تستطيع أن تمسك القلم وتكتب عن أي شيء وفي أي شيء ، إلا عن أيوب طارش ، فهو ليس سيرة شعبية وحسب ، بل هو الحكاية والرواية ، هو التاريخ والجغرافيا ، هو الوطن بكل تاريخه وتضاريسه ، هو صوت اليمن الجمهوري وموحد اليمنيين بمختلف مشاربهم وألوان طيفهم ، لم ينحاز لجماعة أو حزب ، دغدغ المشاعر وحرك الأحاسيس وأيقظ أسراب الأحلام من سباتها ، عصر في كل أغنية من أغانيه روحه وقلبه ودمه وسكبها في كأس الوطن لترتوي منها الأرض والزراعة والمغترب والجندي والمسافر والمرأة العاشقة المتلهفة لعودة الحبيب .
جعل الفن رسالة وأبعده عن التكسب الرخيص ، شكل بأغانيه الوجدان اليمني وربطها بالناس داعيا إياهم إلى الاستقرار في الوطن وعدم هجره ، صادحا بصوته الشجي ، إرجع لحولك كم دعاك تسقي ورد الربيع من له سواك يجنيه ، كلما رأى حزينا تأكله الغربة سارع إليه مخففا من أحزانه مداعبا إياه ، طير إيش بك تشتكي قل لي مالك أنا مثلك غريب ، كلنا ذقنا هوانا واكتوينا باللهيب ، وإذا وجد حزينا أثقلته أحزانه وفر هاربا وذهب بعيدا وجدته يناديه ، يامن رحلت إلى بعيد قصر مسافات البعيد ، وهو لا ييأس من عودته ، ينتظره مملوءا بالحنين ، من ينزع الأشجان من قلبي وقلبك من يستطيع ؟!.
كانت أغاني أيوب جسرا من الأشواق والذكريات بين اليمني المغترب وبين وطنه ، يذكرنا دائما بالوفاء للوطن ويدعونا لتلبية نداء الوطن ، يكفي غربة ولوعة أحزان ، معبرا عن ذلك بكل أحاسيسه المجروحة ومشاعره الجياشة المحلقة فوق أعالي السحب متلهفا لفرحة اللقاء ، يطير بجناحين من حديد مفارقا أرضه التي شكلت صباه ، لا يدري إلى أي البلاد هو متجه ، لا يحمل في روحه سوى شوقه للنهر والرعيان والسواقي ، ولهفة فرحة التلاقي ، يشده صوت الزوجة المهجورة التي تتربص بها الذئاب وهي تردد ، في غيبتك ذيب الفلاة حائم ، على المواشي والبتول نايم ، وانت على الغربة تعيش هايم .
لا نبالغ إذا قلنا ، إن أيوب شخصية اقتربت من شخصيات الأنبياء ، نأى بنفسه عن الادعاء ، تجده يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، لم يسع للشهرة ولم تغره حين جاءت ، بل كان تواضعا يمشي على الأرض ، وحد اليمنيين جميعا بصوت واحد ، بلادي بلادي بلاد اليمن ، ورددي أيتها الدنيا نشيدي ردديه وأعيدي وأعيدي وامنحيه حللا من ضوء عيدي واذكري في فرحتي كل شهيدي ، حرص على تعميم حب الوطن ورفع الوعي الجمعي بذلك وحشد الناس حول الوطن ورفض تسابق الأحزاب عليه ليكون مرشحهم في مجلس النواب ، قائلا لهم ، أنا فنان ولست سياسيا ، فلا أريد أن أتحمل مسؤلية لا أقدر عليها ولست لها .
ولما نصبت المعارضة والسلطة مخيماتها في 2011، زعم كل طرف أن أيوب يغني له ، فسئل لمن تغني يا أيوب ، قال ، أغني للشعب وحده ، ولمن فرحتنا ملء الربوع ، إنها للشعب وحده ، ولمن يقضتنا دون هجوع ، إنها للشعب وحده ، ولمن وثبتنا دون رجوع ، إنها للشعب وحده ، ولمن أضلعنا تحت الدروع ، إنها للشعب وحده ، وطلب منهم أن يهتفوا للشعب إن الشعب جيش لا يزل ، وأن يقفوا للشعب إن الشعب أولى من يجل ، و أن يثقوا بالشعب إن الشعب سهم لا يغل وأن يدخلوا في الشعب إن الشعب أفياء وظل .
لا أحد يساوي قامة أيوب شموخا وأنفة ، فهو الذي استعار المجد من قامته قامة ليطيل بها قامة وطنه ، وهو الرافض لمن يريد تحقير اليمن وتجزئتها ، كم رفضنا ولبسنا رفضنا ، حللا حمرا وإصرارا عجيبا ، نحن رفض أبدا لكننا نعشق الحق جليلا ومهيبا ، أربعينياتنا فيها رفضنا ، وضحى سبتمبر فيه رفضنا ، ومدى السبعين يوما قد رفضنا ، وسنمضي رافضين ، فاليمن قطعة واحدة لا تتجزأ ، عانقي يا جبال ريمة شماريخ شمسان ، وأنت يا وادي القرية تفسح ببيحان ، والتقى الآنسي والمرشدي والقمندان ، فالوحدة هي حلم السنين وقبلة حب العاشقين ، ففي الحب نحيا ويحيا الوطن ، هنا أنفسنا لن ننثني ، وهنا قاماتنا لن تنحني ، قامة منها بعز اليمن ، إنه نبي الوحدة .