تعزيز العملية السياسية هو الضامن الحقيقي لإعادة بناء الدولة اليمنية المنشودة بعد استعادتها من يد الانقلاب العنيف للمليشيا الحوثية ومن حالفها من مجموعة صالح .
اذ لا يمكن لليمنيين المضي في خطوات جدية لإعادة البناء لدولتهم دون وجود عملية سياسية تعتمد على مؤسسات قوية ومتجددة ومتماسكة ، وبالذات بعد المحاولات الحثيثة والممنهجة لمليشيا الحوثي السلالية المتجذرة في مشروع الإمامة لتدمير وتفكيك المؤسسات السياسية الفاعلة بشتى الوسائل ، وصولا إلى تمييع العملية السياسية وحرف مسارها كليا .
حتى المغالطات والمحاولات البائسة للمليشيا لانتهاج العمل السياسي والتعاطي معه كما هو قائم في مشاورات الكويت وما سبقها من محطات أبرزها مؤتمر الحوار الوطني ، كل ذلك ليس الا من قبيل اللعب والمكايدات والعبث ، ولعل العبور نحو هذا المسار والدخول فيه للمليشيا يفتقر لأدنى المعايير والأساسيات المتطلبة للعمل السياسي .
ان بقاء هذه الجماعة وحتى نشأتها ووضعها الحالي يصعب على أيا كان ان يرى في ذلك مؤشرات تدلل على توصيفها وتسميتها بالكيان السياسي أو المؤسسة السياسية وهي فاقدة لكل مقومات السياسة بداية بالشكل وانتهاء بالجوهر الذي تكشفه ممارسات الجماعة على كافة المستويات ، وأقل ما يمكن ان تصف به هو انها مجرد جماعة عنيفة متمردة تتنافى في تكوينها مع أية معايير وطنية ، ان لم يكن وصفها بالعصابة هو الأنسب .
لم تكتف المليشيا بما أحدثته بالوطن ودولته ومؤسساته من تدمير ونهب وافراغ من مضمونها ومكوناتها وحتى كادرها ، وما تزال تواصل مساعيها الكارثية بتدمير المؤسسات السياسية وتنخر في صفوفها لإرباكها وانهيارها من خلال الاختراقات السلالية والنفعية لها بداخل الأحزاب .
في الوقت الذي تحاول المليشيا الحوثية ومن لف لفها من المخدوعين والمنتفعين والأشرار الحاقدين تكرار الأخطاء والهمجية بحق الأحزاب السياسية اليوم ، لم تعتبر من الاخفاقات التي كانت مصير من سبقها بهذا الجانب .
لقد فشل علي صالح ومنظومة حكمة طوال السنوات الماضية في تحقيق حلمهم بتدمير البنى السياسية للأحزاب الفاعلة وتفريخها وازاحتها عن المشهد وبدرجة رئيسية الحزب الاشتراكي اليمني الذي نال النصيب الأوفر من الاستهداف وصل إلى تصفية العشرات من قيادات الصف الأول والثاني للحزب ومصادرة ممتلكاته ومقراته ووثائقه ومحاصرة نشاطه بشتى الوسائل بما فيها التعريض بالقتل بدعاوى وتهم دينية ظالمة ، مع كل ذلك الا ان الحزب الاشتراكي بقي ومازال حيا ومتجددا ويسهم بفاعلية كبيرة في كافة التحولات المتطلبة والمنشودة لليمن ، وما أحدثته الحروب الشعواء والملتوية التي شنها صالح ومنظومته المعزولة كان عكسيا وزاد من تماسك وصلابة الاشتراكي وقوة موقفة وصوابية رؤاه ونضج الأفكار والنهج الوطني المدني الذي يتبناه ، ولنا أمثلة كثيرة وشواهد حية للالتفاف الشعبي حول تلك الرؤى الاشتراكية .
منذ سيطرة المليشيا على البلاد عملت على انشاء مجموعة من المسميات أو ساهمت بذلك ورغم انها لا تتجاوز الشكليات فاقدة المضمون والجمهور الا انها تزعم تقديمها كأحزاب من ملحقاتها ، وذلك تقليدا للمسار المشابة الذي سار فيه صالح ومنظومتة مع أحزاب ما يسمى بالتحالف الوطني الملحقات بالمؤتمر شكلا ومضمونا .
وبالتزامن استخدمت المليشيا موفدوها السلاليون والمنتفعين الذين اخترقت بهم الأحزاب السياسية ، ورغم انعدام تأثيرهم على الأحزاب ومواقفها كمكونات سياسية جماهيرية على امتداد الوطن ، رمتهم وترميهم على الدوام للواجهة وبصورة انتهازية كاذبة لتعزز وهمها بتبعية سياسية خلفها أو معها ، وحين فشلت وتكشفت ضحالة خداعها تعمل حاليا على تغطية الوهم بوهم أخر من خلال تسويقات اعلامية بائسة لتفرعات وانشقاقات في بنية الأحزاب الفاعلة هنا وهناك ، ولعل مزاعم " اشتراكيون ضد العدوان " أحد ترهاتها .
لا نقلل من مخاطر ما تنتجه نزوات المليشيا واعتباطاتها بحق المؤسسات السياسية ، وهنا يتطلب الأمر الانتباه والحيطة لكي لا تنجح المليشيا السلالية والعصبوية في مسعاها القائم بهذا الاتجاه ، ومن المؤكد اذا ما ترك المجال مفتوحا لطيشانها بان مصيرها الفشل .
لم تعد الأحزاب السياسية بحاجة للمزيد من الغربلة والتقييم لأعضائها وقياداتها بعد ، ومن الواضح جيدا ان الأحداث والمحطات القريبة والحالية قد فرزت تماما وميزت ما بين الغث والسمين ولا داعي للتلكؤ والحسابات الهلامية المعقدة حتى تبت في شؤنها الداخلية وتتخذ المواقف والاجراءات المعتمدة في لوائحها وأنظمتها بحق من أخل ويخل بذلك على كل المستويات التنظيمية .
وباستثناء المؤتمر الذي نجحت المليشيا إلى حد لا يستهان به في تفكيكه واختراقه واستمالة كوادره وتنظيمهم طائفيا وعصبويا ، يظل البقية وبالذات الأحزاب الثلاثة الفاعلة والكبيرة في تكتل المشترك الاصلاح والاشتراكي والناصري أقل ضررا وأقوى تحصينا .