تخوض قوات الجيش الوطني ورجال المقاومة الشعبية معركة عظيمة على تخوم مأرب، وسط خذلان كبير من قيادة الشرعية، وتواطؤ التحالف بقيادة السعودية.
ويتمثل تواطؤ التحالف في إعلانه المتكرر عن الكم الهائل من الضربات الجوية لما أسماه محاولات فك الحصار عن مديرية 'العبدية'، جنوب المحافظة.
مثل هذه التصريحات تعد مجرد إسقاط واجب للدّور الذي تواصل السعودية ممارسته مع الشرعية، بيد أن أخطر ما فيها أنها بمثابة "حصان طروادة" لاستمرار الركون إلى خيارات التحالف حتى بلوغ النهاية الكارثية.
كما تقدم، مليشيا الحوثي قوة لا تقهر، ولا يقف أمامها حائط صد مهما بلغت قوّته، وبالتالي تحطيم المعنويات والدفع للانسحاب من معركة غير متكافئة.
الحقيقة أن هذه هي خيارات التحالف، أو أجندته المكشوفة منذ سنوات.
أما قيادة الشرعية فليس جديد عنها هذا التخاذل والصمت، بعد أن سلّمت قرارها كليا للتحالف منذ وقت مبكّر، بل وصل بها الحال إلى حد الخيانة العظمى بالتوجيه بتسليم مناطق ومدن للحوثيين، وعدم الاحتكاك معهم.
أسوأ ما في هذه الشرعية المتخاذلة محاولاتها المستمرة لقتل جذوة النّضال والمقاومة المتبقية.
هناك جيش وطني وأفراد مقاومة يقاتلون ببسالة بدون رواتب، ولا إمكانيات مسلحة تناسب ظروف كل جبهة، وفوق ذلك مجردين من قرارات الهجوم.
تقتصر مُعظم العمليات على التصدّي للهجمات وإحباطها، وسبق أن تعرّضت قيادات بارزة للجيش، وجبهات قتال متقدّمة لضربات متعددة، بزعم "الغارات الخاطئة".
ما لا تخطئه العين أن ثمة سوءاً كبيراً في إدارة الحرب يمتد لسنوات.
ثمّة كارثة وعار لا يتبدّى إلا على هيئة تندُّر ساخر للتاريخ.
لم تبزغْ جهود وطنية مخلصة ولا أي تحركات لإسقاط الخونة، وامتلاك زمام المبادرة، لإنقاذ البلد من كارثة السقوط في قبضة مليشيا غاشمة قادمة من ظلام التاريخ.
هذا الثبات والانتظار، الذي تعيشه جبهات الحرب مع الحوثي، جالب للعار ولا يمثل روح المقاومة اليمنية للخلاص من الكهنوت.
لن يكون الانتصار على الحوثي بكثرة أعداد القتلى، ولا التمترس في الجبهة ذاتها لانتظار أنساق "الزومبي"، ولا إحصاء عدد غارات التحالف الغادرة.
المطلوب: كسر هذه المعادلة حالا، التمرد، العصيان مهما كان الثمن.
لن يكون أثمن من هذه الدّماء التي تذهب هدرا لأجل بقاء القيادات الحالية واستمرار المؤامرة.
لدى اليمنيين عنفوان وبأس شديد لمواجهة سلالة الحوثيين، ولن تقهره المؤامرات، ولا دفقات الصواريخ الحرارية والبالستية، والطائرات الهحومية المفخخة، فقط نحتاج إلى التحرر من حالة الاستلاب القاتلة.
يتمدد أفراد وعناصر مليشيا الحوثي في الفراغ بدون خبرة عسكرية، ولا استراتيجية نافذة. لديهم شهية مفتوحة لتحقيق انتصارات على حساب حالة التوهان والجمود القاتل في الجبهات المحسوبة على الشرعية.
من الواضح أن السيطرة على مراكز المديريات مُغرية لقتل روح المقاومة في بقية أجزائها.
في المقابل، تتمترس قوات الجيش في الدّفاع، وانتظار الأنساق البشرية الجديدة للحوثيين على تخوم مأرب.
يعتقد البعض أن حالة الاستنزاف البشري للمليشيا كفيلة بالردع، وتغيير مسار المعركة، بينما ترمي قيادة المليشيا كل أثقالها للسيطرة على الأرض، وهو الأهم محلياً وأمام المجتمع الدولي المتواطئ.
تعد هذه البيئة المائعة للمعركة فرصة نادرة للحوثيين. هم يعيشون سباقاً مع الزمن لتجريب محاولات الغزو والاختراق.
صحيح أن الجيش الوطني وأفراد المقاومة لا يزالون يقاتلون، ويتصدون للهجمات ببسالة، لكنها مواجهة تشبه معركة "الرمق الأخير".
هذا لا يعني بث اليأس والتسليم بالنهايات، فدائما ما نقول -بأسف متكرر- إن الوقت لم يفتْ بعد. لا يزال تغيير ظروف المعركة والتمرّد على سُوء إدارة الحرب متاحاً.
في الأخير يجب أن ندرك بأن هناك طاقة هائلة ومتحفّزة للانفجار في وجه هذه المليشيات التي لا تشبهنا إطلاقاً، مثلما ندرك تماما وجود حالة استلاب غير مفهومة لقتل ومنع حدوث هذا الانفجار العظيم.