الحج والعيد بين السياسة والدين
السبت, 09 يوليو, 2022 - 12:48 صباحاً

 يجيء عيد الأضحى، هذا العام، بعد السماح لعدد كبير من المسلمين بالحج، بعد عامين فرض خلالهما وباء كورونا قيودا كبيرة على استقبال زوار بيت الله الحرام. وعليه فسيزور الكعبة، خلال هذا العام، قرابة مليون شخص، لتأدية أركان الحج، من إحرام وطواف وسعي ووقوف بعرفة، والقيام بواجبات الوقوف بالمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمرات وطواف الوداع، وغيرها من فروض وسنن.
 
شهد المكان واقعة أخرى مهمة، وهي حضور نساء يؤدين الحج من دون «وليّ أمر» أو «مُحرم»، كما كان متبعا في الماضي، وجاء بعد قرار من السلطات السعودية رسميا للنساء بأداء الفريضة، وكان القرار سابقا أحد الحواجز المانعة لكثير من النساء الراغبات بأداء هذه الفريضة، وقد سجّلت وكالة الصحافة الفرنسية، في تقرير لها عن الموضوع، تصريحات مؤثرة لبعض من استفتتهن من الحاجّات، توضّح الأثر النفسيّ الإيجابي للقرار، ومنطقه الذي يتجاوب مع شؤون الحياة الحديثة، كما يتماشى مع فهم عصري للدين والأخلاق، فإحداهن، التي كانت مديرة لشركة تضم 1400 شخص، حثت نظيراتها على التأقلم والشجاعة، وأخرى موظفة في وزارة دفاع، طالبت النساء بعدم الخوف لأن «المرأة تساوي 100 رجل»!
 
كان الحج، كالعادة، مثارا لنقاشات ساسة وإعلاميين ونشطاء، فانتقدت نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب «الاشتراكي الموحد» المغربي، غلاء تكاليف الحج، قائلة إنها قادرة على تمكين المواطن من الذهاب إلى «أحسن مكان في العالم والإقامة في فندق من خمسة نجوم»، فيما اعتبر داعية تونسي، قبل سنوات، أن الحج «إعانة لأمريكا بالمال على إذلالها للأمة الإسلامية»ّ!
 
تثار أيضا، من فترة لأخرى، قضايا حول مفارقات سفر المسؤولين العرب للحج، كما حصل عام 2017 حين سافر المئات من نواب البرلمان والوزراء والمسؤولين والإعلاميين المصريين بعد أنباء عن إصدار السفارة السعودية نحو ألف تأشيرة حج مجانية لساسة وإعلاميين، وألف وخمسمئة تأشيرة لأعضاء مجلس النواب، وخصوصا حين يقوم بعض الحجيج الضيوف بإعلان تصريحات سياسية.
 
تثار أيضا، بين عام وآخر، قضايا ذبح الأضحية في العيد، وكانت الحملات التي تشنّها الممثلة الفرنسية السابقة بريجيت باردو، لاستغلال قضية الأضحية للتشنيع على المسلمين، وإثارة الكراهية ضدهم، كما يوجّه باحثون عرب ومسلمون، أحيانا، انتقادات أكثر موضوعية، لتقاليد النحر والذبح، وتناقش أيضا ثقافة شراء الأضاحي في ظل ظروف اقتصادية صعبة للمجتمعات العربية، التي يقترب بعضها، حاليا، من المجاعة.
 
الحج حدث ديني كبير، وإلى كونه أداء يجمع الحجاج من كافة أنحاء العالم لأداء أحد أركان الإسلام الأساسية، فهو أيضا مكان مقدّس يشعر فيه المؤمنون بالاقتراب إلى الله، كما بالتواصل مع نظرائهم المسلمين من كافة الجنسيات والأعراق والبلدان.
 
يبدو طبيعيا أن ينظر كثيرون إلى الحج بمنظار أيديولوجي، أو أن يحاول آخرون اعتباره منصة لتحقيق مكاسب سياسية، غير أن بعض الانتقادات تبدو سيئة النية، وبعضها مسيّس، أو ينظر بعين الاقتصاد فحسب، بشكل يفقد هذه الانتقادات البوصلة الإنسانية ويمنعها من تفهم المعنى الروحي للحج والعيد لدى المسلمين.

*افتتاحية صحيفة القدس العربي.
 

التعليقات