كانت قوات طارق على مسافة خطوات من ميناء الحديدة، في الدريهمي. الدريهمي مديرية ضخمة تضاهي مساحة ذمار. من الدريهمي إلى وسط مدينة الحديدة، وإلى الميناء مسافة أقل من تلك التي تفصل بين الحوبان [حوثي] ومركز مدينة تعز.
رحل طارق عن الدريهي، ثم بيت الفقيه، وأخيراً من التحيتا. الآن لا يفصل بين الحوثيين والمخا سوى الخوخة.
انهارت معنويات الإعلاميين المؤيدين لطارق، ومنهم إعلاميون مرموقون. وضعهم مخيف، ومثير للقلق. حتى إن أحدهم كتب: الحوثيون يصابون بالرعب بسبب انسحاب قوات المقاومة الوطنية من مديريات الحديدة.
سيواصل الانسحاب فيما يبدو حتى المخا، ثم منزل منزل، أو مطلع مطلع على حسب أنت كيف شايف الخريطة.
يعرف طارق صالح السبب الذي دفعه لتسليم الأرض للحوثيين. سبق أن أقدم على الفعل نفسه مرّات عديدة.
فعندما سألت وزير داخلية هادي أثناء سقوط صنعاء "أين كنت ساعة اقتحامها؟" قال: هربتُ إلى عمّار صالح، استفدت من علاقة شخصية تربطني به. وأين كان عمّار صالح؟ سألته. أجاب: كان في غرفة عمليات خاصة يشرف على سقوط صنعاء. كيف قضيت تلك الليلة؟ قال: في ذهول، أتفرج وأسمع.
فقط طارق صالح يعرف الأسباب.
ليس في الأمر من تموضع ولا كلام فارغ. طارق ليس الجنرال برباروسا، وجيشه ليس فرعاً عن المارينز. تلقفته دولة الإمارات وهو هارب بقمصانه وصنعت له جيشاً. وعلى مدى سنوات لم يُسمع لنا حتى أن ننتساءل عن مدى استقلال جيشه عن صانعه الدولي. أبدت الإمارات في السنوات الماضية عدواناً منقطع النظير تجاه اليمن، حتى إنها منعت الفرق الرياضية المتأهلة من الاشتراك في الدورات الدولية المقامة على أرضها. كانت اليمن هي الدولة الوحيدة التي نالت هذا المنع منذ فجر الرياضة. فعلت الإمارات باليمن ما فعلته إيران وأكثر. بل أكثر من ذلك بكثير: احسبوها بالورقة والقلم، بالجغرافيا والقطعة، بالسلة والسكين. لن تخطئوا الحسبة، ولن تصلوا لنتيجة مختلفة. داخل هذه الحقيقة لم يسمح لنا حتى بالتساؤل عن موقف الرجل مما تفعله الإمارات ببلده، ولماذا علينا أن نتوقع من "ثكنة" إماراتية على البحر نضالاً يمنيا خالصاً؟
هاهي تتخلى عن طارق، فيما يبدو. أو تجبره على أن يظهر وجهه الحقيقي: البطل المصنوع. كان صاحب قناة "خرائط حروب الشرق الأوسط"، وهو ضابط عراقي معروف، يعيد السؤال: كيف لم تتحرك قوات طارق وتقتحم البرح من الغرب ما دام الجيش اليمني قد بادر بالهجوم من الشرق. ويقرر: أمن الحوثيون كلياً جانب طارق صالح في معارك تعز.
أغلب الظن أن الصانع بدأ يتلكأ، وأنه قرر إغلاق بعض الكراريس التي لم تعد ذات قيمة. السياسة الخارجية الإماراتية فوضوية، تحسب الربح والخسارة بالميزان على طريقة عرب القرن الثالث عشر. قائمة على الانفعالات، على الخفة، على غريزة الانتقام، وعلى الربح السريع. يقوم اقتصاد الإمارات على بيع النفط، لا تكلف هذه العملية أي مجهود. تقوم السياسة الخارجية على الاستراتيجية نفسها: الربح السريع، أو المغادرة. بنيت الإمارات كلها من الصفر إلى البرج في سبعين يوما [مثلاً]. التاريخ يعلم الناس التأني، الدأب، الانتظار، الحسابات المعقدة والبعيدة. يوصف الإيراني بصانع السجاد، كذلك السياسي الإيراني. يختلف بيع السجاد عن بيع النفط، ويتركان أثرين مختلفين كلياً لدى البائعين: أحدهما خفيف، وانفعالي، والآخر صبور وهادئ. ما أن تتغير القواعد حتى تبادر الإمارات بالقفز خارج العربة. راجعوا تبدلات سياستها تجاه السعودية، ليبيا، سوريا، تركيا، وقطر خلال الأشهر الماضية. من الشيء إلى نقيضه تماما. بالأمس تكفلت بإصلاح ما أذهبته الحرائق في تركيا، وقدمت دفعات مالية من عشرات الملايين، وعمّا قريب ستترك حفتر في صحراء بلاده. حلفاء الإمارات هم أكثر الناس بؤساً على الإطلاق. لدينا الأهطل هاني بن بريك: بلغ هطله حد أنه كان يتوعد المنتخب اليمني بهزيمه ساحقة سينالها من "فريقه" الإماراتي. تحسسوا منه وستعرفون ما حل به.
إذا ما انسحبت الإمارات حقيقة من شبوة فمعنى ذلك أنها فقدت اهتمامها بالمسألة اليمنية. حلفاؤها سيجدون أنفسهم عراة وجياعا، وهكذا سيعيدون تموضعهم بطريقة تسمح لهم بتوزيع ما بقي من "المصروف". وغداً سيخسرون اللعبة عن آخرها.
سيكثر طارق في الأيام القادمة من التموضع. وفي كل مرة سيكون تموضعه صادماً لأولئك الذين بحثوا فيه عن بطل أو مخلص.