في المعارك المصيرية لا بد من استخدام كل ما تستطيع استخدامه من أدوات الدولة والمجتمع ، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة المالية والنقدية ، وخوض معركة الخدمات الاجتماعية بما يجسد الحرص على تعزيز روابط العلاقة بالمجتمع .
يخطئ كثيراً من يعتقد أن الاقتصاد محايد في المعارك الوطنية الكبرى ، ولذلك كان لا بد من التفكير بجدية في استخدامه في التصدي للانقلاب الحوثي على الدولة .
من منا لا يدرك أن مساحة الانقلاب الحوثي قد اتسعت لتشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية والنقدية ، وحتى الهوية فإنه يجري إعادة بنائها في الوعي المجتمعي بمفاهيم فوضوية تجند "الإيمان" لإخماد اليمن في صياغة عنصرية لمضمون الهوية ، وهذا يعني أن الحوثيين استهدفوا بانقلابهم ، سيء الصيت ، إعادة تشكيل وبناء كل عناصر منظومة الحياة وفقاً لمفاهيم مغلقة عليهم وعلى ايديولوجيتهم ، الأمر الذي يتطلب بالمقابل توسيع المعركة لتشمل كل هذه الميادين .
البنك المركزي بما يقوم به من وظيفة مركزية ، وبما يمتلكه من أدوات مالية ونقدية هامة ، فإنه يعد عنصراً هاماً في معادلة هذه المعركة ، وهو وإن تأخر في استخدام الأدوات الفاعلة فيها فربما لأن ذلك كان بسبب ظروف خارجية غير مواتية ، وكذلك تقديراً منه لعدم إلحاق الضرر بقطاع واسع من الأعمال والانشطة التجارية والبنكية ، ناهيك عن مصالح المودعين ، على الرغم من إصرار الحوثيين المستمر على اللعب السياسي بالسياسات المالية والنقدية واستخدامها كعنصر رئيسي في تكريس إنقلابها على الدولة وتجذيره في البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع ، وكان من ضمنها اتباع سياسة نقدية ومالية استفادت منها جماعة الحوثي وأضرت بالاقتصاد ، وكان آخرها هو إصدار العملة النقدية المعدنية في خطوة فوضوية مصرة على تصفية معالم الدولة وتكريس الانقلاب كأمر واقع .
اليوم ، وقد اتخذ البنك المركزي في عدن هذه الخطوات النقدية والمصرفية ، كتأكيد على أن الدفاع عن سيادة الدولة في أمور لا يجب التنازل عنها إنما هو جزء أصيل من معركة استعادة الدولة ، فإنه لا بد من إمعان النظر في حقيقة أن العالم الذي دعم هذه الخطوة وتفاعل معها قد سئم من مناورات الحوثي ورفضه لانهاء الحرب والقبول بعملية السلام ، وهو ما يعني أن هذا الأمر يفتح آفاقاً لتوسيع المعركة لم تكن متاحة من سابق بذريعة عدم تعقيد الحل السلمي .
كما أن الانتقال إلى هذا المستوى من المواجهة لا بد أن يدعم بخطة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وخدماتية شاملة تقوم على تغيير المعادلة على الارض .
إن إعادة تصحيح العلاقة بالمجتمع يعد من أهم الشروط الضرورية لتكوين أرضية صلبة للمعركة . ولا حاجة للمزيد من التأكيد على أهمية هذه المسألة في خلق معادلة جديدة من شأنها أن تحدث تغييراً جوهرياً في جغرافية المعركة ، فقيادة الدولة تدرك هذه الحقيقة ادراكاً لا غبار عليه ، وكل ما عليها هو أن تستخلص من واقع التجربة التي مرت بها ، ومما تتطلبه المتغيرات الجديدة ، إرادة سياسية قوية تتجاوز الصعوبات الحالية في صورها الموضوعية والذاتية ، ذلك أن الهشاشة التي ظهر بها الحوثي ،بعد توسيع المعركة على النحو الذي شهدناه خلال الايام الماضية ، لا تترك خياراً غير الاستمرار في التمسك بقيم الدولة وأدواتها لكسر هذا الصلف الذي دمر اليمن ويصر على وضعه خارج معادلة الحياة .