شهد اليمن في تاريخه الحديث محطات صراع مع الاستبداد بألوانه وأشكاله المختلفة . وكان استبداد نظام العصبية العنصري أكثرها دموية وتخلفاً .
وفي كل محطات الصراع تلك ، كان الإنسان اليمني وما يتعرض له من اضطهاد وقمع ، يتفوق بنضاله من أجل إبقاء اليمن حاضناً للمشروع الوطني الحامل لهويته وشخصيته ، والحامي لكرامته .
وفي حين آوى اليمن الأعراق الأخرى التي قدمت إليه ، ووهبها الأمن والأمان ، ووفر لها سبل العيش والراحة ، فقد سجن اليمني واضطهد وأعدم وشرد وتغرب . لكن المشروع الحامل لهويته وكرامته ظل يرتحل معه في سجنه وفي غربته ؛ ينمو ويتصلب بالاضطهاد والظلم والجوع والإهمال الذي تعرض له جيلاً بعد جيل .
ويوم جاء الحوثي من أنبوب مهمل وهامشي من أنابيب ذلك الاستبداد العنصري، ومن شريان متقيح من شرايين الفساد ، كان يعتقد أنه قادر على كسر هذا اليمني الذي تصلب داخل هويته بكل ما عاناه من ظلم وعذاب وتشرد وغربة . وبدون حياء أو خجل راح يجمع أشتات عصبته من الحارات والمتاجر والمؤسسات والقرى النائية ليجرف كل ما كان قد بذر من فيها من "يمن" ، ويشحنها عوضاً عن ذلك بعنصرية البيعة والولاء لعصبة مجهولة الهوية ، رفضت خيار المواطنة ، وتمسكت بخيار العصبية المستولدة من رحم تاريخ مشبوه كتب بدماء اليمنيين وعرقهم ومعاناتهم . وراح يسلحها بدعم إيراني وجد فيه حليفاً أقل كلفة وأشد طاعة من غيره ، ويطلقها كمراجل تفور حقداً لتحرق الأخضر واليابس ، وتدمر هذا البلد في عمل لا يقدم عليه إلا من كان مسكوناً بركام من الاضطراب النفسي الناشئ عن معاناة من النقص داخل منظومة عائلات العصبية ذاتها ، والتي لا تراه سوى منتجاً هامشياً لا يرقى إلى مستوى أن يقودها أو يعبر عنها .
كان شعوره بأنه يتشكل خارج المراكز "الرئيسية" في العصبية باعثاً لجعله يحتشد بالحقد كتعويض عن هذا النقص ، وانعكس ذلك في التمسك ببناء منهج خاص لا يمكن تعريفه إلا بأنه عشوائي مضطرب ، يجسد احتقاناً ضد الثقافة السياسية التي أخذت تنشئ قواعد عامة للمواطنة والقوانين المنظمة لذلك .
وأصبح السؤال عن اسباب هذا الموقف المعادي من "المواطنة" سؤالاً مبتذلاً ، ذلك أن الحوثي هو أحد مخرجات الثقافة العنصرية الرافضة للمواطنة والمتمسكة بالتميز .
أخذ هذا المنهج المضطرب يعيد بناء الشخصية الملتحقة به بناء استعلائياً شاذاً . ولن يكون اعدام تسعة مواطنين يمنيين أبرياء بتلك الوحشية سوى إحدى تجليات هذا السلوك الذي يدمر اليمن ويقذف به إلى الضياع.
إن هذه الظاهرة ، التي أخذت تتجلى في صور مختلفة من هذا السلوك الدموي الشاذ ، تضع اليمن على خارطة مختلفة من الصراع ، فنحن أمام جماعة قررت أن تبقي اليمن في حالة حرب دائم ، ذلك لأن بقاءها مرتبط باستمرار الحرب ، وهي على هذا الطريق لا تتردد في أن تطلق الصواريخ الباليستية على التجمعات المدنية ، وتمارس القتل الجماعي ، ولا يعنيها شيء أن يدمر اليمن وأن يفتك الجوع والمرض والتشرد بأبنائه .
استمرار الحرب على هذا النحو يؤذي إلى تفكيك بنى المجتمع تفكيكاً يمكنها من إعادة هيكلة مؤسساته الاجتماعية والسياسية والثقافية على النحو الذي تتآكل معه الروابط الوطنية ، وإخماد كل دينامياته الداخلية ، وسجنه من ثم داخل منظومة القمع والاستبداد طوعاً وكرهاً .
والمتتبع لهذا النمط من الجماعات العنصرية التي تستدعي عصبتها العنصرية لتبرهن تفوقها العرقي المزعوم ، يجد أنها ستواصل الحرب بأي ثمن ، وتحت أي عنوان ، وإغراق المجتمع بالصراع تحت ذرائع ورايات مختلفة لأن ذلك هو الضامن الوحيد لتمكنها من استئصال " الوطن" من الوعي المجتمعي لتزرع محله العصبية ، والطائفية ، والولاءات التي يسهل تعبئتها لاغراق اليمن في سديم الاحباط والتخلف .
اليمن اليوم أمام حقيقة من حقائق الحياة وهي ضرورة استعادة الوعي بما يمثله مشروع الحوثي من خراب لليمن واليمنيين ، والتوقف أمام كل الخلافات بمسئولية قبل أن تعيد هذه الخلافات المرحلة ترتيب الاولويات من منظور تختفي معه هذه الحقيقة ويسقط اليمن في الضياع .
وفي ظل تسلط الحوثي سيعرف اليمنيون معنى الضياع .