اذا كانت الحماقة وكثرة الشتم والسباب والكذب البواح يصنع الدول أو يستعيدها، فليطمئن إخواننا الإنفصاليون، ونطمئن معهم ؛ أنهم ليسوا فقط قادرين على الإنفصال؛ وإقامة دولة في الجنوب العزيز فقط، أو استعادة الدولة كما يقولون، وإنما سيكونون قادرين على السيطرة على الجزيرة العربية كلها بل على المشرق العربي كاملاً، وربما استعادة الإمبراطورية العربية الإسلامية، من الأندلس إلى حدود الصين! وأظننا حينذٍ لن نختلف! فأنا وحدوي بطبعي! وللغرابة، لا يتبنون استعادة الدولة اليمنية كلها؛ مع أن ذلك أيسر وأسهل وأكثر منطقية، ويتماشى مع السياقات الطبيعية كلها بما في ذلك قرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، وإرادة غالبية الشعب اليمني، ونضالات الحركة الوطنية اليمنية، في كل ربوع اليمن، منذ أكثر من قرن! ولا يتعارض ذلك إلا مع تاريخ المستعمرين، وأهداف الطامعين، وسلوك التابعين، ونوايا الداعمين لتقسيم اليمن، الذين جعلوا من قضية تقسيمه، غاية الغايات، وقضية القضايا، وجعلوا للانفصاليين صولة وجولة وأهمية خاصة، وأمدوهم بمدافع ومدرعات وجيوش، وأموال وقنوات فضائية عديدة، وإذاعات ومواقع وذباب، وسبابين، ومفتريين، ومتواطئين، وعند الضرورة يعيْنونهم بقصف خصومهم بالطائرات.
قد يقول بعضهم، لا نتوحد مع الحوثي؛ طيب؛ ومن يقول بهذا؟ كلنا لن نقبل بسلطة الحوثي العنصرية المتخلفة، تحت أي ظرف..لكننا لا نرى تقسيم بلادنا، بسبب الحوثيين، أو الفاسدين؛ وإلا فالبيضاء وتعز ومارب، وغيرها، يجب أن تنفصل أيضاً وتقيم لها دولاً خاصة بها، وفقاً لهذا المنطق!
وكثيراً ما يقولون كنا دولة، ومن حقنا استعادتها، وينسون كم كان في الجنوب دول، عمرها مئات السنين، الكثيري والقعيطي أمثلة، وتوحدت بالقوة مدة 22 عاماً ( شكرا حقاً لتلك الوحدة رغم الأخطاء)، ونفس المنطق، يعطيها الحق في الاستعادة، أما الجمهورية اليمنية، فقد توحدت طوعاً، ولا يوجد في دستورها المستفتى عليه، ولا في اتفاقية الوحدة التي تم إيداع نسخة منها في الأمم المتحدة، أي نص يجيز التراجع و الإستعادة! يعني ما فيش شور وقول ؛ كما نقول في اليمن.
ودائماً ما يقولون : حرروا غرف نومكم! وكأننا قد نسينا، متى، وكيف تم اجتياح صنعاء والبيضاء وتعز وغيرها، ومن كان صاحب القرار المسؤول عن الدفاع عنها وعن حمايتها، ومن كان المسؤول على قرار التعبئة العامة، ومن هم الذين كانوا حلفاء الحوثيين وأحباءهم ومناصريهم، منذ نشوء الحوثيين في 2004، والمرحبين بهم عند دخولهم صنعاء!.. وفي كل الأحوال؛ تبقى مسؤولية تحرير صنعاء، والبيضاء، وتعز وعدن، مسؤولية الدولة وقيادتها وجيشها وكل اليمن، ولم تكن هناك حاجة لتكوين مليشيات بأجندات متضاربة ومتناحرة لو حسنت النوايا، وإنما بناء جيش وطني واحد من كل مناطق اليمن، والذي لم يتم، لأغراض مفهومة، وهي تفخيخ مستقبل اليمن بالمليشيات والأجندات، بلا أدنى مسؤولية أو رحمة، ولم يكن تحرير تلك المناطق مسؤلية أبنائها العزَّل، وحدهم، الذين قد لا يملكون سوى سلاحهم الشخصي، أولا يملكونه، أمام عدو يملك إمكانات وسلاح دولة، وصار يضرب به خلف الحدود.
الذين يقولون : كل واحد يحرر بيته، أو قريته، لا يتكلمون بمنطق الدولة، وإنما بمنطق التشتيت والتقزيم، والتقسيم، وندرك ما وراء الأكمة بتبني مفاهيم ومعاني كهذه، ونفهم مغازي الحجج والأكاذيب والترتيبات الشريرة، وهاهو الشعب اليمني يكتوي بجحيم سوء النوايا، وبالسذاجات والغفلة، وتضخيم الحوثي .. ونتذكر كيف وصل الحوثي إلى عدن وبسرعة فائقة، وصفها كاتب صحفي متحوث، بقوله : انطلق الحوثيين، إلى عدن أسرع من باص الرويشان، وقد امتلأتُ غيظا يومها من ذلك الوضع ومن ذلك الوصف الحاقد اللئيم، ونعلم أيضاً كيف تحررت عدن وأبين وبيحان، وتُركَت البيضاء، وتعز، وإب، وكيف تم التوقف على حدود التشطير السابقة، وكيف تم التوقف على تخوم صنعاء؛ وما الغرض من كل ذلك.
يا إخوان؛ أقصد الانفصاليين، والله ما حد فاضي يفند الأكاذيب الكثيرة التي يرددها بإدمان الكثير منكم ، لكن هناك ما أود لفت النظر إليه :
ترددون؛ إنني فقط أكتب عن موضوع وحدة بلادي والتمسك بها، والتصدى للمشروع الإنفصالي؛ من قريب جداً، وتحديداً منذ غادرت السفارة!
يا أحباءنا؛ رعاكم الله؛ الحكاية مع وحدة بلادنا اليمن، طبيعية وقديمة، وهذا شأن كل أبناء اليمن، وشأن جيل الآباء العظام، وكل القادة المحترمين، ويفترض أن يكون شأن الأبناء والأحفاد أيضاً، وأن لا تتعرض وحدة اليمن، للشيطنة والتعبئة المضادة، على نحو ما يجري منذ فترة ليست بالقصيرة، خدمة للطامعين في اليمن، وبسبب صراع المتصارعين، وفساد الفاسدين، أو قصور نظر قادة معينين في وقت من الأوقات؛ وبسبب الطامحين في السلطة ولو على قرية صغيرة، وهم مستعدون أن يدمروا في سبيل ذلك أي شيء وكل شيء.
كانوا يسألونا في المهجر، في السبعينات، والثمانينات : شمالي أم جنوبي ، وأحيانا؛ زيدي أم شافعي : وفي كلا الحالين وعلى كلا السؤالين؛ نجيب : يمني! قد يتذكر شيئًا من ذلك زملائي القدامى الأعزاء، من يافع؛ منذ السبعينات، حسن أحمد صالح وهاس، ومحمد عبدالله المرفدي، وعلي صالح المرفدي، ومحسن محمد قاسم، وآخرون كثيرون؛ وكنا جميعًا نحمل حينذاك جواز الجمهورية العربية اليمنية، بكل اعتزاز، مثلما يمكن أن نكون فخورين بحمل جواز جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أيضا؛ ولكن ليس هناك ما يشرف مثل أن تحمل جواز الجمهورية اليمنية!
ليلة التقى المرحومان، عبدالفتاح اسماعيل وعلي عبدالله صالح في الكويت في مارس 1979، تقدم إلي مواطن خليجي ؛ وسألني مستنكرًا؛ هل ستتحدون مع الشيوعيين؟ واجبت بكل ثبات : نعم ! وعندما اجتاح الجنوب مناطق الشمال، في عام 1979 كنا إلى جانب الجنوب، وكانوا قادرين حينها على الوصول لصعدة. لكن الدول الكبرى تدخلت، ودول الأقليم لم تكن موافقة على ذلك، وكانت جاهزة للتدخل المباشر، فتم إيقاف الهجوم!
واتذكر أنني قد لاحظت عام 1990، تخوف البعض من الوحدة، في ذلك الزمان، خشية أن يخسر شيئا جراء تحقيق الوحدة، وكتبت حينها، قصيدة، نشرتها، في مجلة المالية"وعادة لا تشتمل تلك المجلة على أي شعر! " لكني أصريت وألحيت، وقبَل ذلك العزيز الأستاذ أحمد غالب، رئيس التحرير حينذاك، ومحافظ البنك المركزي الحالي، ومطلعها؛
املٌ أملْ!
أملٌ ويجري في شراييني أمل
أملٌ يعيش سنين في أعماقنا
ونعيش ما بقي الأمل!
من أي شطر أنت يسألني
فيعروني الخجل.. !
يا أيها اليمنان يا شطران
هل حان الأجل ..الخ !
وقد يكون تغيَّر موقفي من مستوى القصيدة الفني! لكن الموقف لم يتغير من مضمونها.
ولمن يهمه الأمر؛ يمكن الرجوع إلى كثير مما كتبت في هذه الصفحة منذ بدايتها في 2010، وقد جمعتها في أكثر من ألف صفحة ونعدها للنشر في كتاب! ومعظمها حول الموقف من الحوثيين، ووحدة البلاد، ويمكن الرجوع لنماذج منها، لمن أحب! مثل مقال بعنوان؛ مثلث الشر؛ الذي يشمل الحوثيين وحراك الانفصال والإرهاب (كتبت تحت هذا العنوان، أكثر من مرة منذ 2014)! وآخريات بعناوين؛همسة في أذن الحراك؛ التقزيم والتقسيم؛ عشرة أسباب لسقوط الحزم و ما قبل الحزم، وكذلك المنشور على هذه الصفحة بعنوان فبركات انفصالية وملاحظات؛ بتاريخ 20 ديسمبر 2022 ؛وقلت فيه بالنص ( معتادون على الفبركات والحملات والأكاذيب، ونفهم دوافعها… ولم يثنينا ذلك عما نعتقد أنه صحيح… كما أننا لن نحيد عن المواقف مع وطننا العزيز ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، ومناهضة المشروع الإنفصالي مهما كان الثمن، وليغضب من يغضب ويكذب من يكذب!…) وأكدت أن موقفي سوف يبقى ثابتا في التصدي لمشروع الإنفصال، وسلطة الحوثيين. و قلت (إنني أعلم أن هناك من يزعجه كوني سفيرا …... وإذا كنتم مستعجلين ، فسوف افسح لكم المجال أنتم ومن يروق لكم بالبركة والعافية ؛ على قلوبكم… ).. وقد فعلوا مشكورين!
حكاية إيماننا بوحدة شعبنا، طبيعية وقديمة يا شباب؛ وسوف تبقى ولن يوقفها الزيف والردح والسباب والشتم، والكذب، وتغيُر المواقف.وسوف يبقى موقفنا كما هو ما بقي مشروع الإنفصال البائس.. ومن المهم أن يدرك من يهمهم الأمر، أن السباب والكذب والشتم، لن يقيم لهم دولة؛ كما أنه لن يحمل أحرار اليمن، على التخلي عن وحدة بلدهم، والتي فيها شرف اليمنيين وكرامتهم.