رأى صحافي عربي معروف أنه كلما أعتقد بأنه يعرف اليمن وأهله، أدرك أنه يجهله، برغم أنه يُعَدُّ من المشهود لهم بخبرة الاختصاص في الشؤون اليمنية.
ومنذ سنوات، ذهبتُ لزيارة صديق كان سفيراً لبلده في اليمن، وقد اعترف لي بأنه -رغم طول فترة إقامته وعمله في اليمن- سيخرج منها كما دخلها لأول مرة - يا مولاي كما ولدتني - لا يدري حقيقة ما يحدث فيها.
وحكى لي الكاتب المصري الكبير كامل زهيري أنه يعتقد بأن اليمنيين قوم من الجن!
وقول من هذا القبيل سمعته من لسان وزير ثقافة.
...
نحن - أبو يمن - لسنا موغلين في الغموض والأحاجي إلى درجة عصية على الفهم، ولسنا قوماً من الجن أو رهطاً من العفاريت، فقد يوحي بعض أفعالنا بشيء من الأولى، وبعض أشكالنا بشيء من الثانية، لكننا - في صُلب المقام وصلصال المشهد - أبسط من البساطة نفسها، وأطيب من الطيبة ذاتها، وأكثر آدمية من معظم شعوب المعمورة.
لكن مشكلتنا الحقيقية هي أن الله ابتلانا بنفر من الأوباش قُدّر لهم أن يحكمونا، فأوغلوا فينا نهشاً وبطشاً، حتى باتت أحوالنا على شاكلة المُسوخ!
...
لنا تاريخ ظل حبيس الماضي، على غير تاريخ غيرنا من الشعوب الذي امتدَّ دافقاً إلى الحاضر متدفقاً إلى المستقبل.
ولنا عقول لا تستطيع الإبداع أو العبقرة إلاَّ إذا انطلقت من إسار الوطن إلى خارجه، بحيث يمكنك الاعتقاد جازماً بأن العقل اليمني لا يصلح البتة للعمل في اليمن!
ولنا ثروات لا يتصورها بشر، في إمكانها إغراق أهل هذي البلاد في محيط من العسل يتدفق من جرار من ذهب، لكن فينا كائنات أسطورية لها قدرات سحرية على إحالة العسل إلى خل والذهب إلى روث.
...
أبتلانا الله بموقع طبيعي إستراتيجي يُغري الغُزاة ويُسيل لُعاب اللصوص، فاستحالت النعمة لدينا إلى نقمة، عدا الابتلاء بطعنة نجلاء ضربتنا في الخاصرة من جيران سُوء، وراح بعضنا ينهش في لحمنا لاختلاف في المِلَّة الصغرى، أو خلاف في العِلَّة الكبرى، وهي الحالة التي استطال داؤها، واستعصى دواؤها منذ أكثر من 14 قرناً، وانبرى بعضنا يشرب من دمنا بُغية انسلاخ يرومه عن اللُحمة، وانفصال ينشده عن الكلمة، واختلال في بُنيان الأُمة التي فُتَّ في عضدها، ونخر في كبدها سُمُّ الغُمَّة. ثم جاء بعضنا ليُقاتل بعضنا على شريعة استنكرها الله، واحتكرها الشيطان، فإذا بالفتنة حَلَبة مشهودة، وإذا بالفطنة طفلة موؤدة!
...
اليمن هي الملاك الذي لعنه الله وسخطه على هذه الصورة..
ولن يتلاشى أثر هذه اللعنة مادام هؤلاء الأوباش يحكموننا!
*نقلا عن قناة بلقيس