"مسؤول" حوثي؛ متحذلق، يُفرِط في المزاعم الوطنية في منشوراته، وكأن جماعته الحوثية؛ جماعة يمنية وطنية طبيعية، وليسوا جماعة عنصرية طائفية متطرفة ذات أيديولوجية أصولية عنفية متخلفة مستعلية فوق الوطن والمواطنين، مفترضة أن لها حقوقاً وامتيازات في السلطة والثروة لا يشاركهم فيها أحد من أبناء الوطن، ومع ذلك يدعي أنهم الوطن وأنهم الحق ذاته، وأنهم مَن يمثل اليمن!
ولو كانوا كما يدَّعي، لكُنَّا معهم من أول يوم، لكنهم، ولعله يعلم، بعيدين عن مقتضيات الوطنية اليمنية الحقة، وتطلعات الشعب اليمني المشروعة، ولا علاقة لهم بمبادئ الحق والعدل والحرية والمساواة، التي هي حق لكل البشر، والتي يستحقها ويتوق إليها اليمنيون، ودفعوا في سبيلها أثمانًا باهظة.
الحوثيون، وعقيدتهم الفئوية الاستعلائية، وعنفهم المفرط، وأطماعهم، وجشعهم، سبب نكبة اليمن في هذا الزمن، وفي أزمنة أخرى كثيرة ماضية، ولم ير اليمنيون خيراً منذ وطأت عقيدة التمييز العنصري الباطلة أرض اليمن، منذ بداية قدوم الرسي، 284 هجري.
ويبدو بأن لا أمل، للأسف، في أن يغير الحوثيون ما بأنفسهم، طوعاً؛ حتى بعد سنين عديدة قادمة، وقد مر عليهم حوالي عشرين عاماً، وهم يقاتلون في سبيل عقيدتهم الاستعلائية الباطلة، وقد ورثوا عن أسلافهم مزاعم الاصطفاء الرباني، والحق الإلهي الزائف، ولم يغيروا ما بأنفسهم منذ أكثر من ألف عام، مع أن الدنيا قد تغيرت في الالف عام الماضية، الاف المرات، وما تزال تتغير! وما تزال مزاعمهم لم تتغير، بل هي نفسها، في أن لهم حقاً إلهياً دون غيرهم، كما كانت منذ قرون، ويستخدمون القوة والعنف، لفرضها الآن، مثلما كان أسلافهم يفعلون دائماً.
هل يمكن لعبد الملك الحوثي، أن يعلن بوضوح أنه مجرد مواطن يمني، لا فضل له على غيره إلا بالعمل، مثلما يمكن أن يفعل أي إنسان وأي قائد، وأي سياسي، في طول الدنيا وعرضها؟! يفترض في شخص يعيش في القرن الواحد والعشرين أن يفعل ذلك بلا تردد أو تسويف، ويعلن ذلك ببساطة ووضوح، لكنه لن يفعل، استعلاءً وغرورًا، معززاً بعقيدة عنصرية متوارثة زائفة، وسذاجة ريفية، وجهل مركب فاضح.
ولا يستطيع "المسؤول" الحوثي المغرور صاحب التغريدات الكثيرة والمزاعم العديدة، أن يقول هو أيضًا؛ إنهم مجرد مواطنين مثلنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهو؛ أي ذلك "المسؤول" يخاطب عبدالملك باعتباره نصف إله، وربما إله "كامل الدسم"! ومن الطبيعي أن نختلف مع الحوثيين حتى النهاية، ولا نلتقي معهم، ما دام وهم ينطلقون من معتقدات ظالمة وباطلة، تقول بأفضليتهم وحقهم الحصري في الحكم؛ والثروة؛ فكرة الخُمس مثلاً!
ويفترض ألا يلومنا أحد في الحاضر ولا في المستقبل، ولن يلومنا التاريخ، ما دام خلافنا مع الحوثيين ومواقفنا تجاههم، بسبب قضايا بديهية كهذه.
ولأن الحوثي لن يتبنى ولن يفعل ما هو حق، فإن صراعه مع اليمنيين سيستمر حتماً؛ وهو لن يأبه كون الشعب اليمني ومقدراته وأحلام وتطلعات بنيه وكرامتهم، ستكون وقود الصراع والحرب، ومعروف أن الحوثيين يرفعون ويرددون شعار؛ لا نبالي! وكم أكد عبدالملك أنه مستعد لخوض الحرب عبر الأجيال، وحتى يوم القيامة! وغايته في ذلك تحقيق مزاعم الحق الإلهي الحصري!
إضافة إلى دعاوى الحوثية الزائفة في الوطنية، فقد أُصيب الحوثيون بحالة غرور، وصلف، وتعالي، فوق ما تغذيهم به العقيدة الزائفة، ويصدقون أنفسهم بأنهم قوة ضاربة، خاصة وقد حازوا بعض مظاهرها، ومن ذلك قدرتهم في الضرب في عمق دول التحالف.. ويبقى السؤال؛ من سهَّل لهم كل ذلك؟ لعلها الحسابات الخاطئة وتغيُّر الأجندات، وأشياء أخرى، بعضها واضح الآن، وأخرى قد يجيب عنها الزمن.
ولولا الغفلة والخفة والاستهتار، وسوء التقديرات والحسابات الخاطئة، من قبل، لما ظهر الحوثي في اليمن أصلا، ولما عادت الإمامة البغيضة على نحو ما يحدث اليوم، وكان يمكن حسم الصراع معه بسرعة منذ زمن، قبل 2011، وكان الحسم ممكناً أيضاً بعد دخول التحالف في 2015، وبسرعة معقولة، لكن الأجندات تغيرت كما يبدو، وتداخلت وتضاربت.
وهناك من يرى أن سوء النوايا قد بُيتت مسبقاً، ومن مظاهر تلك الأجندات العابثة والنوايا الغريبة؛ السيئة في الحقيقة، خلق كيانات ومليشيات مختلفة ومتناحرة هنا وهناك، ومحاباة مشروع الانفصال وتدليله وتعزيزه وتقويته وترويجه والتطبيع معه، حتى صار شريكاً في مؤسسات الدولة، بأطماع وتطلعات- يقول مجلس الرئاسة إنه يحترمها!- ليست أقل من تجزئة اليمن وتقسيمه، وكل ذلك قاد إلى تعثر جهود التحرير، ليبدو الحوثي وكأنه قوة قاهرة، لا قبل لأحد بها.
مع أن الحوثي قد تقهقر ببساطة في معارك عدة، عند توفر النية والجد والدعم، مثل تحرير الجوف من قبل، وأجزاء كثيرة من مأرب، ووصول قوات الشرعية إلى فرضة نهم من قبل، وعلى مقربة من صنعاء، وكذلك الحال في الساحل الغربي، والوصول إلى الحديدة، وأخيرا تحرير بيحان؛ ولكن مع التوقف عند أطراف التشطير السابقة! وهذا مما يثير الريبة، ويصيب الثقة في مقتل، ويساعد الحوثي كثيراً، ويظهره قوة مغرورة كبيرة.
وتبدو الحرب وهي تدخل سنتها التاسعة، وكأنها جاءت لتقوية المليشيات الحوثية والانفصالية على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني، وعلى حساب الدولة اليمنية وكيانها الواحد.
وأغلب الظن أن تلك لم تكن الأجندة والغاية منذ البداية، أو هكذا كان تقديرنا وفهمنا. ولكن يبدو أن كل شيء قد تغير وتبدل، إلا عقيدة الحق الإلهي عند الحوثية، فهي باقية وثابتة منذ ألف عام، وكان يجب ألا تكون مقبولة في أي وقت؛ فما بالنا في القرن الواحد والعشرين.
*علي أحمد العمراني، سياسي يمني، وسفير اليمن لدى الأردن.