أم مشروع الصامتين الذين يزعمون أنهم أصحاب الثورة والرفض وأصحاب المواقف النظرية التي لم تترجم عمليا ولا ميدانيا .
ولهذا فإن الشرعية في وضعها الحالي لم تعد مشروعا وطنيا ممثلا لكل الشعب اليمني، فقد أصبحت نقطة خلاف للأطراف المكونة لها، واستمرارها بهذه الكيفية سيؤدي إلى مزيد من ضياع ما تبقى من أرض وكرامة وطنية، فهل سنجد من يمتلك الشجاعة للتعبير عن إيمانه بحق الشعب اليمني أن يعيش مثل بقية الشعوب الأخرى ويتقدم الصفوف لحمل راية الدفاع عن السيادة الجغرافية والشعبية ؟.