قبل سنوات، كانت الإجابة عن هذا السؤال: ماذا سيحدث في اليمن؟ أقل تعقيدا من الآن. لكن الحرب، المستمرة منذ 8 سنوات، خلقت تعقيدات جديدة وكبيرة.
مضت سنة تقريبا على إعلان أول هدنة أممية لوقف الحرب، ولم يتغيَّر حال اليمنيين إلى الأفضل، بل مع الوقت تنفد طاقاتهم وحياتهم في معاناة يومية بحثا عن الحاجات الأساسية.
كانت الهدنة وسيلة مناسبة لخفض التصعيد بين قادة الحرب الأساسيين، ونعني بهم مليشيا الحوثي وتحالف السعودية والإمارات.
هذه الصورة تبدو مثالية للمجتمع الدولي الذي يتغنَّى بشكل مستمر بخفض كلفة التهديد، خاصة مع توقف الغارات الجوية والصواريخ العابرة للحدود، لكنها لا تحمي المدنيين اليمنيين من القتل والألغام والنزوح وانعدام الرواتب ومصادر الرزق.
كما أن الحل السياسي لا يزال بعيدا جدا، ولا توجد مؤشرات لنفاذ صفقة سياسية مناسبة بين مختلف الأطراف.
الوضع معقد للغاية في ظل بقاء المشهد المحلي نهبا لسلطات متعددة، وفي حوزتها موارد متراكمة من الحرب.
لايزال لدينا مليشيا الحوثي في الشمال وقوات الانتقالي في المحافظات الجنوبية وطارق صالح في الساحل الغربي وقوات الحكومة في مأرب وتعز، ويقف وراء هؤلاء نافذون إقليميون ودوليون بأجندات متعددة ومتضاربة.
يعد الحوثي الطرف الجامح بين كل هؤلاء، ولا يمكن أن يقدم تنازلات في سبيل البحث عن صيغة مثلى للحل السياسي.
مقابل كل التنازلات والامتيازات التي حصل عليها بما فيها ميناء الحديدة والتفاوض حاليا على صرف رواتب منتظمة لمقاتليه؛ لا يزال يهدد بالتصعيد.
ميزة خصوم الحوثي ومصدر قوتهم هي في كراهيته، ولديهم قوات عسكرية قادرة على المواجهة حتى بدون التغطية الجوية للتحالف، إلا أنها قوات متصارعة ومتشاكسة فيما بينها، كما أنها لم تختبر في معركة حقيقية مع الحوثي، ولديها مشكلة أساسية في مصدر القرار.
هذه القوات لا تستطيع أن تذهب أبعد مما تريده الرياض وأبو ظبي، علاوة على خوضها معارك بينية للسيطرة على المحافظات الجنوبية.
ليس من المستبعد أن يتجدد هذا النزاع في المستقبل بصورة أعنف، مفسحا المجال لمليشيا الحوثي كي تتمدد على تلك المحافظات وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة وقوات طارق صالح.
من الواضح أن الوتيرة الحالية هي السائدة والمفضلة لدى دول الإقليم والمجتمع الدولي المعني بخفض كلفة الحرب في اليمن من خلال الاستمرار في جهود إحياء الهدنة.
ومن سوء حظ اليمنيين أن حالتهم الإنسانية غير مرئية في عالم اليوم، في ظل الانشغال بمهددات ومصالح اقتصادية مختلفة.
علينا أن نتحرر من وهم موقعنا الإستراتيجي المهم، أو الانتظار كي ينظر إلينا العالم بعين الرحمة والشفقة والإنسانية.
بات واضحا أننا وقعنا في فخ "اللا حرب واللا سلام"، لا حرب ناجزة ولا سلام دائم، وسيمكث البلد فيه لسنوات أخرى، وهي من أخطر مراحل المعاناة الإنسانية لليمنيين الذين يهلكهم الجوع والأزمات الصحية والمعيشية اليومية أكثر من قذائف وألغام مليشيا الحوثي.