يحبس أبناء مدينة تعز، وسط اليمن، يحبسون أنفاسهم في انتظار تمرير قرار الاستقالة الذي وعد به محافظ المحافظة، أو العدول عنه، وتنفيذ شروطه من قبل الحكومة المدعومة من التحالف العربي، بقيادة السعودية. ومع اقتراب الموعد، الذي حُدد بآخر شهر مايو، تتباين ردود فعل الشارع بين مؤيد ومعارض.
فالمؤيدون لقرار الاستقالة، يرون أن عدم تنفيذ شروط المحافظ، والمتمثلة بتوفير موازنة تشغيلية للمحافظة لتخفيف معاناة المواطنين، هؤلاء يرون أنه ينبغي عليه المضي قدما في الاستقالة، والخروج من عذر المواطن الذي تزداد ظروفه المعيشية سوءا يوما بعد آخر. وأن رضخوخ المحافظ للضغوط، دون تنفيذ شروطه، سيكون بداية غير موفقه له، وأن المسؤول اليمني لا يزال مسكونا بذهنية مسؤولي النظام البائد. فلطالما سمع اليمنيون عن مسؤول يقدم استقالته لأسباب محددة، ثم يعدل عنها من دون تلبيتها.
فيما يرى الفريق الآخر، المعارض لاستقالة المحافظ، إن خروجه عن المشهد، كمسؤول وليس كشخص، سيعيد المحافظة إلى التشظي، دونما هوية. حيث أن بقاءه، وإن بلا موازنة تشغيلية، يعني بقاء المحافظة تحت قيادة هوية جامعة، تلملم شتات الفصائل والمكونات التي تنتهج العشوائية، في تسييرها لأمور المدينة.
وتباينت الأنباء حول تقديم المحافظ الجديد استقالته من عدمها. فقد ذهب إعلاميون للقول إن المحافظ توجه إلى القاهرة، بعد تقديمه الاستقالة، وأن الحكومة لم تقبلها. فيما ذهب آخرون للقول إن الحكومة استجابت لشروطه، وسيتم رفد المحافظة بموازنتها التشغيلية.
لكن السكرتير الصحفي للمحافظ قال إن المحافظ في القاهرة منذ خمسة أيام، وأنه سيتوجه الاثنين إلى الرياض. وقال في منشور على فيسبوك: "محافظ المحافظة الأستاذ علي المعمري ينهي، غدا، زيارة إلى القاهرة استمرت خمسة أيام، وسيتوجه إلى الرياض للقاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء".
وتكمن أهمية عدم تقديم محافظ تعز استقالته في ضرورة بقاء مكونات الأحزاب وفصائل المقاومة والمجلس العسكري، ككيان واحد، يأتمر بأمر شخص بعيدا عن الارتجال. كما يستطيع المحافظ التخاطب مع الحكومة ودول التحالف كممثل شرعي للمحافظة، سواء فيما يتعلق بتوفير الدعم لتشغيل الخدمات، أو الدعم العسكري لرجال المقاومة والجيش الوطني.
إن تخاطب المحافظ عن تعز أمام المنظمات الأجنبية، وحتى أمام دول التحالف، يبعث بطمأنينة أن هناك من يمثل المدينة، بالامكان التخاطب معه. إن عودة المحافظة لما قبل المعمري، وفي هذه الظروف تحديدا، يعني المزيد من العشوائية والازدواجية في القرارات؛ والمزيد من اللامبالاة في الاستجابة لمتطلبات المحافظة، من قبل المنظمات، وحتى من التحالف نفسه.
بقاء تعز بلا محافظة يعني الفوضى. واستقالة المحافظ يعني تشتت القرار، وإهدار للإمكانات المتاحة. بالمقابل، عودته يعني أن تسري قراراته على الجميع، في كل صغيرة وكبيرة، كمؤسسة ضابطة للجميع، دون استثناء.
بعيدا عن المشاعر والانتماءات، لا بد من تراجع المحافظ عن استقالته، والعودة لمزاولة عمله لأجل تعز، التي لم تعرف الراحة، كما ينبغي من الجميع مؤازرته والضغط باتجاه تنفيذ مطالب تعز، والتخفيف من معاناة المواطن. لأن استقالته لن تقود المدينة سوى للمزيد من البؤس والفِرقة، وهذا ما سيُعد تنصل عن واجبه تجاه مدينته، وهروب من المسؤولية في أول اختبار.
*مقال خاص بالموقع بوست