في 9 مايو من كل عام تحتفل أوروبا بالبداية الجديدة التي أنهت قروناً من الحروب التي دمرت القارة، بما في ذلك حربان عالميتان مدمرتان. انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا في ساعة متأخرة من مساء 8 مايو 1945، إلا أن الاحتفال ب"يوم أوروبا" لا يرمز إلى أي نصر عسكري أو استسلام لعدو في حرب، بل يرمز إلى شيء أسمى. في 9 مايو 1950، قدَّم أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وهو وزير الشئون الخارجية الفرنسي آنذاك، روبرت شومان، رؤيته لأوروبا مبنية على تعاون سياسي واقتصادي يجعل الحرب بين البلدان الأوروبية أمراً لا يمكن حتى التفكير فيه. وضع "إعلان شومان" الأسس لإنشاء الاتحاد الأوروبي، أي أوروبا موحدة على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المشتركة بين جميع الشعوب الأوروبية.
وبالنسبة لنا كأوروبيين، فإن 9 مايو يمثل في جوهره يوماً للتطلع إلى الأمام، يوم نحتفل فيه بالسلام والوحدة اللذان يسودان بين أممنا، ويوم نتأمل فيه كيفية تعزيز ذلك. إنه يوم نتذكر ونؤكد فيه أن السلام ممكن دائما طالما وجدت الإرادة السياسية. هذه الرسالة ليست محصورة بأي شكل من الأشكال على أوروبا فقط. بل هي مرتبطة بجميع القارات والبلدان التي قتلت وشوهت فيها الحروب التي أدت إلى دمار المجتمعات والجماعات. تماماً كما حدث في أوروبا.
ثمة أماكن قليلة في العالم تعد فيها هذه الرسالة أمرا مُلحاً وهاماً كما في اليمن. يمكن للحرب في اليمن أن تنتهي ويمكن إعادة بناء اليمن ليسوده السلام والازدهار، فقط في حالة وجود إرادة سياسية لدى الأطراف المعنية الكثيرة التي تنظر اليوم إلى مصالحها بدلا عن مصلحة جميع اليمنيين.
لم تكن إعادة بناء أوروبا بعد الحرب، والسلام والازدهار اللاحقين، أمرا جلياً أو سهلاً. فبالإضافة إلى الإرادة السياسية والشجاعة، تطلب ذلك ثلاثة عناصر أساسية: تقديم التنازلات والتعاون والثقة. وبالنظر إلى غياب الثقة المتجذر بين الأوروبيين، تم وضع نظام لتجميع ومشاركة موارد الفحم والفولاذ – وهما العنصران الأساسيان لأي حرب - بين البلدان الأوروبية على أساس إعلان شومان. كان الغرض من ذلك جعل أي حرب أخرى بين البلدان الأوروبية أمرا لا يمكن التفكير فيه أخلاقياً ومستحيل عملياً. ومنذ إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ في 1950، والتي عرفت فيما بعد بالاتحاد الأوروبي، لم تخض بلدان هذا الاتحاد السياسي والاقتصادي أي حروب. وفيما تظن الأجيال الأوروبية الشابة اليوم أن هذا من الأمور المُسَّلم بها، إلا أنه يمثل إنجازا استثنائيا لقارة تتألف من بلدان خاضت تاريخيا وبشكل متكرر حروباً مكلفة بغية السيطرة على الأرض.
وكأوروبيين، نعرف أيضا أن السلام ممكن إن كانت هناك إرادة سياسية وقيادة شجاعة. إن الروح الأساسية للتوافق والتعاون والثقة بين الخصوم السياسيين هي اليوم أمر شديد الإلحاح في اليمن. وللأسف فإن الأصوات المنادية اليوم بالسلام في اليمن ليست هي من يمتلك المنصات الأعلى صوتا والأكثر ظهورا. لهذا السبب ندعم منظمات المجتمع المدني اليمني. ندعم هذه المنظمات الشجاعة وذات الإرادة، والتي تحمل مطالب النساء والشباب الذين ينادون دون كلل بالسلم، إلا أن العنف والمعاناة يستمران في تهميش أصواتهم.
لقد طال كثيراً انتظار المثيل اليمني لإعلان شومان – وهو الالتزام السياسي بالتعاون والتفاهم مع "الآخرين". جرت محاولات مبهرة في الماضي كمؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في الفترة 2013 – 2014 والذي أكد ثقتنا في الرغبة اليمنية في البحث عن بداية جديدة سلمية وديمقراطية للبلاد. يواصل الاتحاد الأوروبي الإيمان بأن السلام لايزال ممكنا في اليمن وأن اليمنيين قد انتظروا بما فيه الكفاية. سنواصل تشجيع الأطراف السياسية والعسكرية في تبني السلم، وفي الأثناء سندعم اليمنيين الذين يرغبون في رؤية قادتهم يقدمون السلام والازدهار لشعبهم.
إن إمكانية السلام في اليمن ليست خيالاً بعيد المنال. إنها فرصة في الواقع، فرصة قائمة في ظل الجهود التي يرعاها المبعوث الخاص للأمم المتحدة. يحث الاتحاد الأوروبي الأطراف المتحاربة على اتخاذ القرار الصائب الآن واختيار السلام. وكأقرانهم الأوروبيين، يستحق الجيل القادم من اليمنيين رؤية الحرب في بلدهم على أنها شيء لا يمكن التفكير فيه.
*سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن