آخر شيء كنت أتوقعه هو أن انخرط بشكل جدي في مشاهدة مونديال كأس العالم قطر 2022. لم أكن على علاقة جيدة بكرة القدم، رغم أن علاقتي بالرياضة ليست سيئة، فقد شهدت في مراحل من عمري تشجيعا للدوريات المحلية والدوريات العربية والدوري الأوروبي أحيانا، لكني حقا لم أكن أتابع عالم كرة القدم، وهو عالم جميل بالتأكيد وجمهوره أكبر من كل جماهير الفنون والألعاب.
بدأ كأس العالم قطر 2022 وأنا لا أمتلك بطاقة "هيّا" رغم أني مقيم في الدوحة، وكانت هذه غلطة اكتشفت فيما بعد أن عاقلا لا يمكن أن يرتكبها، ثم بدأت بتصحيح الأخطاء من حيث التعامل مع الفكرة، أقصد فكرة أن تأتيك فرصة كهذه وألا تتعامل معها بما يليق بها، وهي انطلاق كأس العالم في بلد عربي وأنت مقيم فيه ويمنحك جميع التسهيلات لتحضر أهم فعالية في العالم، بتنظيم مريح وضمن نطاق جغرافي قد يسمح لك بمشاهدة أكثر من مباراة في اليوم للساحرة المستديرة التي يعشقها العالم.
أدركت لاحقا أنني أخطأت، ثم بدأت بتصحيح أخطائي بسرعة، وانخرطت في عالم المونديال، وندمت على أنني لم أجهز للأمر بشكل مسبق، لأن التأخير في التعامل معه وحجز المباريات مسبقا استغرق الكثير من الوقت والجهد، وحرمني من حضور مباريات مهمة بسبب انعدام تذاكرها وارتفاع سعرها الأصلي.
الجانب الأكثر إشراقا لهذا المونديال، أنه أقيم هنا في الدوحة وفي الوطن العربي لأول مرة في هذه المنطقة الجغرافية التي تسعى دائما لإثبات ذاتها، وتقديم نفسها للعالم الذي يعتقد أنه يستحق بدلا عنا كل شيء، حيث الغرب الذي يعتقد أنه يصنع كل شيء ويستحقه: يصنع الرياضة ويستحقها، ويصنع الفن ويستحقه، ويصنع العلم ويستحقه، وهكذا إلى آخره من هذه الاعتقادات، ولأنه كذلك فقد رأينا الحملة الإعلامية والسياسية الشرسة ضد قطر من بدء انطلاق المونديال وحتى آخر التتويج.
دعك من التنظيم والترتيب الذي ليس له مثيل، والحضور الذي تجاوز مونديالات سابقة، والفعاليات التي رافقت كأس العالم، والخدمات التي قدّمت للمشجعين والفرق من السكن والمواصلات والاتصالات والخدمات الصحية، وغياب أعمال الشغب، وسهولة الوصول إلى الملاعب؛ فقد كان كل هذا نتيجة جهد استمر سنوات، لكن الأكثر إبداعا من ذلك الرسائل التي وصلت من الشرق إلى الغرب وإلى العالم كله، بدءا من قدرة هذا الجانب من العالم على إنجاز قصة أفضل، ومرورا بتقديم صورة مبدعة عن عالمنا العربي والإسلامي وقيمه، رأيناها رسائل في حفل الافتتاح والختام وفي كل فعاليات المونديال، رغم محاولات كثير من الدول والمنظمات العبث بها وخلط الأوراق.
فلم يكن الأمر مجرد حديث عن حقوق الإنسان أو حقوق العمال أو حقوق المثليين، ولكنه محاولة لتشويه المونديال وصورة المنطقة التي تستضيفه لإثبات عجزها.
حتى آخر يوم واصلت بعض الصحف الغربية حملاتها في شكل من أشكال الدعاية السوداء دون دليل واحد يدعم كل هذه الدعاية، لكن الفعالية نجحت نجاحا منقطع النظير بشهادة الملايين ممن حضروا إلى قطر ومن حضروا المونديال، والمهم في هذا النجاح أنه تمكن من إسكات كل هذه الحملات، وقدَّم بالصوت والصورة أفضل نسخ مونديال كأس العالم كما عبّرت عن ذلك الأرقام.
انطلق المونديال بشعار "نحن الحالمون"، وانتهى كذلك برسالة أن الحلم صار واقعا، رأيت ذلك ولمسته كما رآه وعاشه واقعا الملايين هنا في الدوحة وعبر الشاشات من كل مكان في العالم.
* نقلا عن الجزيرة نت