في مؤتمره الصحفي الأخير بدا المبعوث الدولي إلى اليمن بهيئة رسام مختل العقل، لديه علبة ألوان جميلة وفرشاة وقليل من الموهبة وكثير من الجنون، يحاول رسم لوحة بديعة في الهواء.. غير أن لا أحد سيرى لوحته حتى هو!.
ولد الشيخ يحاول كل يوم أن يهرب إلى الإمام، يبني مجدا شخصيا في لحظة معقدة تمر بها المنطقة ويحاول بناء مكانته في القلب الأميركي من خلال التماهي مع الحوثيين، يلاحقونه بالعناد ورفض كل خطوة يحاول تثبيتها فيهرب منهم إلى الأمام تاركاً الخطوة السالفة معلقة.. يراها الجميع على شفا الهاوية إلا هو يراها قوية ومثبتة وواقعية.
في بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية في الكويت تقدم ولد الشيخ بجدول الأعمال المتفق عليه بين الطرفين في مدينة بيال السويسرية في ديسمبر الماضي ولم يتم العمل به بسبب رفض الحوثيين وتعنتهم لأسبوع كامل، فهرب ولد الشيخ إلى وضع إطار عام للمشاورات ورفضه الحوثيون، فهرب إلى تثبيت المرجعيات الثلاث للمشاورات والمتفق عليها دولياً فرفضها الحوثيون، فهرب إلى تشكيل لجان ثلاث حدد هو مهامها وسير عملها، ولم يوقع عليها أحد بسبب رفض الحوثيين، وأعلن ولد الشيخ أنه وفريقه أنهم سيدرسون رؤية الطرفين للحل ثم يتقدمون برؤية توفيقية، مرضية للجميع، وبالفعل تقدم برؤيته التي هي في الأساس رؤية الأمم المتحدة، فرفضها الحوثيون وقالوا للمبعوث الدولي «أنت تشتغل نسخ ولصق، ونسخت لنا رؤية الجانب الحكومي».
وجاءت فقاعة الانتصار في المؤتمر الصحفي الأخير حين قدم ولد الشيخ جرعة جديدة من المسكنات الأممية وقال إن هناك أجواء إيجابية ومطمئنة لكنها تحتاج إلى تنازل من الجميع.. ما هي؟ لا أحد يعرف. ولا يستطيع أن يتحدث أحد عن نقطة واحدة تحقق فيها تقدم أو وقع عليها الطرفان.. بل أن حمزة الحوثي وضع رجل على أخرى وقال لولد الشيخ: «هل تستطيع أن تلزمنا بشيء، ونحن ما وقعنا لك على شيء.. نحن جئنا لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإيقاف حرب التحالف فقط»!!.
إذاً هذا هو السلام من وجهة نظر حوثية.
الوفد الحكومي الشرعي جاء إلى الكويت من أجل استعادة الدولة اليمنية التي ستضم الجميع تحت ظلالها، وتؤمن حياة ومستقبل الجميع، فيما جاء وفد الانقلابين للبحث عن غنائم السلطة واقتسام المناصب والمواقع والنفوذ!.
في تقديري أن تشكيل حكومة وحدة وطنية سابقة لعملية تسليم السلاح المتوسط والثقيل للدولة والخروج من المؤسسات الحكومية والانسحاب من المحافظات وإطلاق سراح المختطفين لا يعني غير شيء واحد هو شرعنة الانقلاب وتمكينه من السلطة إلى الأبد.
وحين يكون الحوثي شريكاً في السلطة لن يغادر أحد من المؤسسات الحكومية التي استولوا عليها بقوة السلاح وتعيينات من لجنتهم الثورية العليا لأنهم أصبحوا شركاء في السلطة وإخراجهم منها سيكون إقصاء عند الرعاة الغربيين، ولن يسلم الحوثي السلاح للدولة لأنه سيعمل على تجنيد كافة ميليشياته في المؤسسة العسكرية والأمنية وبالتالي سينسحبون من المحافظات إلى داخل المعسكرات، وهنا سيتحولون من ميليشيا إلى دولة شرعية، وبدلاً من قتلنا خارج القانون سيقتلوننا بصفتهم الدولة الشرعية.
وعلى نهج إيران في الحوار حول برنامجها النووي سار الفريق الانقلابي، تسويف وكسب للوقت، ومماطلة في تفسير كل بند وتأويل كل فقرة، ورفض لكل نقطة توصل إليها الطرفان في مشاورات الكويت، ووصل الأمر إلى الانقلاب الكامل على المرجعيات الثلاث، وكأنهم يقولون نحن مع بقاء هذا البناء الشاهق لكن لابد من إزالة كافة قواعده، وهذا أمر لا يستقيم إلا في مخيلة الحوثي المعطوبة!