استدعت السعودية قبل أيام أعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إلى الرياض؛ تزامنا مع حلول الذكرى الأولى لتشكيل المجلس، وهو ما أعطى دلالات كثيرة لهذه الخطوة.
البعض اعتبرها محاولة جديدة لهيكلة الشرعية، وإعادة تكوينها بما يتناسب مع التطورات الجديدة على الأرض، خاصة بعد اتفاق السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية.
يرى هؤلاء أن الاتفاق سيعكس نفسه سلما على المشهد اليمني، وربما نشهد حكومة جديدة يشارك فيها الحوثيون.
لكن هذه تعد مجرد أمانٍ مفرطة التفاؤل؛ لأن ما حدث ويحدث في البلد منذ سنوات أبعد ما يكون عن نجاح أية صيغة للسلام الشامل.
قبل عام من تأسيس المجلس الرئاسي، ترددت عبارات كثيرة من الآمال بشأن المرحلة الجديدة.
قد نعود اليوم مع الترتيبات الجديدة إلى المربع نفسه، وسيقول البعض إن الاتفاق الجديد أو"الصفقة" و"الطبخة" مستوية ومختلفة هذه المرة.
غير أن الواقع يفصح عن تعقيدات كبيرة، بل من الصعب تجاوزها. منذ فترة، تتهيأ اليمن لمرحلة شديدة الظلام والتقسيم والتفتت. كل يوم يمضي أسوأ من سابقه، ويباعد كثيرا في الوصول إلى طريق السلام الحقيقي.
الحقيقة، لقد وضع المجتمع الدولي لليمنيين لغما من الصعب تجاوزه بسهولة: ثبَّت أركان مليشيا الحوثي بقوّة صلبة.
المليشيا الحوثية ليس في قاموسها سوى الحروب والتلغيم. الحوثي لا يتراجع مطلقا في ميدان السياسة، الذي لا يؤمن به أصلا.
أقصى ما يمكن أن يقدّمه في الملف الإنساني هو عملية تبادل مختطفين مع أسرى حرب وقتلة.
حتى هذه لا تخلو من تلاعب وتكتيك، وعلى دفعات متباعدة الزمن.
حسب الصفقة المرتقبة: 181 مختطفا لدى الحوثي مقابل 706 مقاتلين من أنصار المليشيا، التي باستطاعتها أيضا تعويض الفاقد منهم بعمليات خطف جديدة.
كما سيتم التركيز، مثل كل مرَّة، على أهمية توسيع رحلات مطار صنعاء؛ لأنه يشكِّل متطلبات الحوثي الأساسية، فيما سيجري تعقيد مسألة فتح طرق تعز المحاصرة.
ربما تحسم أيضا مسألة رواتب مقاتلي الحوثي؛ لأنها من عائدات النفط الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
هذه هي المنح التي سيَمن بها الحوثي على عملية السلام في اليمن، بينما الواقع العسكري على الأرض سيقاتل من أجل عدم التنازل عنه قيد أنملة.
الواقع على الأرض فقدته الشرعية بعد أن كبَّلتها الاتفاقيات والهيكليات، التي استهدفت تفكيكها بدلا من توحيدها في مواجهة الخصم الوحيد لليمنيين.
من الصعب إعادة هذه المليشيات المتناثرة إلى جحورها في صعدة، وثمة مليشيات أخرى على امتداد البلد المليئة بالتعقيدات والانقسامات.
لن يتوفّر للبلد فرصة حوار وطني شامل قابل للتطبيق على أرض الواقع مثل الحوار الوطني، الذي جرى في العام 2013.
كان حوارا متكافئا بين أطراف متوازنة في الواقع، وعقب أحداث ثورة شعبية وضعت الجميع أمام مسؤولية تاريخية لا تعوَّض
.
أي حديث الآن عن مصالحات ومفاوضات في هذا الواقع المختل يعد ضرباً من الأوهام.